لماذا وإلى أين ؟

تساؤلات ضرورية حول الغاء بعض المكتسبات الاجتماعية في علاقتها بتعميم الحماية الاجتماعية

عبد الله بوانو*

في بداية هذه التدوينة لابد من توجيه الشكر للوزير المنتدب في الميزانية، على تفاعله من منصة الندوة الصحافية للمجلس الحكومي، مع مواقف عبرنا عنها في الاجتماع الأسبوعي لمجموعتنا النيابية يوم الاثنين 23 ماي 2022، حول موضوع الحماية الاجتماعية وتخوفنا من اهدار بعض المكتسبات التي تحققت لفائدة فئات من الشعب في هذا الشأن.

ومع شكري لتفاعل الوزير المنتدب، فإني استغرب أسلوب تفاعله ولجوءه غير المبرر الى العنف اللفظي، وهو يعلم جيدا اننا في العدالة والتنمية لطالما أعلنا دعمنا ومساندتنا لهذه الثورة الاجتماعية، سواء قبل الخطاب الملكي حول هذا الورش المجتمعي الكبير، أو بعده، او قبل اعتماد القانون الاطار للحماية الاجتماعية أو بعده، لكن دعمنا ومساندتنا لا يعنيان عدم التنبيه الى الاختلالات المحتملة، وطرح الأسئلة المشروعة حول مقاربة تنزيل هذا الورش.

ونحن في العدالة والتنمية معنيون بالنقاش الجاد والمؤثر، في افق اقتراح الحلول المناسبة لانجاح مشروع الحماية الاجتماعية، وضمان مكتسبات جميع الفئات، ولهذا أضع بين يدي القراء الأفاضل هذه التساؤلات والملاحظات.

تساؤلات ضرورية حول الغاء بعض المكتسبات الاجتماعية في علاقتها بتعميم الحماية الاجتماعية

أعلن الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية الملكف بالميزانية خلال جلسة الأسئلة الشفهية ليوم 16 ماي 2022 عن عزم الحكومة إلغاء برامج الدعم المرتبطة بتسير وراميد ودعم الأرامل نهاية سنة 2022 بهدف تحويل الاعتمادات المرصودة لهاته البرامج لميزانية تنزيل ورش تعميم الحماية الاجتماعية الذي تقدر كلفته المالية بحوالي 51 مليار درهم موزعة على تعميم التغطية بالتأمين الإجباري عن المرض 8, 13 مليار درهم، وتعميم التعويضات العائلية 8, 19 مليار درهم، ثم توسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد 5, 16 مليار درهم، ثم تعميم الولوج للتعويض عن فقدان الشغل بكلفة 1 مليار درهم.

مؤكدا على أن حوالي 50% من هاته الكلفة سيتم تمويلها عن طريق الاشتراكات و50% المتبقية عن طريق ميزانية الدولة من خلال إعادة التوزيع التدريجي للموارد المخصصة حاليا لتمويل البرامج الاجتماعية القائمة كنظام المساعدة الطبية راميد الذي سيتم تحويله إلى نظام التأمين الإجباري عن المرض، وبرامج دعم التمدرس كتيسير ودعم الأرامل التي سيتم تجميعها في برنامج واحد يتعلق بالتعويضات العائلية.

وهنا لابد من التأكيد على أن منظومة الدعم بالمغرب قائمة على نظامين الأول يتعلق بالاشتراك والثاني يتعلق بالتضامن التي تهم برامج الدعم الاجتماعي غير القائمة على الاشتراك منها ما هو موجه للشرائح الاجتماعية الهشة والاسر الفقيرة من قبيل نظام المساعدة الطبية راميد وبرنامج تيسير والدعم المباشر للنساء الأرامل وغيرها، ومنها ما هو موجه لكل المواطنين كنظام المقاصة الذي يهم دعم بعض المواد الأساسية.

ولقد أكد الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2018 على ضرورة تجويد مجال الدعم والحماية الاجتماعية والتركيز على المبادرات المستعجلة حتى يكون الأثر مباشرا وملموسا للفئات الفقيرة خاصة في المجالات التالية:

▪ إعطاء دفعة قوية لبرامج دعم التمدرس ومحاربة الهدر المدرسي بما في ذلك برنامج “تيسير” للدعم المالي للتمدرس؛

▪ تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحية راميد مع إعادة النظر في المنظومة الوطنية للصحة؛

إن التجويد المطلوب لا يعني القطيعة مع ما سبق وإلغاء برامج كان لها أثر إيجابي مشهود له، وساهمت في دعم القدرة الشرائية لشريحة واسعة من الفئات بل يهم أساسا تثمين المكتسبات والممارسات الفضلى وفق مقاربة جديدة وهذا ما أكده الخطاب الملكي من خلال الحث على ضرورة تثمين المكاسب والاستفادة من التجارب الناجحة.

إن اعلان الحكومة عن قرار إلغاء البرامج الثلاثة دفعة واحدة دون تضمين ذلك في قرار رسمي يحدد دواعي وأسباب الإلغاء والبدائل المقترحة لتحصين المكتسبات المحققة من تنزيلها يؤكد ارتباك الحكومة في تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، خاصة وأن الإلغاء تم في غياب أي مقاربة تشاركية كما دعا إلى ذلك الملك في خطاب العرش الأخير.

