لماذا وإلى أين ؟

يحدثُ في المغرب

محمد أحمد بنّيس

شهد المغرب، خلال الأسبوع المنصرم، ثلاث وقائع متزامنة، لخّصت حالة البؤس العام التي يقيم فيها المجتمع، في ظل تردّي النظام التربوي وتراجع الأدوار التي كانت تلعبها المؤسسات الاجتماعية، وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام، في التنشئة والتوجيه.

أولى هذه الوقائع ما قاله الداعية ياسين العماري، في أحد البرامج الحوارية، بشأن ضرورة الاستعاضة عن تدريس مادة الفيزياء، المقرّرة في البرامج المدرسية المعمول بها، بتدريس ما سماها ”الفيزياء المسلمة”، على اعتبار ”أنه يجب تدريس الفيزياء للتلاميذ بخلفية إسلامية”، في تعدٍّ سافر على مقتضيات التخصّص وضرورة امتلاك الحد الأدنى من الوعي بإشكالية العلم والدين ومآزقها في ضوء ما استجدّ في العلوم الاجتماعية المعاصرة. ولا شك أن تواترَ مثل هذه الهرطقة يعكس الترديَ المهولَ الذي تعرفه منظومة التربية والتكوين المغربية، وعجزَها عن مواكبة أسئلة المجتمع وقضاياه بجعلِ البحث العلمي رافدا رئيسا في صياغة السياسات العمومية وتقويم أعطابها، لا سيما بعد رحيل عدد من رموز الفكر المغربي وابتعاد الأحياء منهم عن الحياة العامة. كما لا ينبغي إغفال أن ما قاله العماري يحيل إلى التقاطب الفكري والسياسي داخل المجتمع بين القطاعين المحافظ، بمكوّناته المعتدلة والمتشدّدة والمتطرفة، والعلماني، بمكوّناته الليبرالية واليسارية، وهو التقاطب الذي تجتهد السلطة في تغذيته للحفاظ على ميزان القوة القائم.

الواقعة الثانية كان بطلها مغني الراب طه فحصي، الملقب ”إلْكراندي طوطو”، الذي قدّم، بدعوة من وزارة الثقافة والشباب والتواصل، حفلةً على هامش مهرجان ”الرباط عاصمة الثقافة الأفريقية”، لم يتورّع فيها عن استعمال كلماتٍ خادشة للذوق العام أمام الجمهور، والاعتراف بتعاطيه المخدّرات في ندوة صحافية، خصّ به وسائل الإعلام قبل ذلك. وفضلا عن التبعات القانونية التي يجب أن تعقب ما قاله المعني، وتحديدا فيما يتعلق باعترافه بتعاطي المخدرات وترويج ذلك علنا، تستجدّ أسئلة كثيرة عن دور الحكومة في بلورة سياسات ناجعة في قطاع الشباب، أمام حالة التخبّط القيمي والتربوي داخل المجتمع، خصوصا أن هناك ”استراتيجية وطنية مندمجة للشباب 2015-2030”، يُفترض أن تكون بعضُ تدابيرها قد بدأت تعرف طريقها نحو التنفيذ. أما ألَّا تجد الحكومة والوزارة الوصية حرجا في دعوة مغني راب، (من أموال دافعي الضرائب بالمناسبة) للتفوّه بكلماتٍ نابية أمام آلاف القاصرين، فهما في ذلك تخطوان خطوة، لا تخلو من دلالة، نحو مع الرداءة في أحطِّ تبدياتها.

تخصّ الواقعة الثالثة ما قاله وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، في حوار أدلى به لإحدى الإذاعات، حين دعا إلى تلقين فن الشيخات (المغنيات الشعبيات) للأجيال الصاعدة، باعتبار ذلك جزءا من الهوية والتراث المغربيين. وإذا كان الوزير لم يجانب الصواب، مبدئيا، فيما قاله بشأن أهمية الاطلاع على فن العيطة وغيره من الفنون الشعبية التي تزخر بها الثقافة المغربية الغنية بروافدها المتنوّعة، فإنه لا يستقيم في ضوء ضغط الوقت وجدولة الأولويات، كما أنه يبدو ترفا في ظل منظومةٍ تربويةٍ متهالكةٍ تجتر إخفاقاتها منذ عقود، في غياب سياسةٍ عموميةٍ ناجعة في هذا الصدد. كان أحرى بالوزير أن يلتفت إلى حال الجامعة المغربية التي تتدهور أحوالها بشكلٍ يبعث على الأسى، وهو ما يؤكّده ترتيبها المخجل في المؤشّرات الدولية ذات الصلة. كان أحرى به كذلك أن ينكبّ على إيجاد حلول لمشكلة الهدر الجامعي المستفحلة. من البديهي أنه لا يمكن وضع العربة قبل الحصان؛ إذ كيف نجعل التلاميذ والطلاب المغاربة مرتبطين بموروثهم الثقافي في وقتٍ يفتقد عدد كبير منهم أبسط الكفايات الأساسية في القراءة والكتابة، وهو ما تؤكّده تقارير وطنية ودولية معلومة.

ختاما، تختزل هذه الوقائع بعض ما يعجّ به مجتمعٌ فقد بوصلته من دون أدنى مؤشّر على إمكانية استعادتها.

شاعر وكاتب مغربي

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مريمرين
المعلق(ة)
7 أكتوبر 2022 05:00

… للأسف ابتلينا بوزير للثقافة وهو لم يسبق له أن ألف كتابا أو كتب مقالا … وزير للثقافة و الثقافة براء منه براءة الذئب من دم يوسف . لك الله يا وطني !

مغربي حر
المعلق(ة)
7 أكتوبر 2022 00:16

بعض من كل هدا ويطلب من هؤلاء الشباب حمل مشعل التقدم والازدهار لهذا البلد الأمين.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x