لماذا وإلى أين ؟

جهاد المشايخ: نكوص عقلي مزمن

(في ذكرى 16 ماي)

يُضحكني هذيان بعض مشايخ التطرف والإرهاب السلفيين، وهم يحاولون الظهور بمظهر من يُناظر ويناقش بالعقل والحُسنى، حيث يسقطون في أخطاء قاتلة تجعلهم عرضة للسخرية.

فهذا أحدُهم يحاول بعد أن فشل كل من سبقه على مدى القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة في إقناع الناس بأن “الجهاد” ليس اعتداء بل هو” رسالة سامية وخالدة” إلى الإنسانية جمعاء، يُقسّم كالمعتاد عند الفقهاء “الجهاد” إلى نوعين: “جهاد الدفع” و”جهاد الطلب”، جهاد الدفع هو الحرب بغرض الدفاع عن النفس ضدّ المعتدين، وهذا مفهوم، وجهاد الطلب هو “الهجوم على غير المسلمين في عقر دارهم” بالجيش والعتاد وإرغامهم على اعتناق الإسلام الذي هو الدين الحق وحده دون غيره، وفي هذا خمس نكات هزلية:

– أن “الدين الحق” في زماننا هذا ليس بحاجة إلى عنف ليعرفه الناس ويتبنونه، فقد وصلت ديانات كثيرة إلى أقاصي الأرض بالكلمة الطيبة والأفكار النبيلة والحوار الحضاري، وما دام هناك حاجة إلى العنف لنشر دين ما فمعناه أنه ليس بالبداهة التي نعتقد.

ـ التناقض الثاني أن المشايخ يزعمون أن للمسلمين الحق في “جهاد الدفع” أي الدفاع عن النفس ويرفضون ذلك الحقّ لباقي الأمم والشعوب، حيث يرون أن على غير المسلمين أن يضعوا السلاح ويخضعوا أو يُقتلوا.

ـ ومن أكثر “الحُجج” إضحاكا قول أحد سفهائهم إن النصوص تتحدث عن “المقاتلة” وليس القتل، أي أن هناك “مشاركة” و”تفاعل” في القتال، متناسين بأنهم يتحدثون عن “طلب الكفار في عقر دارهم”.

ـ أن المشايخ يخلطون بين العصور ويقفزون على الزمن والتاريخ بشكل غريب، لأنهم ذهنيا ما زالوا يعيشون في زمن الغزوات الأولى، وعقارب ساعاتهم لم تتحرك من ذلك التاريخ.

ـ أن منطق نشر الدين عند الغير يفترض أن الغُزاة أرقى حضاريا ومعرفيا وتقنيا وأخلاقيا من “الكفار” الذين يتم غزوهم، والحال أن الأمر معكوس تماما، فتخيلوا أن هؤلاء المشايخ الجهَلة يُعلنون الحرب على سويسرا أو الدنمارك أو النرويج أو كندا، أو غيرها من البلدان التي تحتلّ الرتب الأولى عالميا في جودة الحياة والسعادة والحكامة والنزاهة والنظافة، ما الذي سيقدمه المشايخ الغزاة للعالمين الذين يرفلون في بحبوحة العيش الكريم ؟ هل سيأتونهم بالاستبداد السياسي أم باحتقار النساء أو الحجر على الحريات والرقابة البوليسية على حياة الأفراد، هل يعلمونهم الكراهية والعنف والجهل المقدّس ونهب المال العام والتزوير والكذب والغش وسوء التسيير والعشوائية والخرافة والرقية الشرعية، وكل ما يسود في بلاد المسلمين ؟ أم أنهم سينقلون إليهم ركام الأزبال والقاذورات التي تحتل الشوارع والأزقة والروائح التي تزكم الأنوف في بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ؟ ألن يُصبح الغزو بغرض إعادة شعوب راقية إلى عصورها الحجرية ؟ ما الجدوى منه إذن ؟ يبدو أن المثل القائل “فاقد الشيء لا يعطيه”، مفيد في هذا المقام.

