لماذا وإلى أين ؟

غالي يستعرضُ مــآلات التصعيد بين المغرب و البرلمان الأوروبي (حوار)

تعيشُ العلاقة بين المغرب و البرلمان الأوروبي على صفيح ساخن، منذ أن تبنى الأخـير قرارا غير ملزم؛ يوم الخميس 19 يناير  الجاري، يدين المغرب في قضايا مرتبطة بحرية الصحافة وحقوق الإنسان؛ وهو ما اعتبرته جل المكونات السياسية والحقوقية والقضائية و تنظيمات عديدة، استهدافا للمملكة، و هو ما تراه الرباط حملة ممنهجة تقودها أطراف؛ فرنسية بالخصوص، للمساس بسمعتها و بمصالحها.

و لم تقف الأمور عند حدود الإتهامات، بل تلتها خطوات إجرائية تصعيدية من جانب البرلمان الأوروبي تمثلت في إلغاء أنشطة لبعثات برلمانية بالمغرب، و أيضا المطالبة بمنع مسؤولين، برلمانيين و دبلوماسيين، مغاربة من ولوج ذات المؤسسة الأوروبية، في الوقت الذي اختار فيه البرلمان المغربي هو الآخر لغة التصعيد، عبر إقراره في جلسة مشتركة بغرفتيه (النواب والمستشارين)؛ الاثنين الماضي؛ إعادة النظر في علاقاته مع نظيره الأوروبي، كما تتحدث تقارير إعلام وطنية عن إلغاء أنشطة واجتماعات رفيعة المستوى مع مسؤولين فرنسيين، على اعتبار وقوفها وراء الحملة.

للوقوف عند حيثيات هذه الأزمة غير المسبوقة بين المغرب والبرلمان الأوروبي، وأيضا المآلات بعد بروز مؤشرات التصعيد، حاورت جريدة ”آشكاين’‘، الدكتور محمد غالي، أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية بجامعة القاضي بمراكش، فيما يلي نص الحوار:

 كيف تقرؤون قرار البرلمان الأوروبي الأخير تجاه المغرب؟

– أعتقد أن هذا التوتر لن يعمر كثيرا، اعتبارا للمصالح المشتركة بين المملكة المغربية ودول الاتحاد الأوروبي. أكيد أن قرار الإدانة أُتخذ و كذلك دفع مجموعة من أعضاء البرلمان الأوروبي نحو نوع من التصعيد، هدفه جس نبض رد فعل المغرب، ولكن؛ على أي؛ عقد البرلمان المغربي بمجلسيه بدوره لجلسة مشتركة، انتقد فيه ما ألت إليه الأوضاع داخل نظيره الأوروبي، نظرا لكون هذه الإدانة تمس بالمشترك بين الدولتين، وتمس أيضا بالمكانة التي تحتلها المملكة المغربية تحتل مكانة كونها شريك مهم واستراتيجي.

في اعتقادي؛ فإن بعض الدول بدأت تتدخل وتضغط، على اعتبار أن التصعيد سيقود إلى نتائج عكسية، لأن المملكة المغربية لا يمكنها أن تبقى مكتوفة الأيادي أمام قرارات ولو أنها غير ملزمة أو إلزامية، ولكن يمكن أن تشوش وتؤثر في بعض الجوانب. لذلك فرد البرلمان؛ كما قلنا؛ سيعمد إلى نوع من المعاملة بالمثل بمعنى بمجرد ما البرلمان الأوروبي أعلن أنه سيمنع زيارة وفود مغربية، أو أنه سيقوم ببعض السلوكيات أو القرارات التي قد تضيق على الدبلوماسيين المغاربة في هذا الباب، أكد البرلمان المغربي أنه سيقوم بدوره بأعمال مشابهة وفي مستوى ما سيقوم به البرلمان الأوروبي.

ما هو سياق قرار البرلمان الأوروبي ضد المغرب؟

– أرى أن الأمور لها سياق يعلمه الجميع، وهو نوع من التخفيف على الضغوطات التي تعاني منها أوروبا من الحرب الروسية الأوكرانية وخاصة في مجال الحصول على مصادر الطاقة، ونحن نعلم جيدا أن الجزائر تحاول اليوم أن توظف الغاز لتحقيق مطالب ومطامح جيوسياسية. اعتقد ربما أن الأوروبيين دخلوا في نوع من النفاق مع دولة الجزائر، خاصة إيطاليا وفرنسا. ولكن أقول أنه بمجرد ما سيتمكن هؤلاء من تخفيف هذه الضغوطات، فالأمور ستعود إلى مجراها، دون أن ننسى كذلك؛ فإن هذا النوع من ردود الأفعال أملته انتخابات البرلمان الأوروبي القريبة، وهي فرصة لخلق نوع من الاعتقاد بأن البرلمانيون الأوروبيون يدافعون عن مصالح مواطني أوروبا من خلال محاولة إرضاء بعض الأطراف قصد الحصول على امتيازات، التي ستعود بنوع من النفع على حياة الأوروبيين، وستساعد كذلك على التخفيف من التضخم في بعض القطاعات نتيجة الحرب بين روسيا أوكرانيا.

 ماذا بعد تصعيد البرلمان الأوروبي؟

– يجب أن أُشير في هذا السياق إلى ملاحظة مهمة، وهي أن قرار هذه المؤسسة الأوروبية غير إلزامي، وبالتالي ربما هاته فرصة أو محاولة لجس نبض رد فعل المملكة المغربية، وإذا كان الرد مناسبا وظهر أن المملكة لا يمكن أن تفوت الفرصة إلا وبدورها ستؤثر على مصالح أوروبا، فإن الإشارة ستكون قوية إلى المؤسسات التي لها طابع تقريري.

وعليه فإن أفق هذا القرار؛ أنا أقول؛ على المدى القصير، يُعد نوعا من جس النبض ومحاولة لإرضاء بعض الخواطر، على اعتبار أن حتى الأطراف الأخرى، ربما تتعرض لنوع من الضغوطات، ومن خلال هذا القرار تحاول أن تؤكد بأن لها تأثير وضغط جيوسياسي، وأقصد على الخصوص دولة الجزائر، لأنه لاحظنا أن الرئيس الفرنسي جاء إلى الجزائر وخرج بمجموعة من الاتفاقيات، وأدلى بتصريح امتنع خلاله من الاعتذار عن استعمار فرنسا للجزائر، والأكثر من ذلك اعتبر أن هذا الاستعمار رسالة تاريخية وعمل تاريخي سام لا يمكن الاعتذار عنه، مما يؤكد أن فرنسا لن تتنازل عن نظرتها وتصورها لمسألة الذاكرة مع الجزائر، ولن ترضخ للضغوطات الجزائرية في هذا الباب.

لذلك أقول أن أفق هذا القرار؛ القرار البرلمان الأوروبي؛ له تأثيرات في المدى القصير، بالنظر لمجموعة من التحولات الجيوسياسية، خاصة وأن أوروبا تعيش اليوم حالة ضعف غير مسبوقة، في حين أن توجهات المملكة المغربية، نوعت مؤخرا في شركائها، إذ لم يعد هناك شريك أوروبي فقط، بل هناك شركاء في القارة الأمريكية وفي أسيا وغير ذلك من الشركاء التي تستطيع المملكة من خلالهم أن تخفف من القرارات السلبية للهياكل الأوروبية ضدها، خصوصا وأن الأطراف الأخرى تنتظر هذا النوع من التصعيد من أجل فرض وجهة نظرها، وأن تحظى بشراكة جد متقدمة مع المملكة المغربية، خاصة إذا ظهر بأن الشراكة بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي تضعف.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x