لماذا وإلى أين ؟

احراقُ المصحف الكريم بداية صعود نازية جديدة و نهاية أكذوبة التسامُح الديني في الغرب

ذ، محمد بادرة

حين قال جان بول سارتر قولته المشهورة(الاخر هو الجحيم) انما استظهر ما هو مخبوء في اعماق الذات الغربية حيث لا وجود للحديث عن التسامح والتعايش الديني، ولا وجود لخطاب قبول وحب الاخر، كما لا وجود لثقافة المشاركة والتآزر بين الذوات لان حضور الذات امام الغير هو بمثابة سقوط اصلي، ولان الخطيئة في نظر–سارتر- ليست سوى ظهورنا في عالم وجد فيه الاخرون.

هذا الفكر العنصري جزء لا يتجزأ من فلسفة وثقافة سياسة مهيمنة في الغرب، ها هو حفيد سارتر الرئيس (ايمانويل ماكرون) في خطاب شبه استشراقي القاه السنة الماضية في غرب باريس قال فيه “ان الاسلام يعيش ازمة في كل مكان بالعالم ” وان على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الاسلامية الساعية الى اقامة نظام مواز وانكار الجمهورية الفرنسية”.

كانت نظرة الرئيس الفرنسي للإسلام والمسلمين نظرة استشراقية بالوان دينية–عرقية -عنصرية ظالمة متجبرة وضاربة بعروقها في التقليد الاوربي المسيحي القديم والافكار المسبقة على الاسلام، انها فلسفة سياسية قائمة على وهم المركزية الاوربية وعلى التفكير الاستشراقي الذي ما يزال متغلغلا في عقول الساسة الاوربيين الجدد وهو ما يدل على انهم يتخبطون في ازمة ضمير وازمة انسانية مستفحلة ويجرون وراءهم فكرة واحدة (لا شيء يضاهي الغرب في قوته ونفوده وفكره وقوانينه.)

انهم يسعون لشيطنة الاسلام والمسلمين ليصنعوا منهم(قنابل الخوف)حتى يستثمروا نتائج هذه السياسة العنصرية في الانتخابات والى جانبهم اليمين العنصري المتطرف الذي بدأت تتصاعد اسهمه في بورصة الانتخابات وتزداد حظوظه وشعبيته في اوساط الراي العام الفرنسي والاوربي بعد ان اتخذوا من(الاسلاموفوبيا)ومن المهاجرين اوراقا رابحة في كل المحطات الانتخابية والدستورية.

هناك في الغرب يلتحم المستشرقون القدامى والجدد مع الساسة والخبراء وصناع القرار مستغلين ومستفيدين من وسائل الاتصال الجديدة وصناعة الترفيه الجماهيرية لأجل اعادة كتابة التاريخ وتغيير الوقائع واعادة انتاج الاشخاص “الشرقيين الاشرار” وهكذا نجد الافلام والمسلسلات والقنوات الفضائية والصحف واليوميات تتبنى مواقف سلبية من المسلمين وهي مسؤولة الى حد كبير عن تبنيها لفكر الكراهية والحقد والعنصرية وبث التعصب ضد المسلمين. فالشر والاستشراق موجودان في تفاصيل الحياة اليومية للمجتمعات الغربية كلها، انه نتاج لأنظمة ثقافية اجتماعية مؤسساتية وبتعبير اخر فالغرب يصنع الصور “المتوحشة” عن الشرق وعن الانسان الشرقي غير الاوربي.

وهكذا في فيلم (علاء الدين) الذي انتج هوليوديا في بداية السبعينات تجد الشخصيات الرئيسية فيه اكثر عنفا، صفاتهم واوصافهم قبيحة ومذمومة ومخيفة حتى البطل الجني في هذا الفيلم يغني بكل الحقد الاستشراقي الموروث ويقول:

اتيت من بلاد في مكان بعيد تجول فيه قوافل الجمال
حيث يقطعون اذنيك اذا كرهوا وجهك
هذا توحش…

انك تجد كل المؤسسات الاوربية كالمؤسسات التعليمية والاعلامية والثقافية والفنية والقضائية والحكومات تشارك كلها في عملية انتاج تصور توحش الاخرين وفي استراتيجية نزع قوت”هم” واستبعاد”هم” فتزايد الفصل العنصري والعنصرية المكانية والثقافية والدينية.

واذا كان قد جرت العادة على اعتبار السويد كما قال اولوف بالم Olof Palme (قلعة التسامح ) الا ان الصورة الحقيقية لهذا البلد هي عكس ذلك، فمن عاصمتها ستوكهولم تم احراق نسخة من المصحف الكريم من قبل سياسي يميني دانماركي متطرف (راسموس بالودان) وتكررت المحرقة “الدينية” البغيضة والكره الادمي في العاصمة الهولندية حين قام سياسي هولندي يميني متطرف من حركة (بيغيدا) المعادية للإسلام بتمزيق صفحات من القرءان الكريم على مقربة من مقر مجلس النواب الهولندي تم بعدها يدوس على هذه الصفحات برجليه في خطوة استفزازية لمشاعر اكثر من مليار مسلم حول العالم. هذا السلوك الهمجي البغيض وتمادي الحكومات الغربية في حماية مثل هذه التصرفات والجرائم الدنيئة للوحوش البشرية تحت لافتة حرية التعبير هي كما سماها الازهر( ديكتاتورية الفوضى وسوء الادب والتسلط على شعوب راقية مرتبطة بالله وهداية السماء).

لقد تماسست العنصرية في الغرب عبر وسائل اعلامهم التي تنتج صورا عن المسلمين والمهاجرين بوصفهم (مختلفين عنهم) و(منحرفين دينيا وثقافيا وسلوكيا) و تجد في كتبهم المدرسية تصورا للإسلام بوصفه دينا محاربا – دمويا لا يقوم الا بالسيف.. انهم اقحموا الدين الاسلامي في لعبتهم وصوروا المسلمين بوصفهم (الاخرين) المختلفين عنهم (نحن) وصفوهم بمجموعة من الاوصاف غير المتوافقة اساسا مع الحداثة، لانهم مسلمون مختلفون جوهريا (عنهم) – منعزلون- عدوانيون- رافضون للاندماج مع الاخر- لباسهم مقزز – سلوكهم عنيف- نساؤهم غامضات داكنات محجبات -…انها صور غرائبية تؤسس لثقافة العزل والاقصاء لهذا فالعنصرية الثقافية في الغرب هي العامل الاساسي في اقصاء الاخرين وهي المسؤولة على اعادة انتاج النازية من جديد. اما التعايش الديني فلا يمكنه ان يتحقق (هناك) لان التعصب وسياسة القول بامتلاك الحقيقة المطلقة لن تفضي الا الى صدام الحضارات التي اتى بها صامويل هنتغتون الذي راي انه بعد صعود الاسلام انتهى اكتساح العرب الغرب وغذى فكرة ثنائية غرب- اسلام
فهل انتهى عصر الوهم الغربي حيال ذاته بعد ان ماسس لعنصرية ثقافية ودينية كما لا يرى الغرب الا نفسه – نازية جديدة !

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x