لماذا وإلى أين ؟

“هـذا هو مُستوى الأحـزاب المـغربية”

محمد العطلاتي

لعل من المسائل الأولى التي يتعرف عليها الطالب الجديد ، بداية التحاقه بسلك الدراسة الجامعية، أن كل ما يتعلق بالإطلاع على حقول معرفية أكاديمية معينة، مثل الفكر السياسي و العلوم السياسية، إنما يتم حتما عبر الإلتحاق بإحدى كليات العلوم القانونية و الإقتصادية، و لا يتم عبر الإلتحاق بغيرها من المعاهد و المؤسسات الجامعية.

اعتبارا لذلك، فإن السياسة أو ممارستها، ارتبطت على الدوام، على الأقل من الناحية النظرية، بضرورة إلمام المُمارِس لها بحـدٍّ معقول من المدارك القانونية المتعلقة بكيفيات تأسيس الأحزاب و بشروط و مساطر التشكيل و مختلف النصوص القانونية المنظمة له و لعـمل أجـهزته.

لكن، رغم مُضيِّ ثمانية عقود على تأسيس أول حزب سياسي في المغرب (سنة 1944)، و انتعاش عمليات تأسيس أحزاب أخرى فاق مجموعها الثلاثين، يبدو أن أغلب قيادات الأحزاب و معظم المنخرطين بها لا يبالون بطبيعة هذه الأحزاب أو بهويتها السياسية أو بمرجعيتها الأدبية، أو حتى ببرامجها النضالية إن وُجِدت حقًّــا.

في واحدٍ من المؤتمرات الجهوية لحزب حكومي، تجنَّـد لتنظيمه حشدٌ غفير من الشبان و الشابات، و حضره حشدٌ أضخمُ منه من المؤتمرين و المُؤتمِرات ممن يمثلون دوائر و أقاليم الجــهة، تشكلت في ذهني، مع بداية أشغال المؤتمر، صورةٌ غير سيئة عن هذا التنظيم الذي يسعى، فيما بدا من خطاب أمين الحزب الجهوي، لـــ”تقوية جبهتنا الداخلية و جعلها قادرة على مواجهة المؤامرات الخارجية”، قبل أن يضيف في خطابه أن الحزب قد مرَّ بـــ ” صدمات داخلية قوية، كادت تعصف به إلى الأبد، لولا حكمة و رصانة مُناضلاته ومناضليه “.

لكن الأمور لم تجــرِ بالشكل الذي كنت توقعته أو بالصورة التي يفترض أن تسير بها هذه المحطة التنظيمية الحزبية، ذلك أن وزيرا مُنتميا لهذا الحزب افتتح أشغال المؤتمر، مباشرة بعد تلاوة فقيه شاب آياتٍ من كتاب المسلمين، لينطلق الوزير عقب ذلك في تلاوة خطبة لا أول و لا آخر لها، و اعتبر فيها أن حزبه قوةٌ سياسية بِقوَّة الشِّـعار الذي اعتمده و أنه لن يقدر على مُقارعته إنسٌ و لا جانّ من العالمين.

بعد الإنتهاء من قراءة التقرير الذي أعدَّهُ الأمين الجهوي للحزب، و بذل في ذلك جُهدا و تكبَّــد عناءً، و على خلاف ما جــرى عليه العمل في المناسبات المشابهة، فإن التقـــرير لم ينلْ حظَّــه من الإهتمام لدى الجمهور الحاضر ، إذ بدل مُناقشته و إبداء الرأي السياسي فيه و كَشْفِ ما يُحتمل أن يتضمنه من معطيات أو آراء تخــالف تواجهات و مبادئ الحزب الحقيقية، فإن جمهور المتدخلين، و على خلاف المعهود، انبرى، بشكل يُـثير الضحك، لمُساءلة الوزير الحـاضر في أشغال المؤتمر حول مسائل لم يتحدث عنها في خطابه و لم يرد ذكرُها في جدول أعمال هذا المؤتمر، و هي مسائل تتعلق  بمنصبه الحكومي و القرارات التي يجب عليه اتخاذها لمُعالجة مشاكل في الإقليم الفلاني أو الدائرة الفلانية، و لا تتعلق مطلقا بمنصبه كأمين عام لحزبه السياسي، وهكذا انحرفت أشغال المؤتمر نحو جلسة حقيقية للأسئلة الشفوية تماما كتلك التي تعقد أحيانا بمجلس النواب !.

