لماذا وإلى أين ؟

خسارةُ ماكرون بلداً كالمغرب سيُفوِّت على فرنسا الكثير من المصالح (مؤرخ فرنسي)

في ظل متغيرات إقليمية ودولية كبيرة، توجد دوافع وحوافز متبادلة بين فرنسا والجزائر للتقارب فيما بينهما، خاصة بسبب أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا، بيد أن هذا التقارب يبدو وكأنه يتغذى على حساب العلاقات بين باريس والرباط، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بين البلدين إلى جانب استمرار تعنت البلد الأوروبي في عدم اتخاذ موقف واضح من الوحدة الترابية للمملكة.

فبالرغم من كون العلاقات بين الجانبين تبدو متوترة للغاية ومكشوفة للعيان، إلا أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يتوانى عن تغطية الشمس بالغربال، حينما يخرج في الإعلام ويتحدث عن عدم وجود أي أزمة أو مشاكل بين البلدين، لدرجة التصريح بأن بلاده عازمة على توطيد العلاقة مع المغرب. إذ أن إنكار المشكل وتجاهله هو في حد ذاته إشكال عويص ومحاولة استغباء للطرف الآخر المعني بالأمر.

لكن المغرب، برهن على أنه لم ولن تنطلي عليه كل محاولات ذر الرماد في العيون، وأن كل ما يحاك في ظهره يعيه تمام الوعي ويتعامل معه وفق ما ينبغي، وهو ما أسفر عن استدعاء المملكة للسفير المغربي بفرنسا وترك المنصب شاغرا لأسابيع، كرسالة و إشارة قوية على وجود أزمة دبلوماسية يجب التعامل معها وفق أبجديات الدبلوماسية المتعارف عليها، لا الإنكار والتجاهل.

وفي هذا الصدد، أكد المؤرخ والكاتب الفرنسي “جون بابتيست نوي” “Jean-Baptiste Noé أن العلاقات بين البلدين متدهورة منذ مدة، وذلك منذ وصول ماكرون لرئاسة فرنسا سنة 2017، حيث عمد إلى تجاهل المملكة في عدة مناسبات، بل الأكثر من ذلك انحاز للجزائر ضدا على المغرب رغم أن الأخير لم يكن أي ضغينة لفرنسا عكس بلاد تبون.

وأوضح بابتيست في حوار مع صحيفة “أطلنتيكو” أن فرنسا لم تجن أي تقدم ملموس في علاقاتها مع الجزائر، عكس المغرب الذي كانت تجمعه بها علاقات دبلوماسية وطيدة وصداقة متينة ليس فقط بين الحكومتين وإنما أيضا على مستوى المجتمع المدني، محملا المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع اليوم إلى ماكرون وأتباعه الذين يحاولون، بحسبه، تلطيخ صورة المغرب من خلال الإشارة إلى مشاكل الهجرة والتهريب ومؤخرا قضية التجسس بنظام “بيغاسوس”.

250X300 Ministre taransition mobile

وشدد المتحدث على أن ماكرون يحاول إغواء نظام تبون بالرغم من أن الأخير ينفره، بل والأكثر من ذلك فإن هذا البلد لا يتعاون حتى في إصدار تصاريح قنصلية لإعادة مواطنيه الذين قررت فرنسا طردهم من ترابها، مبرزا أن خسارة بلد كالمغرب يدل على مدى ضعف سياسة ماكرون الهجينة وعلى عماه الدبلوماسي الذي سيفوت على فرنسا الكثير من المصالح.

وتهكم المؤرخ على ماكرون، حين أشار إلى رغبته في تشكيل لجنة مشتركة بين مؤرخين فرنسيين وجزائريين للعمل على ذاكرة مشتركة بين الجزائر وفرنسا، موردا بالقول “وكأن المؤرخين كانوا ينتظرون فقط تفويضا رئاسيا من ماكرون لينجزوا أبحاثهم، وكأن المعطيات حول هذا الشأن لم تكن متوفرة قبل مجيئه”، بحسب تعبيره.

وأكد بابتيست أن الرئيس الفرنسي اليوم بانحيازه للجزائر خسر المغرب الذي يعتبر البلد الأكثر استقرارا وغنى في منطقة المغرب الكبير، كما أنه تجاهل كون الروابط معه تتجاوز الأمور الاقتصادية، مثل الشركات الفرنسية المستثمرة فيه خاصة في سوق السيارات، إذ أنه بوابة رئيسة لإفريقيا بميناء طنجة المتوسط وبمستوى التعليم الذي يجعل المغاربة الأكثر تعلما بين نظرائهم في شمال إفريقيا.

وتتسم العلاقات بين البلدين منذ أكثر من عام بتوترات، زادت حدتها بعد اتهامات للمغرب بالتجسس عبر برنامج “بيغاسوس” على مسؤولين فرنسيين، وقرار باريس تشديد شروط منح التأشيرات للمواطنين المغاربة بسبب ملف المهاجرين غير النظاميين الذين تريد باريس ترحيلهم، قبل أن يحل المشكل وتعلن وزيرة خارجية فرنسا خلال زيارتها للرباط عن عودة إصدار التأشيرات كما في السابق، إلا أن العلاقات الدبلوماسية في الواقع لم تبرح مكانها.

ونقلت صحيفة ”جون أفريك” في وقت سابق، عن مسؤول مغربي أن العلاقات بين البلدين “ليست ودية ولا جيدة”، سواء بين الحكومتين أو بين القصر الملكي والإليزيه، وذلك ردا على تصريحات الرئيس الفرنسي خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب خطابه المكرس للعلاقات بين فرنسا وأفريقيا، في 27 فبراير في قصر الإليزيه، والتي أكد فيها على أن العلاقات مع الملك محمد السادس كانت “ودية”، وستبقى كذلك”،

وأضافت الصحيفة نقلا عن المسؤول نفسه، أنه “تم إخفاء نقاط التوتر الأخرى عمداً، بما في ذلك التقييد التعسفي للتأشيرات والحملة الإعلامية والمضايقات القضائية “، مسجلا أن “مشاركة وسائل إعلام فرنسية ودوائر القرار بباريس في ظهور قضية بيغاسوس والترويج لها لا يمكن أن تتم دون تدخل السلطات الفرنسية، وهو نفس الأمر بالنسبة لتصويت البرلمان الأوروبي دون التعبئة النشطة لمجموعة التجديد التي تهيمن عليها الأغلبية الرئاسية الفرنسية، التي تعتبر روابطها بالإليزيه معروفة للعموم”.

 

600X300 Ministre taransition mobile

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x