لماذا وإلى أين ؟

هل هي فوضى غير نظــــامية ؟

لكل حادث اجتماعي تأثيرات متباينة، أحيانا قد تكون إيجابية وفي أحيان أخرى تكون تلك التأثيرات غير مطاقة، إلى درجة تبعث على الملل، بل و تؤدي الإختناق أيضا.

لقد عرف المغرب، بعد حركة العشرين من فبراير، التي نشأت قبل أزيد من عقد من الزمن، انطلاقة نحو مستقبل آخر تغيرت فيه، كما يبدو للكثير، ضوابط الحركة، واختلت فيه القياسات بصورة منحته وجها جديدا و منافيا لما كان عليه الحال في السابق.

الجانب الإيجابي المرصود،كنتيجة لتطور و تغير ملامح “الربيع المغربي”، يمكن الجزم بأن مغرب ما قبل 20 فبراير ليس هو مغرب ما بعد هذا التاريخ، وهو تغير طبيعي في غالب الأحوال، لاسيما في الجهة المرتبطة منه بالتوسيع القانوني و العملي لدائرة الحريات العامة، و الخاصة أيضا .قانوناً، عبر مراجعة مقتضيات الدستور، و عمليا، من خلال السلوك العام لأجهزة الدولة المطبوع بالإرتباك والحذر، و في مناسبات كثيرة بالتسرُّع.

توسيع دائرة الحريات مكسبٌ تحقق بفعل نضال مديد و طويل، خاضه المناضلون الحقوقيون و السياسيون السابقون، ودفعوا مقابل إحرازه أرواحهم وحرياتهم على امتداد سنوات، و ساهمت “الحركة العشرينية”، بشكل أو بآخر، في تثبيته وترسيخه، و هو لذلك، مكسبٌ يعود في النهاية إلى صانعه الأول أي الشعب، وهذا طبعا، من خلال مناضليه بمختلف أطيافهم السياسية و توجهاتهم الحقوقية و مواقعهم الطبقية او الإجتماعية.

لكن في المقابل، ثمة جانب سلبي، عادة ما يترافق مع كل فعل اجتماعي يسعى من خلال تصوراته إلى نقل المجتمع من “باراديغم” معروف و متعارف حوله، إلى باراديغم جديد تتغير فيه الموازين و تتجدد فيه القيم.

الجانب السلبي هذا، يمكن الاستدلال على تفاقمه بتسجيل تنامي مختلف المظاهر  التي يعتبرها عموم الناس سلبية داخل المجتمع، مظاهر تناسلت وتكاثرت مع ما سميُّ في وقته ربيعا مغربيا، فالسائقون، على سبيل التمثيل، أصبحوا أكثر ميلا لارتكاب المخالفات، و المجــزئون السريون تخلوا عن العمل في الخفاء و أصبحوا يخالفون قوانين البناء و  السكن و التعمير، في السر كما في العلن، و الباعة المتجولون صاروا أكثر استقرارا و تزايدا من أي وقت مضى، وصاروا لا يكتفون بالأرصفة بل انقضوا على المسالك و الطرق العامة و احتلوها احتلالا فعليا على سبيل الدوام و أصبحت الميادين العامة ملكا لهم، و المشعوذون و باعة الأوهام و المحتالون، بدورهم لم يشذوا عن القاعدة، فصارت مختلف الأحياء و مداخلها محجا دائما لهم، فيها يبيعون الوهم للمرضى و يسوقون بضاعة غير مزجاة للمغفلين ومن في حكمهم من المواطنين.

باسم الحرية،كما يبدو، جرى ارتكاب المخالفات، كما جرى التغاضي عنها، باسم الحرية أيضا، ما يعني في النهاية أن الحرية التي سدد الشرفاء من أجلها فواتير باهضة، أصبحت الآن أمام امتحان عسير، ولا أحد يدري هل سينجح المغاربة في ضمان الانتقال نحو حريات أوسع، أم أنهم قد يضطرون للعودة القهقرى نحو عصور الظلام و الاستبداد، عصور يتمنى فيها الناس عودة السلطان الجائر إلى جوره، ويندمون فيه على بلوغ أيام مثل هذه، أيام تجعل الناس في وضع لا يُعلم فيه الحق ولا يُمَيَّز من الباطل،أي وضعا قد يكون شكلا جديدا من الفوضى و الفتنة، لكن للأسف فوضى غير منظمة أو لِنقُل فوضى غير نظامية.

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
25 يناير 2023 13:46

الحقيقة جزئية فيما يسرده المقال، حيت ان ظاهرة الباعة المتجولين وما يسمى بالفراشة، تمت محاربتها في عديد من المدن وتكاد تكون شبه منعدمة في الرباط التي اعيش فيها، مع استتناءات تعرفها بعض احياء الدارالبيضاء، كما تنقل بعض المشاهد، لكن يبدو ان هذه الضاهرة التي تستعصي على الفهم هي جزء مما يسمى الاقتصاد informelle او غير المنظم الذي تعيش منه اسر ممتدة تعول اطفالها وتشارك في دورة الحياة العامة، ومحاربتها بالاساليب الجزرية دون ايجاد حلول بديلة قد اذى الى ضواهر اكتر سلبية، ومنها ارتفاع حالات الانتحار وتوسع ضاهرة التسول والبغاء، وتصاعد حالات الجريمة بكل ألوانها. وهنا مربط الفرس في التعامل الغير مدروس لضواهر تتطور الى ضواهر اكتر سلبية.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x