لماذا وإلى أين ؟

كرة القدم.. هل هي متعة ورياضة أم شيء أخر؟

سعيد الغماز

بداية نهنئ المجتمع المغربي بتأهل فريقنا الوطني لكأس العالم ونتمنى له نتائج طيبة في هذه الكأس العالمية. فبعد فترة من توتر الأعصاب والعيش على حلم التأهل لمونديال قطر 2022، أُسدِل أخيرا الستار عن الفُرق المحظوظة التي ستكون ممثلة في أول مونديال يُنظم في دولة عربية… بعد فترة ليست بالقصيرة كان فيها اهتمام الناس مُنصبا على هذه المباريات الإقصائية التي سيطرت بامتياز على حديث الشارع والمقاهي، وشكلَّت الاهتمام الأول في مخيلة الناس، تعرَّف الجميع على الفرق العربية التي ستكون حاضرة في قطر وتلك التي لم يُسعفها الحظ للمشاركة في هذا العرس الكروي العالمي. انتهت مباريات التأهل لكأس العالم يوم الثلاثاء، وشهدنا الفرح والقرح، شهدنا الابتسامات والدموع، شهدنا جمهورا يحتفل بالتأهل وآخر لا يريد تقبُّل الاقصاء…شهدنا مدربين يفرحون مع الجمهور ومدربين يقدمون استقالتهم مباشرة بعد الإقصاء.

فهل تم إخراج كرة القدم من واقع المتعة والفرجة والرياضة، إلى واقع الحزن والدموع والاستقالات وانتقادات اللاعبين؟

كانت المجتمعات العربية في شمال إفريقيا، يوم الثلاثاء على موعد مع المباريات الأخيرة لتحديد مصير مشاركتها في نهائيات كأس العالم قطر 2022. لا ننكر أن لهذه الكأس ميزة خاصة تتجلى في تنظيم كأس العالم في بلد عربي لأول مرة في تاريخ هذه الكأس، علاوة على كونها عرسا رياضيا عالميا، لكن ما شهدناه من ردود أفعال الجماهير سواء التي تأهلت أو تلك التي خسرت رهان التأهل، يجعلنا نطرح أكثر من سؤال.المنتخب المصري قام بمباراة كبيرة أمام فريق كبير مصنف الأول إفريقيا حسب تصنيف الفيفا، وانتهت المباراة بالاحتكام لضربات الترجيح وبالأحرى ضربات الحظ لأنها في حقيقتها ضربات تحتكم للحظ أكثر من شيء آخر. كان الحظ حليف المنتخب السينغالي فتأهل لكأس العالم وبطبيعة الحال أقصي المنتخب المصري. لكن ما شهدناه من انهيار وبكاء في صفوف اللاعبين المصريين، وكيف لم يتقبل الجمهور المصري هذا الإقصاء، يجعلنا نتساءل عن الأسباب التي تكمن وراء هذا التعاطي المبالغ فيه لنتيجة تخص مباراة رياضية يعلم الجميع أن نتيجتها ستكون إما الربح أو الخسارة. نتساءل كذلك عن ردود الأفعال التي لا تتقبل الخسارة ولا يتسع صدرها سوى للفوز ولا شيء غير الفوز.

نفس الشيء بالنسبة للمنتخب الجزائري الذي قام بمباراة كبيرة أمام منتخب عريق في كرة القدم من حجم المنتخب الكاميروني، وشاهدنا جميعا استماتة اللاعبين الجزائريين إلى آخر دقيقة في المباراة. والهدف الثاني للكاميرون وإن كان هدفا صعبا على المنتخب الجزائري، فهو هدف يلعب فيه الحظ الجزء الأوفر ولا يُنقِصُ من المجهود الذي بذله اللاعبون في شيء. لكن انهيار اللاعبين وبكاء المدرب وعدم تقبل الجمهور الجزائري نتيجة الاقصاء، يجعلنا نعتقد أن الأمر لا يتعلق بمباراة ولعبة رياضية، وإنما يتعلق الأمر بمصير فريق وشعب ووطن. واستقالة الناخب الجزائري مباشرة بعد المباراة تعزز هذا الاعتقاد لأن المدرب قدَّم فريقا كبيرا في مستوى المباريات الكبرى، والإقصاء لا ينقص من قيمته ولا من قيمة عمله في شيء.

