لماذا وإلى أين ؟

الصّحـــافة و حُـقوق الإنسان

الحسين بكار السباعي*

لا يختلفُ إثنان على أن مهمة الصحافي و الحُـقوقي في كفّـة ميزان واحد ، ومهمة واحدة هي حماية الإنسان، و جعله قادرا على فهم واجباته وحقوقه، و منع كل الإنتهاكات التي قد تطول حرياته من أي جهة كانت .

فالصحافة التي تعمل على نقل الحقيقة بكل مصداقية و مهنية ،بعيدة عن محاباة السلطة، بل و معاكستها ومشاكستها، في كشف تجاوزاتها و أخطائها ، وفي فضح الفساد، هي لا محالة ترقى لأن توصف بالمنبر الحر والمستقل والضروري في كل مجتمع ديمقراطي يتبنى قيم الحوار ويقبل الإختلاف ، لا لشيء إلا أنه يرى في العمل الصحفي ذلك العمل المُدافع عن حقوق الأفراد و عن حرية تعبيرهم .

إن السلطة الحقيقية التي يواجهها الطرفان( الصحافي والحقوقي) ليست فقط هيمنة الدولة ، وسيطرتها على العقول، و إنما جهل الفرد بحقوقه، و عدم فهمه للقوانين التي تحميه من الإستغلال والإنتهاك . لقد ظل الإعلام منذ بروزه في شكـله المكتوب مُساندا لحقوق الإنسان.

ففي أوج قوة سلطة الكنيسة بأوروبا القرون الوسطى، وانتشار الفكر الإستعماري، والإستعباد البشري للمختلفين جنسيا و دينيا و ثقافيا و لونا و دما، عصورَ الظلام الدامس، بقيت أقلامُ الصحافة مدافعة من حين إلى حين و منصهرة مع تطور الفكر البشري والحركة التنويرية .حركة دائمة و مستمرة بتطور الفلسفات الفكرية و التي يوازيها كذلك تطور مفهوم السلطة و أشكال أنظمة الحكم، و ليستمر معها عمل الصحفي و الحقوقي، شاهدا على صراع ثـــنائية سلطة – حرية.

فلا أحد ينكر دور الصحافة المستقلة و من خلال ما تتناوله أسبوعيا من قضايا الفساد هو ما يقابله من العديد من القضايا التي تروج بمختلف المحاكم في هذا المجال، وهو نتاج عمل مهني ومستقل رغم ما يتعرض له الصحفيون من تضييقات واعتداءات قد تصل الى الإعتقال و حتى الإغتيال .

وإذا كانت أهمية الخبر في وسائل الإعلام و هي صلب عمل الصحفي تنطلق من كونه قريبا من الإنسان، فإن الحقوقي هو الآخر قريب من الإنسان، بغض النظر عن الإختلافات السياسية والإجتماعية و الدينية والعرقية . فالصحافي لا يصنف الناس إلى قبائل لتفرقتهم، بل يجعل اختلافهم منطلقا لفهم مجتمعاتهم، و نقطة وصْل لجعل الجميع يُـحسُّ بوجوده في مجتمع حر و مختلف .
و لعل روح حقوق الإنسان في معناها الكوني و الشمولي ، تتجلى في نصرة حق الفرد مهما كانت أصوله و ثقافته ودينه، ففي نهاية المطاف هو كائن ينتمي لهذا المجتمع الإنساني .فقد ظلت العديد من الدول المتقدمة، والتي تؤمن بأن استمرار قوة الأمة كفيل بإقرار أكبر هامش للحريات، دول أرست مبادئ سامية يكون هدفها الحرص على جعل الصحافي و الحقوقي في مرتبة عالية، لأنهما مصدر تماسك المجتمع، و قوة للتنبيه للانتكاسات الحقوقية، و المنعرجات الفكرية.

علاوة على ذلك، فإن حرية التعبير التي يحرص عليها الإعلاميون، هي جزء اساسي من منظومة حقوق الإنسان، فغيابها يُعادل العبودية وتكميم الأفواه ، و وجودها ينمي الأفكار الديمقراطية، ويخلق مجتمعات خلاقة ومبتكرة .

ورغم أن مهمة الصحافي، هي نقل الحقيقة لا غير، فإن الاعلام يظل المرآة التي ترسم الأوضاع القاتمة أو الإيجابية في أي مجتمع، وتسليط الضوء على حق الأفراد في العيش الكريم، والتمتع بالحقوق كجانب مهم لكل عمل صحفي.

غير أن أصحاب النفود و المال الفاسد استغلوا العديد من المؤسسات الإعلامية التي تعاني في صمت، و ضعف الحماية الفعلية للصحفيين من الإستغلال الإقتصادي.

ومن خلال مؤسسة الإشهار، والتي لا يسعها مقالنا الحالي لأهميتها في تمويل المقاولة الصحفية، أمر أوجد اليوم نوعا من الإستغلال والتبعية التي مست بمصداقية العمل الصحفي في فضح الفساد .

ليستمر التساؤول حول ماهية الخطوات التي يجب تتبعها لصناعة إعلام قادر على مكافحة الفساد والدفاع عن الحقوق والحريات .
لقد علمتني تجربتي المهنية في المحاماة، و تجربتي الأكاديمية في البحث العلمي في الإعلام و حقوق الإنسان، على أن لا خيوط كبيرة تفصل بين المهنتين، فكلاهما دفاع عن الحقوق و الحريات وكلاهما يواجهه تحدياتٍ جساماً .

*محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x