لماذا وإلى أين ؟

المياه بين النُّدْرَة و تدنّي ثقافة الإستهلاك.

محمد العطلاتي

يعتبرُ مختصون في الـمجال المعروف باسم”السياسات المائية” أن المغرب يعاني في الوقت الراهن ندرةً مائية شديدة بسبب موجة الجفاف القاسية التي يعرفها البلد و التي لم يُسجّل مثيلٌ لها منذ ثمانينات القرن الماضي، وبحسب ما ورد في تقارير إعلامية حول موضوع ندرة المياه، فإن”حصة الفرد من المياه في المملكة تراجعت من حوالى 2600 متر مكعب خلال الستينات إلى قرابة 606 أمتار حالياً، وهو المستوى القريب من معدل شحّ المياه المحدّد ب500 متر مكعب للفرد”.
فضلا عن التأثيرات المباشرة لموجة الجفاف بالمغرب على تراجع مستوى ملأ السدود بشكل فضيع ومثير للقلق، و زيادة على تأثيرات الإستغلال المفرط للمياه العذبة في أعمال الفلاحة بسبب زراعة أنواع من المنتجات تستهلك كميات ضخمة من هذه المادة الحيوية، فإن الوعي لدى الجمهور بخطورة الوضع يمكن اعتبار أنه في أدنى مستوياته، إذ ما تزال تصرفات عامة  الناس بخصوص استعمال مادة المياه يطبعها التبذير و عدم المبالاة، فبالرغم من تحذيرات الجهات المعنية بخصوص تناقص مخزون المياه تستمر السلوكات المنافية للعقلانية في إستهلاك الماء، بحيث بإمكانك أن تلاحظ، على سبيل المثال لا الحصر، كيف يعمد مواطنون في أحياء مختلفة إلى توظيف خراطيم مائية رشاشة لتنظيف أرصفة بيوتهم أو محلاتهم التجارية بشكل يثير الحنق والغيظ، فبدل استعمال مكانس يدوية للقيام بهذا العمل، يصر الواحد من هؤلاء الأغبياء على تبذير المئات من اللترات من المياه الصالحة للشرب، دون أدنى مبالاة، هذا و في الوقت نفسه الذي لا يعاني فيه مواطنون آخرون  الأمَرَّين للحصول على شربة ماء.

الأمــــر لا يقف عند هذا الوضع المُنتهِك لحرمة المياه الوطنية، بل يتعداه بممارسات أشدَّ بــــــلادَةً و أكثر غبـــــاءً،  ممارسات تقوم بها الشركات المكلفة بتدبير ما يعرف بالمناطق الخضراء،إذ اعتادت هذه الشركات ( غير المواطنة) على انتهاج أساليب لا تولي أي اعتبار للثروة المائية الآخذة في التناقص و التضاؤل بشكل رهيب.

في حوادث متكررة عاينتها بأحياء المدينة، شاهدت عاملين مكلفين بسقي أعشاب “الزينة” يقومون بهذا العمل، ولاحظت مقدار الهدر و التبذير الذي يلحق المياه العذبة بسبب غباء مشغليهم أو انعدام الوعي المواطن  لدى من فوض لهم رعاية نباتات الزينة بثمن باهض يُستنزفُ بسببه،فضلا عن مالية الجماعة الترابية المعنية، مخزون حيوي يشهد الجميع بندرته يوما بعد آخر.

إن الدولة،بمعية مؤسساتها الوطنية و الترابية، مدعوة للقيام بإجراءات ثورية لإعادة تشكيل ثقافة الجمهور في نظرته و استهلاكه لمادة في مثل أهمية المياه، فالوضع العام، فيما يخص ندرة المياه ينبأ بمخاطر شديدة على المستويين الآني و المستقبلي، و بدون اتخاذ إجراءات صارمة من طرف السلطة العامة، فإن الوضع مرشح لمزيد من القتامة و السوء.

الإجراءات  التي تنوي الدولة القيام بها كمشاريع معالجة المياه العادمة و  مشاريع تحلية مياه البحر، قد تكون دليلا حقيقيا على حالة الندرة التي يعرفها المغرب،  لكنها إجراءات قد تكون غير كافية إذا لم يتم إرفاقها بإجراءات أكثر جذرية فيما يتعلق  بتدبير و استغلال الثروة المائية المتوفرة، إجراءات تتمثل أساسا في ضرورة الضرب باستعمال المبدأ الاقتصادي الليبرالي  المعروف بقانون العرض و الطلب، بشكل يساهم في توعية مختلف طبقات المجتمع بضرورة المحافظة على الماء ثقافةً و استهلاكاً.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x