لماذا وإلى أين ؟

باحث يضعُ احتفالات “بوجلود” بين الطُّقوس الدخيلة و الحفاظ على التراث

تواصل مختلف مناطق جهة سوس ماسة الحفاظ على الطابع الخاص الذي تكتسيه خلال أيام عيد الأضحى الذي يتميز باحتفالات “بيلماون” أو بوجلود، والتي انطلقت هذا العام منذ الأحد 10 يوليوز الجاري، بمناسبة حلول عيد الأضحى.

هذه الإحتفالات تصارع عوامل “التعرية الثقافية” الناتجة عن التطور والعولمة الجارفة لمختلف العادات والتقاليد الضاربة في القدم، والتي تدخل على هذه التقاليد والطقوس إما تحسينات دخيلة قد تشوه من صورتها أو تعطيها طابعا فولكلوريا جديدا يواكب تطور العصر ويمكنها من الإستمرار.

ومن هذه الممارسات الطارئة على احتفالات “بيلماون” / “بوجلود” ما انتقده بعض متابعيها من مظاهر تتمثل في مسابقات أجمل لباس بوجلود إذ منهم من يضيف تحسينات إلى الماكياج المستعمل للتزين إلى أن يظهر الرجل في صفة النساء، وهو ما وثقته صور متداولة، اعتبرها البعض “تسوق للمثلية الجنسية و تسيء لهذه الإحتفالات، بينما رآها آخرون على أنها “من مظاهر التطور الإيجابي”.

سكر ومخدرات وتحرش خلال احتفالات “بوجلود”

وفي هذا السياق، يرى الباحث في الثقافة والتاريخ والمتتبع لفولكلور “بيلماون”/ “بوجلود”، محمد أمنون، أن “هذه الظواهر السلبية التي تظهر ضمن هذا الفولكلور دائما ما يحاول البعض الركوب عليها”.

وأوضح امنون، في تصريحه لـ”آشكاين”، أنه “تتبع بوجلود، في كل من إحشاش، إنزكان، والدشيرة وزارها جميعها، ويمكن القول إن هذه الظواهر السلبية توجب على القيميين على احتفالات بوجلود أن يأخذوها بعين الإعتبار حتى لا يصبح هذا أمرا عاديا”.

ولفت الإنتباه إلى أن “أي نشاط لا بد له من نقائص ومن أخطاء، ولكن الجريمة هو أن نستمر في ذلك الخطأ ونتعامل معه بالتجاهل”، موردا أن “ما يحصل في بوجلود من معارك في الحي المحمدي بأكادير، والتحرشات في إنزكان والدشيرة، والسكر والمخدرات، كلها أمور موجودة و لا يمكن لأحد أن ينكرها”.

ثلاث دعامات لوصول “بوجلود” للعالمية

وشدد على أن “بوجلود لديه طريقته في التسويق، لأن المعركة المستقبلية، ليست متمثلة فقط الحفاظ عليه بهذه الطريقة التي يتم بها حاليا، ولكن الأمل هو أن يصبح نشاطا دوليا نسوق به للمنطقة”.

وأكد المتحدث على أن ” تسويق هذا النشاط وتأمينه و وصوله للعالمية تلزمه 3 أشياء، أولا: التدقيق في القائمين عليه، لأن من أراد الربح من وراء بوجلود أو استغلاله للحصول على المنح، فهذا لا مكان له، إذ لا يمكن التسويق بالذئاب، لأن هذا الشخص الذي يبحث عن المال من وراء هذا النشاط سيبحث عن الجماهيرية فقط، ولا يهمهم إن كان ضمن التجمع مثليون أو أصحاب مخدرات أو التحرش، لأن هدفه ربحي محض، ما يعني أننا لا يمكن أن نقيم مهرجانا في المستوى بهذا النوع من الأشخاص مهما بلغت شواهدهم الجامعية”.