فنظام المساعدة الطبية راميد يعد تجربة رائدة في مجال الدعم والحماية الاجتماعية بدأت سنة 2008 في جهة تادلة أزيلال ليسجل في نهاية 2021 بلوغ ما يفوق 17.41 مليون مستفيد أي (7.15 مليون أسرة)، رصدت له اعتمادات مالية تناهز 10.2 مليار درهم منذ إحداثه.

50% من الفئة المستفيدة من النظام ينحدرون من العالم القروي كما أن 91% من المستفيدين يعيشون في وضعية فقر مطلق، إلغاء راميد وتعويضه بنظام الضمان الاجتماعي يوجب على المنخرطين أداء مساهمة شهرية سيتعذر على معظمهم أداؤها وبالتالي تكريس وضعية الهشاشة الاجتماعية التي يعيشونها.

رغم الملاحظات والاكراهات التي يعرفها نظام المساعدة الطبية إلى أنه يعد من أهم البرامج التي مكنت من توفير دعم للفئات الهشة والفقيرة دون أدنى اشتراك من طرفهم بهدف تمكينهم من الحماية الصحية والاجتماعية،

بالموازاة مع تجربة راميد، يعد برنامج تقديم دعم مباشر لفائدة النساء الأرامل من اول البرامج التي اهتمت بتحسين ظروف معيشة هاته الفئة من النساء التي تعيش في وضعية هشاشة والحاضنات لأطفال يتامى يتم بموجبه منح الأرملة مبلغ 350 درهم عن كل طفل يتيم لا يتجاوز عمره 21 سنة شريطة متابعة الدراسة أو التكوين على ألا يتعدى مجموع الدعم 1050 درهم عن كل شهر للأسرة الواحدة مما مكن من استفادة 114.851 أرملة وما يقارب 195.000 يتيم إلى غاية 2 يوليوز 2021 باعتمادات مالية بلغت 3.2 مليار درهم إضافة إلى برنامج تيسير الذي بلغ عدد المستفيدين من هذا البرنامج 2.467.123 تلميذ برسم السنة الدراسية 2020-2021 وقد رصد له اعتمادات مالية قدرت ب 7.45 مليار درهم برسم الفترة 2014-2020.

كما أكدت ديباجة القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية على ان البرامج الاجتماعية خاصة نظام المساعدة الطبية، وبرامج دعم تمدرس الأطفال مثل برنامج تيسير وبرنامج دعم الارامل مكنت من التقليص من نسبة الفقر والهشاشة والهدر المدرسي، ومن ولوج فئة واسعة من المواطنات إلى الخدمات الأساسية، وعلى ضرورة تعزيز تلك المكتسبات من خلال تكثيف الجهود لاستكمال بناء منظومة قوية توفر الحماية الاجتماعية لفئات واسعة من المواطنين تمكن من الحد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية لاسيما بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة والأكثر فقرا.

إن التراجع عن برامج الدعم الاجتماعي المرتبطة ببرنامج تيسير ودعم الأرامل يعد إشكالا حقيقيا سيحد من القدرة الشرائية للفئات المستفيدة منه حاليا خاصة بالعالم القروي الذي يمثل الشريحة العريضة من المستفيدين إضافة إلى أن تحويل نظام المساعدة الطبية راميد إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يعد تراجعا عن بعض المكتسبات لهذه الفئة مع غياب الإعلان عن بديل للاستفادة المباشرة دون أدنى اشتراك خاصة وأن صندوق الضمان يتطلب أداء مساهمة مع استرجاع غير كلي.

كلها إشكالات تطرح عدة ملاحظات أهمها:

1. عدم اعلان الحكومة عن قرار رسمي يقدم حيثيات الإلغاء ودواعيه وكذا كلفته المالية؛

2. عدم تضمين مقترح الإلغاء في اجراءات مشروع قانون المالية لسنة 2022 والذي رصد الاعتمادات المالية للورش الحماية الاجتماعية دون أي تقليص؛

3. التراجع عن روح القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية الذي أكد في ديباجته على ضرورة تعزيز المكتسبات المحققة في ظل برامج الدعم الاجتماعي للحد من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية على الفئات الأكثر هشاشة

4. تحويل نظام المساعدة الطبية إلى صندوق الضمان الاجتماعي من شأنه أن يحرم فئات عريضة من الفقراء من الاستفادة من النظام خاصة الغير القادرة على أداء اشتراكات ومساهمات شهرية قارة.

5. تعميم التغطية الصحية الاجبارية والتعويضات العائلية والتقاعد والتعويض عن فقدان الشغل هل سيشمل جميع المغاربة أم فقط الفئات الفقيرة والهشة بعد تفعيل السجل الاجتماعي الموحد

6. ضرورة توضيح علاقة تنفيذ قرار الغاء برامج دعم الارامل وتيسير والمساعدة الطبية راميد بورش تفعيل السجل الاجتماعي الموحد

7. عدم تفعيل المقاربة التشاركية في اعتماد القرار وذلك بالتشاور مع كافة الشركاء لبلورة منظور عملي شامل يحقق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعي كما ورد في الخطاب الملكي ل 29 يوليوز 2020.

*رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x