هذه الفوضى التنظيمية غير الخلاقة، دفعت واحدا الحـاضرين في المؤتمر لمساءلة أحد السياسيين البارزين عبر تقنية الوات ساب قائلا :هل هذا مؤتمر جهوي أم جلسة للأسئلة الشفهية؟ لكن إجابة ذلك السياسي اللامع كانت صـادمة فقد ردَّ قائلا : “هذا هو مستوى الأحزاب المغربية، لأن الأحزاب و الديموقراطية راه خُلقت في أروبا ماشي في العالم الأفريقي و العــربي”.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
الرد على  محمد بوركي
4 أكتوبر 2022 12:32

المواطن العادي رجل بسيط ولكن له حس سليم، وقد اختلطت عليه الامور، حين اصبح لا يرى الزعيم الفلاني، إلا داخل الحكومة ، او خارجها لفترة من الزمان ليعود اليها مرة اخرى، ولا يراه لازعيما ولا دو برنامج ولانهج ، او رؤيا، ولا سمع به اورأه إلا في الحملات الانتخابية، او بين مؤتمر حزبي وآخر، لدلك فلا ذنب عليه ان جاءه من الاخير وخاطبه كوزير، لان تلك هي الصورة الحقيقية التي ترسخت لذيه.

محمد أيوب
المعلق(ة)
3 أكتوبر 2022 10:38

تصحيح:
يتعلق هذا التصحيح بتاريخ تأسيس أول حزب سياسي بالنغرب،حيث جاء بالمقال ان هذا التاريخ هو سنة:1944 عندما تم تأسيس حزب الاستقلال بمنطقة الحماية الفرنسية،وهذا ما أثبته الكاتب بنقاله من دون ان يعلم بما حدث قبل هذا التاريخ بمنطقة الحماية الإسبانية بتطوان…وهاهو ما يثبت انه كان هناك حزب سياسي قبل حزب الاستقلال…والنص هو:””حزب الإصلاح الوطني كان حزبا سياسيا مغربيا أسسه عبد الخالق الطريس يوم 18 دجنبر 1936 بتطوان. نشط الحزب في منطقة الإستعمار الإسباني بشمال المغرب (المنطقة الخليفية). يوم 18 مارس 1956 تم دمج حزب الإصلاح الوطني في حزب الاستقلال وذلك «تغليبا للمصالح العليا للبلاد وتتويجا للنضال المشترك بين الحزبين». هذا التصحيح منقول،ويمكن لمن يريد البحث للتأكد… فلماذا تهميش دور المنطقة الشمالية في تاريخ الوطن؟

محمد بوركي
المعلق(ة)
3 أكتوبر 2022 08:10

رغم تجربتي في شبيبة حزب لا داعي لذكر اسمه بعد تمعن وتبصر أجد أن الشباب والشابات ضحية هذا التنظيم بينما أمين الحزب وجماعته لا يستطعون تغيير أنفسهم والانسحاب من الساحة السياسية من أجل مصالحهم وطمعا في مناصب وان انسحبوا يورثون مناصبهم لأبنائهم بحجة اعطاء فرصة للشباب وما هم سوى ابنائهم الشبان لهذا قررت أن أطلق الاحزاب المغربية لغياب الديموقراطية وعدم احترام رأي الآخر ولفشلهم الدائم الملتصق بكثرة الكذب والنفاق

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x