لماذا وإلى أين ؟

“مع العشران” .. أغنية سياسية أم تحريض ضد السلمية؟

بينما المغاربة منشغلون بارتفاع أسعار عدد من المواد الاستهلاكية إلى مستويات غير مسبوقة، خرج عليهم مغني الراب عمر سهيلي، المعروف بلقب “ديزي دروس” بكليبه الجديد المسمى “مع العشران”.

“مع العشران” حقق بعد 6 أيام من إطلاقه حوالي 14 مليون مشاهدة، واستطاع، حسب عدد من المنصات، أن يتربع على عرش الطوندوس بالمغرب ودول أخرى، فما السر في ذلك؟

سنحاول في هذا المقال استقراء ما تضمنه طراك/كلاش مع العشران من  رسائل خفية، وما حاولت مشاهد ثميلية من صور غير مباشرة، فكما قال أحد المفكرين “سيظل الناس سذجا ما لم يستطيعوا قراءة ما بين أسطر الخطابات..”.

بعد الانصات الأول لـ”مع العشران”، يجد المشاهد/المستمع نفسه أمام أغنية/كليب احتجاجية بنفحة سياسية، تنتفض ضد وضع لم يعد يطاق، وذلك من خلال مهاجمة الأغنية لمسؤول حكومي يعتبر مسؤولا عن الوضع المحتقن. ولترسيخ صورة الأغنية الاحتجاجية في ذهن المشاهد/المستمع وظف صاحب التراك/الكلاش عبارة وردت في خطاب قبل سنوات لعزيز أخنوش، بصفته رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار، حتى قبل توليه رئاسة الحكومة، وذلك خلال نشاط حزبي قال فيها “..ولي ناقص ليه التربية خاص نعودو ليه التربية ديالو”.

ومع تزامن نزول التراك/الكلاش إلى سوق الأغاني مع موجة سخط عارم وسط المغاربة بسبب غلاء الأسعار بسوق البضائع،  وبتوظيف الرابور لطعم عبارة أخنوش “نعودو لو التربية”، التي كانت موضع انتقاد من طرف شريحة واسعة من المغاربة في حينها، ولكون الرجل (أخنوش) أصبح المطلوب رقم واحد عند كل معارض ومنتقد، بل؛ وحتى ناقم، وجد عدد من الساخطين على الوضع في كليب ديزي دروس، متنفسا للتفريغ، خاصة مع إضافة بهارات من مشهد يعيد للأذهان واقعا أصبح يُعد في المخيال الشعبي العربي إحدى البطولات العروبية القومية، واقعة رجم الصحافي العراقي منتظر الزيدي، للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، بحذاء خلال مؤتمر صحفي.

لكن بمزيد من التركيز فيما بين كلمات ومشاهد كليب “مع العشران” من معان، يتبين أن الرسالة التي قد تظهر احتجاجية على وضع قائم من خلال انتقاد مسؤول عمومي حكومي، تحمل في طياتها بعدا تحريضيا عنيفا للاحتجاج غير السلمي.

وبالتمعن مليا في رسالة الاحتجاج ضد رئيس الحكومة التي عكستها بعض كلمات ومشاهد التراك/الكلاش، وبعد الصحوة من نشوة تفريغ احتقان ترسب في النفوس بفعل تدهور القدرة الشرائية، يتبين من طيات الكلمات ومشاهد الحركات التمثيلية، أن الرابور شجع على اللجوء إلى العنف في مواجهة المسؤولين العموميين، وذلك من خلال تقديم واقعة الرجم بالحذاء كممارسة محبذة، رغم كون الواقعة في الأصل لها سياقات مختلفة تماما، واستعملت من طرف مواطن/صحافي ضد غازي محتل دمر بلاده وشرد شعبه بكل الأسلحة، المشروعة وغير المشروعة. فماذا لو تأثر أحد عشاق الرابور ديزي دروس من الجيل الناشئ والمراهق بـ”مع العشران”،  “ونصل شي نهار سباطو أو شيئ آخر فشي لقاء،  وزف بيه، لاقدر الله على شي مسؤول؟”

رسالة العنف في “مع العشران” تظهر أيضا من  خلال الكلاش الذي خص به ديزي دروس خوه فالدومين و “عدوه في الحرفة”، توفيق حازيب الملقب بـ”الدون بيغ”. حيت  يظهر هذا الأخير، من خلال شبيه له فالكليب، مكبل اليدين ومكمم الفم  ومرميا فالكوسان في وضع من أصابه ما لم يصب الطبل يوم العيد، وإلى جانبه يجلس غريمه بطل المافيا، حسب المشهد، قبل أن يقوم بقتله وهز البالة باش يحفرلو قبرو، في صورة تكرس واق الراب القائم في جزء منه على العنف بكل تجلياته، لغوي، معنوي و مادي، وبدونه لا يكون رابا، وما أكثر ضحايا هذا العنف داخل هذا الميدان، لكن التحريض على اللجوء إليه في الاحتجاج ضد المسؤولين أمر يثير القلق.

