لماذا وإلى أين ؟

منيب: الحكومة تستغل المقاطعة لخلق مواجهة بين المنتجين والمستهلكين (حوار)

بعدما كانت حملة مقاطعة منتجات استهلاكية عبارة عن حملة افتراضية؛ استهان بها عدد من السياسيين والمسؤولين، ونعت بعضهم النشطاء المروجين لها بالمداويخ والخونة، فيما قال أحدهم متهكما: “إن العمل يكون في الأرض وليس في الافتراضي”، بعد كل هذا، تحولت هذه المقاطعة إلى صخرة حركت المياه الآسنة ببركة المشهد السياسي المغربي، وبدأت تجني ثمارها بخلق نقاش مجتمعي غير مسبوق، نتج عنه إسقاط مسؤولين ووزير، ورسم معالم مشهد سياسي سيكون له ما بعده.

ومن أجل تقييم الوضع السياسي بالمغرب بعد حوالي شهرين على انطلاق حملة المقاطعة، وتشريح ما أفرزته من نتائج لحد الآن، وتقديم قراءة مستقبلية لما قد تفرزه، استضافت “آشكاين” في ركن “ضيف السبت”، الأمينة العامة لـ”الحزب الاشتراكي الموحد”، نبيلة منيب، وأجرت معها الحوار التالي:

 بداية مرحبا بك دكتورة نبيلة منيب، وشكرا لك على قبول دعوة “آشكاين” لإجراء هذا الحوار.

بدوري أشكر الموقع الاخباري الجاد “آشكاين” على هذه الدعوة التي أتشرف بتلبيتها، وأشكركم على طرح هذا الموضوع للنقاش، لما له من راهنية وأهمية.

س: ما هو تقييمك للمشهد السياسي بالمغرب حاليا بعد شهرين على انطلاق حملة المقاطعة؟

ج: إذا أردنا تقييم المشهد السياسي بالمغرب لابذ من الحديث عن بعض المؤشرات الدالة على الظرفية العامة في بلادنا، ومن بينها مؤشرات دالة على تفاقم مشاكل هيكلية في العشرية الأولى والثانية من القرن 21 ، كالرتبة التي احتلها المغرب في مؤشر التنمية البشرية، وهي 123 في سنة 2018، أي في آخر الترتيب، ونسب الأمية التي ماتزال مرتفعة جدا، كما أن ثلث السكان المغاربة تحت عتبة الفقر، ومعدل البطالة وصل إلى 45 في المائة، و17 في المائة من حملة الشواهد معطلون، ومديونية البلاد تقارب 80 في المائة من الناتج الداخلي الخام.

أما سياسيا، فهناك غياب الديمقراطية، واستمرار عدم فصل السلط، واستمرار تعددية حزبية غير منطقية، حيث أن أغلب الأحزاب ليست مستقلة، بالإضافة إلى تفشي الوصولية والانتهازية، وغياب الكفاءة لدى العديد من النخب السياسية، وهذا أمر يعود إلى فشل الاختيارات المنتهجة في بلادنا، سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاقتصادي، الشيء الذي أدى إلى توسيع الفوارق المجالية والاجتماعية، وخلق حراكات واحتجاجات شعبية، وإلى ابداع حملة المقاطعة؛ التي هي تعبير على مواطنة متجددة محتجة، وسلط مضادة تتشكل في بلادنا.

س: هل أضافت حملة المقاطعة شيئا ما للمشهد السياسي؟

ج: وراء هذه المقاطعة التي هي احتجاج على أوضاع إقتصادية، واحتجاج على أوضاع سياسية متردية، نجد ضمنيا رفض للزواج غير الشرعي بين السلطة السياسية وسلطة المال، والتي هي من المعيقات الأساسية للتنمية المنتظرة، لأنه بالإضافة إلى اختيار الدولة المغربية للبيرالية وسياسة الخوصصة، إلا أن الريع واستغلال النفوذ أديا إلى كوارث وتفاقم ظاهرة الفقر والتهميش، وتوجيه الضربة القاضية للطبقة المتوسطة التي لم يعد لها وجود، وهنا يظهر دور التأثير السلبي لغياب الديمقراطية وتحقيق التنمية حتى على بعض الملفات الأساسية كملف الصحراء، فالديمقراطية كانت ستحصننا من ضربات يخطط البعض لتوجهها لبلدنا.