يجري هذا النقاش في 2022 في الوقت الذي يسهر فيه علماء الأمم الراقية في مختبرات العلوم ساعات طويلة نهارا وأطرافا من الليل لاكتشاف الجديد المبهر في الطب والصيدلة وعلوم الزراعة والاختراعات التقنية المختلفة، هؤلاء “المجاهدون” الحقيقيون يفكرون في مستقبل البشرية وكيفية مواجهة تحديات المجاعات والأوبئة والتغير المناخي، ومشايخنا البُلهاء ما زالوا يفكرون في غزو الجيران وفرض دينهم عليهم وسبي نسائهم وبناتهم. ورغم فظاعة كلام المشايخ فالناس يتبعون في خشوع، لأن كلام الغزو والقتل يشفي غليلهم في عز القهر الاجتماعي وضيق ذات اليد، ويجعلهم يتخيلون خيول المسلمين وهي تطأ بقوائمها جماجم الشعوب الأخرى التي تمثل 80 في المائة من سكان العالم.

على هؤلاء تنطبق العبارة “وبئس المصير”، إذ ليس هناك من مصير أسوأ من التيه الحضاري والضياع والتخبط خارج التاريخ.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

5 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ابو زيد
المعلق(ة)
19 مايو 2022 03:26

هناك من يمن علينا باسلامه….او على الاقل بما وصله عنه، كالقول ان فلانا او غيره ينفرونك من الاسلام!!! و كان رب العالمين سيهتز هرشه بتركك للاسلام….نحن نشكر الله إذ جعلنا مسلمين…..و نطلب الهداية من الهادي لسوانا..ان الدين الإسلامي هو دين واحد اكتمل مع وفاة الرسول عليه الصلاة و السلام و تشخيصه او تجسيده في افعال الناس محاولة فاشلة لازدرائه او بالاحرى جهل ليس بعده جهل…

مريمرين
المعلق(ة)
الرد على  كريم
18 مايو 2022 22:19

سي عصيد ماوجد فلمغرب غير الإسلام ! مكاين لا فساد إداري لا فساد سياسي لا سرقة أموال الشعب لا محاكمة صحفيين و حقوقيبن لا مخطط أخضر لا ارتفاع الأسعار …

حسن
المعلق(ة)
18 مايو 2022 20:26

امثال الفيزازي والكتاني وبنكيران يجعلونك تنفر من الدين خصوصا ان افعالهم واقوالهم بعيدة كل البعد عن تعاليم الدين الإسلامي السمحة. لا افهم كيف يقولون انه يمنع الترحم على غير المسلمين واحد دار فيك خير وما ترحم عليه، الم يقل الله ورحمتي وسعت كل شيء، هدف المتطرفين الحقيقي هو ان يأكلوا وينكحوا باستعمال الدين وسير عريو على كتافكم

كريم
المعلق(ة)
18 مايو 2022 20:19

شوف ليك شي مواضيع بقا تكلم فيها. وليتي كتصطاد هفوات واخطاء الشيوخ باش تهاجم الدين الاسلامي. تكلم على ارتفاع الاسعار .تكلم على القضية الوطنية الصحراء المغربية. تكلم على الحرب الروسية الاوكرانية. عطا الله ديال المواضيع تهم المعيش اليومي للمواطن اما هاذ المواضيع اللي تطرق ليها فلا يهتم بها الناس.
توجهاتك وما تريد ان توصله اصبح معروفا. علاش باقي عايش مع المسلمين تأكل وتقتات وتتخلص من الضرائب اللي تيأديوها وفي النفس الوقت تسبهم. تاكل النعمة وتسب الملة. سير عاند صحابك علاش باقي عايش مع المسلمين ؟

محماد
المعلق(ة)
18 مايو 2022 20:16

ورينا آش من مختبر فاش خدام أنت الله ارحم الوالدين

راه عيينا من هاد الكاسيطة ديالك

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

5
0
أضف تعليقكx
()
x