2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
العنف داخل المدرسة المغربية..من الضحية ومن الجلاد؟
لا شك أن واقعة تعنيف أستاذ خريبكة لتلميذة داخل الفصل بإحدى الثانويات بمدينة خريبكة، قد أعادة للواجهة ظاهرة العنف المدرسي بقوة، مما يستدعي فتح حوار متجمعي لوضع الأصبع على مكامن الخلل، واستخلاص مسببات هذه الظاهرة إضافة إلى النتائج مع وضع حلول موضوعية وجذرية للقضاء عليها ولو بشكل نسبي.
حوادث العنف داخل الوسط المدرسي، سواء من جانب الأستاذ أو التلميذ، دفعت العديد من الفاعلين والمؤسسات إلى التراشق بالإتهامات حول من يتحمل مسؤولية تفاقم الوضع في المدرسة العمومية، وأسباب تدهور أحوالها، خاصة في ظل العولمة وعصر المواقع الإجتماعية التي ترصد كل كبيرة وصغيرة وتجعلها في المتناول عبر نقرة زر فقط.
فما هي الأسباب الحقيقة لتفشي لتنامي ظاهرة العنف المدرسي؟ وما هي نتائجها على المدرسة العمومية والمجتمع ككل؟ وما هي الجهة التي تتحمل المسؤولية في استعمال العنف داخل المدرسة؟ ما السبيل إلى التقليل أو الحد منها؟ وهل يمكن الحديث عن وصول المدرسة المغربية إلى عصر الإنحطاط بشكل يُفقد معه الأمل؟ ومن الضحية ومن الجلاد؟
المقاربة المندمجة هي الحل
وفي هذا الصدد قال عبد الإله دحمان عبد الإله دحمان الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، الموالية للذراع النقابي لحزب “العدالة والتنمية”، “إن العنف بشكل عام هو مشكلة مركبة متعددة الأبعاد، لا يمكن فهمها إلا باستحضار العامل السياسي والاجتماعي والإقتصادي والنفسي والتربوي والحقوقي، وأية مقاربة لظاهرة العنف المدرسي يجب أن تكون متعددة الأنظمة والمداخل على اعتبار أن الظاهرة لها تعبيرات متعددة من حيث المظاهر والأسباب التي أدت إلى تفاقمها داخل الوسط المدرسي”.
ولمقاربة ظاهرة العنف المدرسي، يرى دحمان أننا “نحتاج إلى دراسة علمية، متأنية بعيدة على استعجال النتائج، وتقر بتحديد المسؤوليات من أجل معالجة جذرية وليس معالجة المظاهر العابرة على اعتبار أن العنف المدرسي هو قضية سلوكية مرتبطة بالمجتمع، حيث كان على المدرسة أن تعدل من السلوكيات المجتمعية وتصحيخ بعض المظاهر والإختلالات في المجتمع”، مضيفا “طالبنا في كثير من الأحيان بضرورة أن يكون هناك نوع من الرصد الحقيقي للظاهرة لبيان مضمونها وسياق تطورها وتداعياتها وكذا آثرها على التحصيل التربوي”.
وأردف المتحدث، قائلا: “يؤسفني أن أقول بأن الظاهرة هي في تنامٍ مطرد، حيث أصبحت تفكيرا بنيويا وسلوكا مجتمعيا على مستوى الإنفعال والتفاعل، وأيضا هي حالة من الإفلاس داخل المنظومة التربوية ومؤشر على التفاقم على مستوى العلاقات بين الأفراد وبين الأفراد والمؤسسات”، مشيرا إلى أن “هناك سيادة لقيم التنافس والتسابق والتطاحن حتى داخل المجتمع المدرسي وفي الفلسفة التربوية التي تنبني عليها العملية التعلمية سواء تمثل دور الأستاذ أو في تمثل العلاقات البينية مع المجتمع، أي أن هناك خلل في وظائف التنشئة التبروية بشكل عام، والمسؤول على ذلك هو الإعلام والمدرسة والأسرة التي استقالت من وظائفها. وبالتالي فنحن الآن في حاجة لمؤسسات فاعلة حتى نستطيع تشكيل شخصية الإنسانية”.
ويؤكد القيادي النقابي، في حديث مع “آشكاين”، على “أن الإعلام لعب دورا مهما جدا في تنامي الظاهرة، فاليوم نرى أن المنتوج الفني والسينمائي والتلفزي هو مليء بالكثير من مشاهد العنف التي تغذي حالة التوتر هاته والإحتقان، ولذلك فنحن في حالة للتعرف على أسباب العنف لدى المتعلمين من خلال معرفة خصائص شخصياتهم وما يقع من انفعالات مختلفة، ولابد من التعامل معهم بنوع من الوعي ومساعدته لتجاوز وضعياتهم الاجتماعية ومعاناتهم النفسية وردود فعلهم المختلفة”، وخلص دحمان للقول “إن المقاربة المندمجة هي وحدها الكفيلة بتأطير هذه الظاهرة”.
قد يتحول الأمر إلى تطرف وإرهاب
من جانبه، قال يوسف علاكوش الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم، الموالية لحزب “الإستقلال”، “إنه مما لاشك فيه أن المؤسسة التربوية تعد الجهاز المناعي الحقيقي للمجتمع فهي الضامنة لمنظومة القيم المجتمعية و الساهرة على ترسيخها و هي وظيفة اساسية للمدرسة لا تقل أهمية على تحصيل العلم و المعرفة بل إن وظيفة التربية تتقدم على التعليم لكن لما عطلت عنوة وظائف المدرسة بنزع قدسيتها و إهمال رسالتها من خلال تبخيس أدوار المدرسين والتهكم على وضعيتهم المادية و المعنوية، و تراكم أعطابها ومشاكلها (المدرسة) رغم تعدد وتوالي مشاريع الاصلاح”.