س: من نتائج حملة المقاطة استقالة الوزير لحسن الداودي، ما هو تعليقك على هذه الاستقالة؟

ج: أولا يجب التأكيد على أن الحكومات في المغرب لا تحكم، وأنها فقط حكومات تدبير الأعمال، فليس هناك فصل للسلط ولا ربط للمسؤلية بالمحاسبة، ومع كل الأسف، الحكومة تستفيد من الريع السياسي، وما يحكم تنصيب الوزراء هو القرب من الذين يوزعون المناصب، وهو ما يفتح الباب أمام وصول بعض النخب السياسية، بين قوسين، والتي تفتقد إلى الكفاءة اللازمة، والكل يجمع على أنه إذا أردنا التوجه إلى بناء نموذج تنموي ناجع، فنحن في حاجة إلى كفاءات عالية ومسيسة، وتعي تمام معنى الصالح العام.

وبخصوص السيد الداودي، فمنذ تنصيبه على رأس وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي في الولاية الحكومية السابقة، وهو يراكم الأخطاء تلو الأخطاء، وفي خرجات متعددة جانب الصواب اللازم واللباقة المطلوبة، وأصدر تصريحات مخيفة، وبخرجته الأخيرة ترجم سكيزوفرينية الحكومة والحزب الأغلبي الذي يضرب حقوق الشغيلة والموظفين من جهة ويخرج للتظاهر معهم في فاتح ماي من جهة أخرى، ويلعب دور المعارضة والأغلبية في نفس الوقت.

رأيت وزير في الحكومة البريطانية يستقيل لأنه تأخر دقيقة، فيما حكومتنا متأخرة كل الوقت ولم تستقيل، وعليها فعل ذلك، لأنها فشلت في الاستجابة إلى المطالب المشروعة للشعب، وقامت بضرب الحريات والحقوق بما فيها الحق في التظاهر السلمي والتعبير…

س: هل يمكن أن تطيح المقاطعة بالحكومة؟

ج: المقاطعة تشكل سلطة مضادة مهمة، لكن يجب أن تتم بأفق ديمقراطي، لأن الذي سيخرجنا من الأزمة ليس هو استقالة الحكومة واستبدالها بأخرى بنفس المنهج، لكن نحن في حاجة إلى رسم أفق التغيير الديمقراطي والدفع باتجاه الإصلاحات الدستورية والسياسية في بلادنا من أجل فصل السلط، والاستعداد لاصلاحات على مستوى قانون الأحزاب، والميثاق الانتخابي، والإدارة، ونظام العدالة، من أجل إعادة الثقة في العملية السياسية ككل.

المقاطعة الاقتصادية لا يجب أن تؤدي إلى مقاطعة سياسية بل إلى انخراط سياسي أقوى. فالحكومة تريد استغلال المقاطعة لخلق نوع من المواجهة بين المنتجين والمستهلكين، وما يجب معرفته أنه ليست المقاطعة هي التي أدت إلى تدهور أوضاع المنتجين والفلاححين، بل غياب دعم هؤلاء، وعدم تفعيل مجلس المنافسة، وعدم تحديد شروط الاستثمار الخارجي بما يحمي المنتج والمستهل الوطني وقدرته الشرائية.

س: هل أنتم كحزب وكفديرالية مهيؤون لتكونوا معبرا سياسيا للمطالب التي يحملها المقاطعين؟

ج: نحن ندعم المقاطعة ونحن معها، لكن لا نريد أن يقال إننا نريد الركوب عليها، بالفعل المشروع المجتمعي الذي ندافع عنه، كحزب وكفديرالية، والتي أتولى تنسيق أعمالها خلال هذه الفترة، هو المشروع القادر على الاستجابة لمطالب الشعب المغربي في التحرر، والعادلة الاجتماعية، والتوزيع العادل للثروة، لأنه يتأسس على المدخل السياسي لبناء الديمقراطية الحقة في بلادنا، ويتأسس على اختيارات اقتصادية واجتماعية وقيمية من شأنها أن تؤسس لمغرب العدالة الاجتماعية، والمساواة، والمواطنة.

س: ماهو تقييمك للوضع الحقوقي بالمغرب بعد سنة على انطلاق الاعتقالات على خلفية حراك الريف؟

ج: بالنظر للمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقع عليها المغرب، وما جاء في ديباجة دستور 2011، نرى أن المغرب يعيش تراجعا كبيرا على مستوى الحريات والحقوق (حرية التظاهر والتعبير والصحافة )، وأكبر دليل على هذا التراجع هو المقاربة الأمنية الشرسة التي تلت تخوين أبناء الشعب في الريف، حيث أن الملفات تكاد تكون فارغة، لكن الاعتقالات مازلت مستمرة، والتنكيل والاستنطاقات وترهيب جهة بكاملها رغم مرور سنة.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x