“مع العشران” الذي تقوم الفكرة الرئيسية لبطل كليبه على شخصية صحافي، قام صاحبه (الكليب) بتقسيم قبيلة الصحافيين إلى نوعين، صحافيون مناضلون “كيشيرو بالسبابط”، مقابل صحافيو الاتجاه المعاكس والبلابلا”، حسب معيار السيد الرابور. محاولا بذلك، من خلال المشاهد التمثيلية الواردة في ذات الكليب، بعث فكرة مفادها أن الصحافي لـ”مضاربش الحباسات ومكيشيرش بالسباط  فهو مشي صحافي”!!!!

“مع العشران” يمكن قراءته من عدة زوايا، إلا أن كل قراءات ماعنيها وما بين كلامتها وصور مشاهدها تؤدي إلى خلاصة مفادها، أن من لا يمارس العنف، لغويا وماديا، ليس بمحتج ولا صحافي ولا فنان..، و أن العنف هو السبيل الأمثل لحل كل المشاكل، اهتداء بالمثل القائل: “لي ما ضربش الحبس مشي راجل”.

ويبقى الخطر الأكبر أن جمهور هذا النوع من الفن في معظمه من الفئات الشابة المراهقة، الذين سيشكلون مغاربة المستقبل، فهل بهكذا رسائل سنبني مجتمعا أفضل يسع الجميع؟

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

7 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Omar
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 10:40

14 مليون مراهق كيصرف عليه الباه …مثل هذا ماعندو ما يقولي . لو كان الخوخ …

Moh
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 09:55

ايا كان محتوى تلك “الاغاني “تبقى بعيدة عن الفن والابداع الموسيقي ..بالنسبة لي الراب مجرد صراخ تصاحبه ايماءات لا معنى لها الا عند المراهقين وطبقات انصاف المتعلمين.هنا. انت امام رداءة حقيقية على جميع المستويات ..الكلمة ..الاداء والرقص ..هاد الاغاني بحال ماكدونالدز الرداءة والشهرة

مريمرين
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 07:45

ولماذا لا نقول إن الفراغ القاتل الذي أحدثه تقاعس الأحزاب (المحسوبة على المعارضة) عن القيام بواجبها في الدفاع عن المواطن, هو الذي جعل هذا المواطن يعبر بقوة عن غضب (سخط) مزدوج . غضب على المسؤولين الذين لم يلبوا احتياجاته وغضب على أحزاب المعارضة التي تنازلت عن دورها السياسي و ركنت إلى انتظارية أملا في تعديل حكومي . وخير مثال هو أن سي ادريس لشگر صرح بأن برامج حزبه تتطابق مع برامج الحكومة وبالتالي تصعب عليه المعارضة.

لوسيور
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 02:50

قولوا العام زين

احمد
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 21:25

حين يستأسد العنف السلطوي ويفشل المجتمع في تنظيم نفسه ينتشر عنف رمزي من كل الاشكال.

مواطن
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 12:15

مع احترامي للاخ كاتب المقال. انتم تعلمون جيدا أن هذا النوع من الفن، نعم اسميه فن، يأثر بشكل كبير على فئة عريضة من الشباب، خاصة المراهقين. ولا تظنوا انهم (المراهقين) لا يفهمون معاني كل كلمة. لذلك، بحكم أن الطراك فيه كلمات “صعيبة” تحاولون قرائته بشكل مختلف ربما لكي يغير القارئ وجهة نظره والفكرة التي ترسخت في ذهنه بعد السماع لهذا الطراك. بمعنى آخر، لو كان هاد الطراك كيطبل وكيهلل اش جاب مايسكتكوم وتردوه قدوة وربما تزيدوه حتى هو فالمقررات الدراسية كما وقع مع واحد الفرقة التي تسمي نفسها تغني “الراب”. قلت انا) في البداية على ان هذا النوع اسميه فن، لأنه يرسل رسائل تعبر عن ما تعيشه الشعوب من فقر، إضطهاد، تهميش، قمع…وكلماته تأثر بشكل مباشر على المستمع وتوصل الرسالة!

Chopin
المعلق(ة)
21 فبراير 2023 12:12

فعلا لقد تم بناء مجتمع ضاق على الجميع… فالمسؤولون هم من يرموننا بالأحذية، و للاسف أحذية خانزة لا تليق لأي شيء…. و ليس جمهور الرابور الذي تحدثم عنه، فجمهور الراب جزء من الشعب الخنوع، و مسؤولوكم لا خوف عليهم و لا هم يحزنون

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

7
0
أضف تعليقكx
()
x