إذا حاولنا أن نعطي تعريفا لمباراةٍ في كرة القدم حتى وإن كانت تتعلق بالتأهل لكأس العالم، فإننا نكتفي بالقول إنها فترة زمنية وجيزة يقضي فيها المُتفرج في الملعب أو وراء الشاشة زمنا من المتعة والفرح بأجواء التشجيع لفريقه المفضل، والفرجة المصحوبة بالحماس وبإحساس السمو والفرح. لكن في أرض الواقع تتحول المباراة إلى همٍّ يُسيطر على محبي الكرة المستديرة ويتحكم في أحاسيسهم وجوارحهم. فقبل المباراة يهيمن اللقاء الرياضي على الحديث اليومي للمشجعين.. وأثناء المباراة تسود أجواء التشجيع والحماس.. وبعد المباراة تستمر أجواء المتعة والحماس في حالة الانتصار أو أجواء الحزن والقلق في حالة الخسارة. هكذا تَخْرُج كرة القدم من سياقها الطبيعي كلعبة للاستمتاع والفرجة، لتصير معركة حرب بين المشجعين وحتى بن الشعوب في المباريات الدولية. الفريق الفائز تجد مشجعيه يُعربون عن فرحة تفوق بكثير طبيعة الحدث وكأننا أمام جمهور فاقد لأجواء الفرح والمرح ويستغل الفوز في مباراة رياضية ليُعبر عن سعادة بعيدة وفرح مفقود. أما الفريق الخاسر فيتحول جمهوره إلى حالة من القلق والحزن وكأن حياته متوقفة على مباراة في كرة القدم.

الأمر الطبيعي هو أن يعيش الجمهور أجواء الفرح والانتشاء بتشجيع فريقه المفضل، لقضاء حيز زمني من المتعة، يتشبع خلالها بالطاقة الإيجابية وبمتعة الأحاسيس، قبل العودة لحياته بكل ما تحمله من معاني النجاح والفشل، السرور والحزن، الخبر السار والخبر الحزين، وفي جملة الرجوع إلى الحياة الطبيعية كما يعيشها جميع البشر. وبعد المباراة ينبغي على الجماهير ومتتبعي الكرة المستديرة أن يحافظوا على ما كسبوه من طاقة إيجابية ومتعة وَقْتِيَّة كيفما كانت نتيجة المباراة ربح أو خسارة. فإذا كان الفوز من نصيب الفريق المفضل فهو لا يزيد عن فوز في مباراة رياضية، ولا ينبغي إعطاء الحدث أكثر من حجمه وكأن البلد ربِحت معركةً ضد عدو، أو كسبت رهان التنمية والتقدم للرقي بالعيش اليومي لمواطنيها. أما في حالت الخسارة فتلك روايات أخرى حيث يعم القرح والحزن وكأننا في جنازة، وتتسبب هذه الحالة البئيسة في أعمال شغب ومشادات وكأننا في حالة حرب بين عدوين. وإذا رجعنا إلى طبيعة الحدث المتمثل في لعبة كرة القدم، فإن الخسارة يجب التعامل معها كشيء عادي وطبيعي في لعبة رياضية، وأن تستمر أجواء المرح والفرح حتى في حالة الخسارة، لأنها في نهاية المطاف خسارة رياضية، وليست خسارة معركة ضد عدو، ولا خسارة رهان التنمية والتقدم من أجل الرقي والرخاء الاجتماعي الذي تنشده جميع الشعوب.

أخيرا نقول لا يجب الخلط بين كرة القدم كلعبة رياضية، وبين طموح الدول العربية في التنمية والتقدم وما يتطلبه ذلك من مجهود وعمل وعناء ومثابرة. فكُرة القدم هي لعبة للترفيه والمُتعة، والخسارة فيها، كما الفوز لا يجب أن تَخرج عن سياقها وألا تحرم الجمهور من إحساس المتعة والفُرجة. أما الخسارة في مباراة التنمية والتقدم فلها طعم آخر وهي الجديرة بشعور الإحباط والحزن الذي تُعبر عنه الجماهير الرياضية عند كل خسارة في مباراة لكرة القدم.

الفوز في مباراة التأهل لكأس العالم قطر 2022 لا يعني بالتأكيد الفوز في كسب رهان التقدم والتنمية لبناء مجتمع الازدهار والرقي والعيش الكريم. والخسارة في كسب ورقة المشاركة في كأس العالم يجب ألا تجعلنا نغفل عن المعركة الحقيقية في التنمية والتقدم والرقي بالمجتمع.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
بن عمي
المعلق(ة)
1 أبريل 2022 00:04

ليست برياضة بل مخدرة للعقل السليم.
هي قمار في قمار في قمار.
الشاب يعرف جميع الاسماء و السير اللاعبين و جاهل في أمور دينة و مصلحته النفسية.
هي مفسدة للحياة الطبيعية و خاصةً لأي مسلم يريد الآخرة.

حنظلة
المعلق(ة)
31 مارس 2022 23:36

متعة في الدول الديمقراطية، وعند أخنوش مناسبة للزيادة في أسعار المواد الإستهلاكية…
الكرة لديه أفيون الشعب…

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x