لماذا وإلى أين ؟

“آشكاين” تعيد نسج قصة هروب بن علي

أحرق البوعزيزي نفسه، فانطلقت شرارة الثورة من سيدي بوزيد إلى باقي ربوع الخضراء، مرغمة زين العبدين بن علي على الخروج هربا من بلد حكمه لمدة 23 سنة بقبضة من حديد، فكان ذلك حدثا فاصلا ليس في تاريخ تونس فقط بل غير وجه المنطقة. بعد مرور 7 سنوات على الثورة التونسية، ترجع “أشكاين” شريط الأحداث لعلها تصور لقرائها صورة متكاملة قريبة للحقيقة حول ليلة هروب وريث بورقيبة.

وتعدد روايات الهروب الرئاسي وشابها اللبس والغموض فبين القصة ضمنته ليلي الطرابلسي زوجة بن علي في كتاب “حقيقتي” الذي أصدرته سنة 2012، وبين حكاية المرزوقي أول رئيس بعد الثورة، وأخرى نسبتها وسائل الاعلام إلى مقربين من دواليب السلطة.

الجيش يحاصر بن علي

وفي هذا الصدد، كشف بن علي عن قصة خروجه من تونس ليلة 14 يناير2011- في بيان أصدره نيابة عن محاميه اللبناني أكرم عازوري- قائلا: إن” قائد الحرس الرئاسي، علي السرياطي أطلعه على معلومات استخباراتية أجنبية المصدر، تؤكد على وجود محاولة لاغتياله من طرف أحد عناصر الحرس الجمهوري، وأن الوضع في تونس العاصمة خطر وخارج عن السيطرة، وأن القصر الرئاسي في قرطاج والمنزل في سيدي بوسعيد محاصرين، فطائرة هليكوبتر تحوم فوق المنطقة، وخافرتي سواحل تجوبان البحر بين القصر الرئاسي ومنزله الخاص”.

أصر السرياطي على أن يسافر بن علي لبضع ساعات مع عائلته في طائرة جاهزة للإقلاع إلى السعودية، حتى تتمكن الأجهزة الأمنية من “كشف المؤامرة وضمان أمن الرئيس” عند ذلك يعود إلى تونس، وعلى هذا الأساس وافق بن علي على الصعود لطائرة بعد أن امر قائدها بانتظاره في مطار جدة ليعود معه إلى تونس، لكن بعد الوصول عادت الطائرة ولم يعد بن علي.

“حقيقتي” يكشف تورط الجنرال

ليلى الطرابلسي زوجة بن علي، في كتابها “حقيقتي”، وصفت ما ورد سابقا في بيان بنعلي،بـ”الانقلاب المدبر من طرف الجيش والساسة المحلين والقوى الأجنبية”، موضحة أن الجنيرال “السرياطي لعب دورا خطيرا في هذا الأمر لأنه دفع بن علي إلى الطائرة بعد أن كانت رغبته توصيلها إلى مطار قرطاج، فأغلق الباب وأمر بترحيله”.

وقالت الطرابلسي ما سكت عنه زوجها، فقد “طلب منها السرياطي أن تذهب إلى القصر لتلتحق بزوجها، ففوجئت أن أبوابه مشرعة ولا يوجد أمام المقر الرئاسي أي حراسة. ثم دفع السرياطي بنعلي بعد أن أقنعه أن حراسه الشخصيين يمكن أن يقتلوه أو يقصفوا القصر، فقبل بن علي أن يركب الطائرة ويذهب إلى السعودية”.

“فلولا إصرار الجنرال ما كان للرئيس أن يصعد أبدا إلى الطائرة، بل إنه كان مقتنعا بعد إقلاع الطائرة أن باستطاعته العودة صباح اليوم التالي إلى تونس”، تضيف زوجة بن علي.

وهناك رواية أخرى تروي أن المخابرات الفرنسية أخبرت بن علي بأن انتحاريا تسلل في صفوف الحرس الرئاسي، ويعتزم القيام بمجزرة داخل عائلة الرئيس السابق، فخاف هذا الأخير على حياته وأهله، فقرر المغادرة فورا، وأنه توجه صوب فرنسا لكن رفضت استقباله، فظلت طائرته تحوم في السماء قبل أن تحط في مطار جدة بعد موافقة السعودية على لجوئه إليها.

ربان الطائرة رفض إرجاع الرئيس

تقاطع رواية بنعلي ورواية زوجته، كسرته مجلة “نوفيل اوبزيرفاتير” الفرنسية، التي نشرت أن حاكم قرطاج “رفض أن يستقل الطائرة التي كانت تنتظره في مطار قرطاج الدولي لنقله مع أسرته إلى السعودية، وحينما وصل رفقة زوجته إلى سلمها، صرخت في وجهه: “اخرس واصعد إلى الطائرة أيها الأهبل، قضيت حياتي كلها وأنا أدفع ثمن غبائك وأخطائك الفادحة”.