مشيرا إلى أن “هؤلاء القيمون على النشاط تجد بعضهم أحيانا حاصلين على شواهد عليا ولكن هدفه ربحي ولا يهمه التراث الثقافي، وحتى إن سألته عن رأيه في مثل هذه الظواهر سيقول لك إن الأمر عادي”.

أما الأمر الثاني، يسترسل أمنون “يجب أن نحدد طريقة تسويق تراث بوجلود و بأي صيغة، باللباس نعم، ولكن وجب تجديد الطريقة ومن سنستقبل، ونحدد حتى نوع الهتافات التي يطلقها بوجلود وحتى نوع التصرفات”.

وتابع أنه “لا يمكن أن “تتحدث عن بوجلود وتقوم بحمل أرجل الخروف وتضرب بها المواطنين والمواطنات ومنهم المرأة الحامل والمريض وغيرهم، إذ أن هذه الممارسة لا علاقة لها بالتراث، وهذا تتحمله الجهات المسؤولة، من أمن و سلطات، إذ يجب الضرب بيد من حديد على من يمارس مثل هذه الظواهر التي تسيء اليوم إلى بوجلود”.

والمحدد الثالث، يورد محدثنا هو “تحديد أي مخطط لبوجلود، وكيف نريده، لأننا عندما نلاحظ اليوم إنزكان مثلا نجد بوجلود متفرقا في عدد من الأماكن، فلماذا إذن لا يتم توحيد الجهود وتحتضنه الشوارع الكبرى لإنزكان على شكل مهرجانات دولية كبرى”.

وقال أمنون إن “هذه الظواهر التي تعد محدودة،  لاحظتها شخصيا، من تحرش واعتداء على الناس والفتيات خصوصا، والمخدرات و السكر و حمل الأسلحة البيضاء، والدليل هو أن مستعجلات أكادير استقبلت أشخاصا تعرضوا للإعتداء في بوجلود”.

وأردف أنه “يجب تحديد نوع الماكياج المستعمل في لباس بوجلود الذي يعد جزءاً من التراث، إذ لا يمكن  أن نضيف أشياء دخيلة عليه، إذ أن أي شيء من التراث يعتبر مقدسا وعندما ندخل عليه أشياء غريبة، فكأنك تفقدها قيمتها و رمزيتها”.

تاريخ “بوجلود”

واعتبر الباحث نفسه، أن “الأفضل في إقامة احتفالات بوجلود هو أن يتم بشكل فرجوي”، مشيرا إلى أنه “تاريخيا كان الناس يقضون اليوم الأول من العيد في الأضحية وزيارة الأهل والأمور الأسرية ويتصدقون على من لم يضح في جو من التضامن، واليوم الثاني يخرج الناس ويلبسون جلود الأضاحي، ويسمى بوجلود، ويقومون بإدخال الفرجة وإضفاء الفرح والسرور على الأطفال، ويعطيهم الناس مساهمات وغير ذلك من مظاهر الإحتفال ببوجلود”.

واستطرد أن “بوجلود لم تكن فيه هذه الإعتداءات، إذ حتى مسألة أرجل الأغنام(الكرعين) حسب ما تواتر من روايات تاريخية كان المحتفلون ببوجلود يضعونها فوق رؤوس المتفرجين أو فوق الكتف، وليس بالشكل الذي أصبحت عليه من ضرب، وتصفية حسابات، إذ تجد أن شخصا لديه حساب مع شخص آخر و ينتظر فرصة بوجلود ليقوم بتصفية حساباته معه”، مبرز أن “ظواهر التنكر التي تكون في بوجلود  نجدها في الكثير من المناطق، مثل “إمعشار” في تيزنيت والجنوب والتي تقام في عاشوراء من خلال ارتداء زي تنكري”.

وخلص إلى أن “التراث في كل الأمم هو مرآة نقرأ من خلاله الماضي، وهو وثيقة تاريخية لقراءة هذا الماضي، ولكن تعريضه للتحريف أو إذا أدخلت عليه أشياء أخرى دخيلة، فلن يصبح تراثا لكونه صـار مشوها”.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x