لماذا وإلى أين ؟

محسوبية وزبونية وخطايا تنظيمية حصيلة الــدورة الـ17 لمهرجان تيميتار

أُسدل الستار على الدورة الـ17 من مهرجان تيميتار الذي ينظم بمدينة أكادير، على وقع نقاش بين المتتبعين للشأن الثقافي والفني بسوس، بين من يرى أن هذه الدورة المنظمة بعد توقف دام سنتين بسبب جائحة “كوفيد19″ ناجحة وكانت في مستوى انتظاراتهم، وبين من يرى أن هذه الدورة أفقدت المهرجان لذته وذوقه و يستحسن إلغاؤه ما دام يشكل هدرا للملايير من المال العام.

و بين الغلو و”التطرف” في تقييم الدورة الـ17 والدعم المطلق المبني على الأساس المصلحي والعاطفي. وحيث إن الكثيرين اختصوا في مجال التطبيل للمهرجان ومنظميه، فلا ضير أن نشير بكل حيادية إلى بعض الأخطاء التي قد يتفق الجميع على أن تشكل نقاط سلبية في مسار هذا الحدث الفني وسيكون من الجيد تذاركها مستقبلا.

ارتجالية التواصل

أخطاء مهرجان تيميتار، كان أغلبها نتيجة عمل قبلي تم بارتجالية متناهية، وهو ما تم في التعامل مع نساء و رجال الإعلام حيث تم تقسيمهم بين صحافيين “VIP” وصحافيين “نتوما غير ديالنا”. حيث تستفيد الفئة الأولى من كل وسائل العمل، من مبيت و مشرب و الحصول على تصريحات خاصة من فنانين ومنظمين وولوج فضاءات خاصة.

أما الفئة الثانية من الصحافيين الذين يوصفون بـ”نتوما غير ديالنا”، فإنهم محرومون من كل شيء تقريبا حتى من قنينة ماء، فما بالك بالإمتيازات التي يحصل عليها صحافيو “VIP”. و حتى توزيع صدريات الحضور الخاصة بالصحافة وزعت بمنطق المفاضلة المبنية على أساس عاطفي واستعلائي و”عقدة البراني” التي يعاني منها بعض منظمي المهرجان.

هذه المفاضلة فارغة المعنى من منظمي تيميتار، أسهمت بشكل نسبي طبعا في ضحالة وسطحية المنتوج الإعلامي الذي واكب المهرجان منذ انطلاقه، ولم يبرز أهمية المهرجان على المستوى الثقافي والإقتصادي والسياحي على المنطقة، ولم يشر حتى إلى الأنشطة الموازية التي ظن المنظمون أنها ستشكل نقطة قوة. وهذه نقطة أولى لابد من التعجيل بإعادة النظر في التعامل مع نساء و رجال الصحافة ومعاملتهم على قدم المساواة أو المفاضلة بجودة المنتوج المقدم بدل منطق “عقدة البراني” و”نتوما ديالنا تعاونو معانا”.

سوء التنظيم

وحيث اعتمد فريق التواصل على المنطق العاطفي في تنفيذ مهمته، فإن الفريق المكلف بالتنظيم اعتمد منطق الموالاة التي تلخصها مجموعة من العبارات الدارجة؛ من قبيل “باك صاحبي” و”جداك فالمعروف”. كيف لا و منطقة “VIP” أغرقت بأقرباء و أبناء و أزواج و صديقات المنظمين والمنظمات وعشيقات بعض المسؤولين!؟

فمنطقة “VIP” التي كانت مخصصة لفئة قليلة من المسؤولين والضيوف، أغرقت في مهرجان تيمتار خلال الدورة الأخيرة بأعداد كثيرة من الشباب والشابات، وزعت دعوات و الأسورة  تتجاوز الطاقة الإستعابية للمنطقة المذكورة، ما تسبب في اختناقها على مدى يومين.

هذا الخطأ في توزيع الدعوات والأسورة بمنطق الموالات، أرهق المصالح الأمنية والحرس الترابي بسبب احتجاجات المواطنين الذين يتوفرون على الدعوات و الأسورة ومنعوا من الدخول بسبب الإزدحام الذي عرفته المنطقة المخصصة لهم، ما تسبب في احتكاك بين الشرطة والمواطنين وزيادة أعداد العناصر، الأمر الذي يعتبر إرهاقا واستنزافا للمصالح الأمنية في أمور كان يمكن تجنبها بقليل من الحكمة في التنظيم.

دورة الأعطاب التقنية

قد لا يتناطح عنزان حول مسألة تسمية هذه الدورة من مهرجان تيميتار بـ”دورة الأعطاب التقنية”، بحيث إن أغلب الفنانين الذين مروا، إن على منصة ساحة الأمل أو على منصة ساحة بيجاوان، عانوا جميعا من الأعطاب التقنية، و حالت دون مرور عرضهم بالكيفية والمستوى المطلوب.