وكانت ردة فعل بنعلي على إهانة زوجته، أن قال لها: “اتركيني لحالي رجاء ليلى، لا أريد الذهاب، أفضل البقاء هنا والموت هنا، فنزل السرياطي الذي كان واقفا إلى جانب ليلى الطرابلسي، إلى بن علي وراح يدفعه على ظهره قائلا: هيا اصعد بربي…” ثم تفوه بكلمات نابية في حق بن علي ” اصعد يا (…)، عندها انصاع وصعد إلى الطائرة لينضم إلى زوجته وابنه محمد وابنته حليمة وخطيبها وكبير خدم الأسرة وخادمتين فلبينيتين”. حسب المجلة الفرنسية.

وتضيف المجلة أنه “لما أقلعت الطائرة كان بنعلي يتوجه إلى قمرة القيادة كل عشر دقائق ليسأل الربان: “بعد وصولنا إلى جدة، ستأخذني معك في رحلة العودة إلى تونس، أليس كذلك؟، غير أنه لما طلب بن علي من قائد الطائرة لم يتحقق إذ لما همت الطائرة بالعودة رفض قائدها إرجاعه معه”.

“هروب بن علي..كان السيناريو الأفضل”

بالمقابل، قال منصف المرزوقي أول رئيس لتونس بعد ثورة 2011 إنه استمع إلى 3 قصص عن هروب بنعلي، غير أنه كشف عن واحدة فقط، كان مصدرها نائب قائد الحرس الرئاسي سك سالم، والتي تفيد أن “بن علي كان إلى آخر لحظة مترددا بين البقاء والهروب، وأقنعه علي السرياطي بالذهاب إلى السعودية حتى تنتهي الأمور ثم يرجع، وهو ما يفسر لماذا فُرض وقتها على الرئيس المؤقت فؤاد المبزع أن يتولى الرئاسة رغم أنه كان رافضا لها”.

وتابع المرزوقي، في تصريح له ببرنامج “شاهد على العصر” الذي تبثه “الجزيرة”، “إن بن علي أُقنع بركوب الطائرة لأن الوضع كان سيئا للغاية، على أمل أنه سيعود بعد أن تهدأ الأمور في تونس، لكن الأحداث تطورت بشكل كبير وأصبح واضحا أنه لن يعود”، وأردف أن “هروب بنعلي، كان السيناريو الأفضل، وأن البديل كان سيكون انقلابا من الجيش وتوليه السلطة كما حدث في المشرق”.

“هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”

ليس الوقائع التي جرت في الكواليس وحدها تؤرخ لليلة هروب بنعلي، فكاميرات التصوير رصد تفاعل التونسيين مع فرار رئيسهم، وانتشر بعضها كالنار في الهشيم على منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العالمية.

فقد شاع ليلة هروب بنعلي، شريط فيديو لشاب في أحد شوارع العاصمة التونسية في ساعة متأخرة من الليل وهو يصرخ “بنعلي هرب، لم نعد نخاف من أحد، تحررنا، الشعب التونسي حر لم يمت، تحيا تونس حرة، المجد للشهداء، الحرية للتوانسة”.

وزاد بحماس وهو يتحرك بخطوات بطيئة ذهابا وإيابا في الشارع،”أيها التونسيون المهجرين، أيها التونسيون الذين اعتقلوا في السجون والذين عذبوا وقهروا، تنفسوا الحرية”، وأردف “المجرم هرب، السارق هرب، السفاح هرب، بنعلي هرب، الشعب اليوم هو الذي يحكم، لم يذهب دم الشهداء خسارة”.

وفي فيديو آخر، يظهر أحمد الحفناوي، الرجل الستينين، ناطقا عبارته الشهيرة التي أصبحت على كل شفة ولسان بفعل صدق تعبيره ودموعه، وهو يوجه كلامه للشباب التونسي هذه “فرصتكم أيها الشباب، تستعطون أن تقدموا إلى تونس ما لم نقدمه نحن. هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية”.

رغم اختلاف تفاصيل روايات فرار بن علي إثر ثورة شعبه، فإن الهرب واحد ونهايته واحدة مهما كانت دوافعه وكواليسه، لكن يبقى الحل الأسلم للطغاة، سواء فرض عليهم أو اختاروه بإرادة، مقارنة بمصير الحكام الذين أسقطتهم شعوبهم من على هرم السلطة، فأعدمتهم.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x