وأوضح علاكوش، “أنه منذ فجر الاستقلال لم تحقق المدرسة أهدافها ولم تحقق الاندماج، والمحصلة هي أن الاسرة التعليمية غير راضية على أوضاعها التي طالها الإهمال و أصبحت تبحث طوعا عن التخلص من المسؤولية الجسيمة و المستحيلة التي هي التربية والتعليم عبر اختيار التقاعد النسبي، الذي جعل من السلطة التربوية الوصية ترفع من شروط الاستفادة منها و المتمدرس التلميذ الذي بدأ يفقد الرغبة في مؤسسة لا توفر شروط التعلم بفعل الاكتظاظ و ضعف مخرجاتها و تدني التحصيل الدراسي، لأن الخريطة المدرسية هي التي تتحكم في النجاح والتكرار وليس مستوى التعلمات محيط المدرسة الذي أصبح غير آمن كلها عوامل سرعت من تنامي ظواهر أبرزها العنف المدرسي، و حتى صلة الوصل الأساسية وهي الاسرة التي انقطع اتصالها بالمدرسة في إطار تكامل الادوار و الوظائف وتدنى بذلك مؤشر القيم داخل المدرسة ومحيطها.
وشدد علاكوش على ضرورة “تصالح المجتمع مع المدرسة، وذلك بالوقوف على إصلاح أعطابها و حل مشاكلها؛ فالمُدرس الذي يحس أنه امام فوهة بركان لن يسعفه ما حصله من تجربة لمعالجة كل ما تسلط على المدرسة، لاسيما أن نسق التحول الذي يعرفه المجتمع من جراء الطفرة الرقمية في حين أن المدرسة لا تزال محافظة على بنيتها الكلاسيكية”.
وقال المتحدث، في تصريح لـ”آشكاين”، “لم تستطع لا برامج والمناهج فك المعضلة وغاب التواصل والاحترام حيث أن المدرسة فيها مدرس أُنهك بثقل المهام و إهمال وضعيته ومطالبه المادية و المعنوية و تلميذ فاقد للرغبة في نظرته للمدرسة والمدرس عبر تلك النظرة النمطية التي تم رسمها جورا حولهما”.
ومضى علاكوش قائلا، “إن العنف المدرسي ليس بالخصوصية المغربية بل هي دولية لكنها بالنسبة للمجتمع المغربي انذار بتحول قيمي غير مسبوق سينتقل غدا إلى الاسر داخل البيوت و الى المجتمع بمظاهر اكثر عنفا كالتطرف و الارهاب”.
كل فرد هو قنبلة قابلة للانفجار
أما الدكتور جواد مبروكي الخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي، فيرى أنه “لا يهم من يعنف من، لأن الامر الخطير هو العنف في المجتمع المغربي، حيث أنه حاضر في جميع البيوت المغربية، سواء أكان عنفا لفظيا “السبان” أو عنفا معنويا “ماعمراك ولا غدي تنجح مثلا” أو العنف الجسدي بحيث أن الآباء يعنفون الاطفال والاخوة يمارسون العنف بينهم. زيادة على هذا العنف بين العكوزة والعروسة، والعنف بين العائلات وبين الأعمام والخالات والاخوال وايناء العم الى آخره..”
وشدد الطبيب النفساني، على أن “العنف بين الجيران قائم، إضافة إلى العنف في الشوارع، وفي الرياضة بين الفريقين وبين المتفرجين”، وبخلاصة يؤكد مبروكي “على أننا نعيش في العنف على جميع أنواعه، بل هناك حتى العنف الفكري والعقائدي وكأن العنف أصبح مخدرا والمجتمع المغربي مدمن عليه”، ثم تساءل “فاذا كنا نرى العنف ضروريا لعلاقتنا فلماذا يجب أن يغيب في المدرسة؟”
وفي سياق حديثه عن العنف المدرسي، قال مبروكي، “إن املدرسة في منهجها عنيفة جدا مع التلاميذ بحيث تعتبرهم كإناء فارغ ويجب ملؤه ولو بالعنف، عبر وثيرة التعليم حيث نسجل وجود كثرة الدروس والفروض وهذا شكل من العنف الممارس ضد التلميذ”.
ومن بين العوامل المتسببة في هذه الظاهرة، يرصد الإختصاصي في التحليل النفسي، “إهانة المعلم والمدرسة من طرف الاباء والمجتمع وحتى الاعلام، حيث تجعل أن التلميذ يفقد كل ثقته في التعليم ويحتقر المدرسة والمعلم”، مضيفا إلى ذلك أن “المعلم أيضا يرى نفسه ضحية التعليم (ظروف العمل قاسية جدا) وضحية للآباء والمجتمع، حيث أنه هو الآخر في حالة قلق مزمن”.
وخلص المتحدث، إلى أن “كل هذه العوامل تجعل من المغربي، صغيرا كان أم كبيرا، يشعر بالاحتقار ويرى نفسه ضحية، وفي هذه الظروف يكون الكل على حذر وفي وضعية الدفاع عن النف، وبالتالي فكل هذا يجعل من كل فرد قنبلة قابلة للانفجار”.