الفنانة فاطمة تبعمرانت كانت أول ضحايا الأعطاب التقنية، حيث نبهت كم من مرة خلال وقوفها على المنصة بضرورة تعديل “المايكروفون” حيث يسمع نصف جملها وينقطع النصف الآخر، إلا أنها “صبرات مسكينة” لأنها “إبنة المطبخ” وقريبة من “الشاف” الذي يشرف على كل شيء.

فرقة هوبا هوبا سبيريت، “لارتيست”، كانا كذلك من ضحايا الأعطاب التقنية بالمهرجان والتي صرحا بها أمام الجمهور. أما ما يؤشر على هواية منظمي المهرجان، فهو توديع فرق أودادن للجمهور بعد انتهاء فقرتهم، قبل أن يعيدهم المنظمون إلى المنصة بحجة عدم انقضاء الوقت المتفق عليه.

ومن جهة أخرى، من يسمع جودة الصوت الصادر عن منصة مهرجان تيميتار العالمي سيتخيل له أنه يستمع إلى حفلة في حي صغير، بحيث إن جودة الصوت كانت رديئة إلى مستوى أن بعض الحاضرين علقوا على ذلك بالقول “هاذو ممزكين غير راسهم ودوك الناس لي قراب لهم في المنصة”.

غياب الشفافية

ما يعطي أي مؤسسة هيبة ومصداقية في المجتمع هي الشفافية، خاصة في تدبير الأمور المالية، وهو الأمر الغائب في مهرجان تيميتار المدعوم من المال العام، خاصة من ميزانية مجلس جهة سوس ماسة و جماعة أكادير والمجلس الجهوي للسياحة والمكتب المغربي للسياحة وغيرها من المؤسسات العمومية و شبه العمومية.

فالمنظمون يتحاشون ويتهربون من الحديث عن ميزانية المهرجان التي تعد بملايير السنتيمات، عكس إسهابهم في الحديث عن أمور ثانوية أو غير ذات أهمية. ما يفسر تهافت العديد من المنظمين على “مكروفونات الأسئلة السهلة” ويضعون ألف عذر للهروب من حوار من ثلاثة أسئلة دقيقة.

طيلة أيام المهرجان، غاب الحديث عن المال الذي صرف وكيفية تدبيره، بالرغم من أن جميع المظاهر تشير إلى أن ملايين الدراهم صرفت على الفنانين والفنادق والإطعام والنقل الداخلي والخارجي وشركات التواصل والأمن والصيانة … . لكن أغلب المنظمين يتحاشون الحديث عن ذلك كأنه “حرام”.

باك صاحبي

منطق “باك صاحبي” لم يعتمد في إغراق منطقة “VIP” بالمواطنين فقط، بل اعتمد كذلك في البرمجة، خاصة برمجة الفنانين المشاركين والأنشطة الموازية لفعاليات المهرجان، وهو منطق يفقد المهرجان والمشرفين عن تنظيمه المصداقية.

العرض المسرحي المنظم على هامش المهرجان واستضاف عددا من الفكاهيين الأمازيغ على سبيل المثال، لا يمكن إلا الإشادة به، خاصة أن التمازج بين الفنون سيعطي طابعا خاصا للمهرجان. لكن الكثير من المتتبعين يؤكدون أن اختيار المشاريكن في العرض تم بمنطق الموالاة “وهذا صاحبي والآخر لا” وليس بمنطق الكفاءة.

الأمر نفسه ينطبق على بعض المغنيين الذين اعتلوا منصة تيميتار هذه السنة، فهم معروفون بانتمائهم للحزب الذي يشرف منتخبوه على تنظيم المهرجان، ولعبوا دورا هاما في الترويج للحزب خلال الإنتخابات الأخيرة. فيكفي العودة إلى صورة الحملات الإنتخابية للحزب القائد للحكومة للتأكد من هذا المعطى.

على سبيل الختم

الارتقاء بالمهرجان السوسي تيميتار و جعله مهرجانا يضرب به المثل وطنيا ودوليا، لا يحتاج الكثير من التعقيد، بل يحتاج إلى تحقيق شرط واحد يتمثل في الإعتماد على الكفاءات والتخلي عن منطق الموالاة و”هذاك ديالنا والآخر ديالهم”، في مجال التنظيم والبرمجة والتخطيط والتواصل وغيرها. فلا يمكن الإرتقاء بالمهرجان ما دام نفس المنطق غالبا.

وأي انتقاد أو منتقد للمهرجان أو للمشرفين عن تنظيمه، فليس بحاسد أو معاد أو “مشري” أو “مكري” أو “يخدم أجندات خاصة”، فقد يكون مجرد شخص “ضرباتو النفس” على المدينة أو كفاءاتها أو ناصح عابر سبيل.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
ياسير
المعلق(ة)
20 يوليو 2022 00:58

عوذة إلى العنوان؛
كلمة “خطايا” تختلف تماما عن “أخطاء” التي استعملتها أيها الكاتب بشكل صحيح داخل النص، أما خطايا فلها مفهوم ديني وتعني ” بشكل قريب: الذوب” أو ما يطلق عليه بالفرنسية “péchés”.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x