لماذا وإلى أين ؟

حتى لا تُصبح الشُّـرطة في حاجة لمن يحميها!

محمد العطلاتي

باعتبارها مصدرا و ناشرا للأخبار، اعتادت القنوات الإذاعية و التلفزية، فضلا عن الصحف و المواقع الإخبارية الإلكترونية، إخبار زوارها و مطالعيها، بشكل يكاد يصبح معتادا، بحوادث كانت إلى عهد قريب نادرة أو في حكم المنعدم، وذلك قبل أن تتحول، في الفترة الأخيرة، إلى مواضيع معتادة و مألوفة لدى جمهور القراء و متابعي الأحداث المحلية.

الحوادث المقصودة هنا، تتعلق في المقام الأول بما يمكن تسميته تحولات جسيمة عرفها المجتمع المغربي في علاقته بالدولة و أجهزتها الموكول لها ممارسة اختصاص حفظ النظام و إنفاذ القانون.

في العقود الماضية، تمتعت أدوات المحافظة على الأمن، وتحديدا جهاز الشرطة، باحترام فائق من قبل مختلف طبقات و أفراد المجتمع، إذ مثَّــل هذا الجهاز العنوان الأبرز لسلطة الدولة المادية و الأدبية، و بصرف النظر عن تجاوزات محتملة قد تكون ارتكبتها في تواريخ معينة، فقد ظلت الشرطة طوال الفترات السابقة تحظى بالقدر اللازم من الهيبة بل و الخوف من قبل معظم الناس.

لكن الأمر، كما يبدو، لم يستمر على نفس النهج و الحال، إذ انتقل، بتأثير جملة من التغيرات الثقافية و السوسيولوجية، إلى وضع مختلف، وضعٍ أصبح يفرض على المتابع إثارة تساؤلات منطقية و واجبة حول التغيرات التي لحقت بطبيعة علاقة الفرد/المجتمع بأجهزة حفظ النظام و الأمن.

لقد انتقل رجل الشرطة، في الوقت الراهن، من وضع الفاعل الضابط للجريمة و مرتكبيها، العامل على حماية الممتلكات و الأرواح، إلى وضع أصبح فيه هو نفسه موضوعا للجريمة بكل أصنافها و تلاوينها، و هذا أمر مؤكد تثبته حالات التطاول المتكررة المسجلة ضد رجال الشرطة العاملين بمختلف درجاتهم و مجالات عملهم، تطاولات تُطلعنا عليها، بشكل متواتر، مصادرُ الأخبار، جانحون يُشهرون أسلحة في وجه رجال الشرطة، مجرمون يستخدمون كلابا من فصائل شرسة لمقاومة تدخلات الأمن، لكن يبدو أن الأمر لم يقف عند هذه الحدود القصوى، بل انتقل إلى مستوى أفعال أكثر خطورة بكثير، أفعالا منظمة و مخطط لها بعناية من أجل استهداف حياة شرطي عبر سلسلة من الجنايات المتتالية، بدأت بالإغتيال و السطو على سلاحه الوظيفي و انتهت بإحراق سيارة و التخلص من جثة الضحية بطريقة تنعدم فيها كل الضوابط الأخلاقية و الإنسانية.

هل يتجه المجتمع المغربي، بمثل هذه الجرائم المخزية، إلى فقدان دعائم الإستقرار و التحول إلى مجتمع فوضوي تنعدم فيه ضوابط و ضمانات حماية أرواح الناس من شرور الجناة؟ و هل هناك خللٌ في بنية المجتمع سمح بالتطاول على أجهزة الأمن بهذه الصورة المقلقة؟ و هل المجتمع في حاجة إلى تقْويمٍ فعلي تمتد أطواره من الأسرة إلى المدرسة و إلى مؤسسات المجتمع المختلفة؟ و هل على الدولة أن تُعيد النظر في أساليب تكوين رجال الشرطة بالمعاهد المختصة بشكل ينتج رجال شرطة على درجة عالية من الصرامة و القسوة لإستعادة هيبة القانون و رجال إنفاذه؟

إنها تساؤلات لا تلقي اللوم على أحد، لكنها تساؤلات ضرورية لكشف الأسباب  التي أدت إلى الاستهتار بمكانة الشرطي، كعنوان للأمن و السلامة، بل و التطاول على حياته بارتكاب جنايات فضيعة، إنها تساؤلات تحرض على الإجابة عنها وفق منظور متكامل الأبعاد، منظور يسعى في المقام الأول إلى حماية هيبة الدولة التي يمثلها رجال الشرطة الشرفاء، حتى لا تصبح الشرطة في حاجة لمن يحميها.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

3 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
سكيزوفريني
المعلق(ة)
12 مارس 2023 12:58

مقال ممتاز من يصبو إلى تعزيز نظرية سيادة القانون على الفرد / المجتمع ..لكن المعضلة أقوى وأشد من ذلك فما يجب أن يفهم من هذه الحوادث المشينة هو أن رجل الأمن في الواقع لم يعد يمثل هنا سوى نفسه وسط هذا الكم الهائل من المساطر الجزرية و المعاهدات المستوردة التي تصبو حسب زعمها إلى تعزيز قيمة الإنسان الحديث وإعطاء القيمة المادية والمعنوية للكرامة والحق في كل شيء بل حتى في الفوضى والتغني بالحقوق المجتمعية والفردية بشتى تلاوينها .. أجل فلقد نسينا أن نكرم هذا العنصر البشري الذي نعتبره الأداة التي نطبق بها هذه القوانين والتشىريعات الحقوقية .. ومضينا وراء مطالب لا غاية ولا نهاية لها سوى الجري وراء إرضاء اللوبيات الحقوقية والجماعات الحداثية فأتينا على قوانين الطبيعة وغيرنا من عادات مجتمع على حساب مجتمع آخر ومضينا ننسج خيوطا رفيعة تحتاج منا في تعاملنا معها – رفعة شأن و يد صانع ماهر – وليس فقط منسوجات مستوردة نحتاج لها عندما يمسها الزمن استيراد أخرى ..
أرجو أن يفهم التعقيب إضافة وليس توضيفا ..وأن يفهم التوضيف لصالح الموضوع وليس جريا في وادي سحيق ..

لوسيور
المعلق(ة)
12 مارس 2023 06:29

بالفعل قتل العديد من الدركيين من طرف عصابات المخدرات والاجرام.وقتل شرطي واحرقت جثته.الخلل موجود في القوانين المنظمة بحيث لا يستعمل السلاح الوظيفي الا لماما ثم ان القوانين الزجرية حريرية .فيجب استصدار قوانين يكون حدها هو الاعدام حتى يزدجر من يتطاول على موظف دولة ويهدد سلامته..العقوبات السجنية لا تردع.الحل هو الاعدام وتطبيقه في حد اقصاه 3 أشهر بعداصدار الحكم به..الخلل في القوانين..غذا سيحجم اي موظف عن القيام بواجبه خوفا من الانتقام وهكذا سيكون المخزن في خطر حقيقي.والايام بيننا

مكنوني محمد
المعلق(ة)
12 مارس 2023 10:58

حيث كما نعلم فالجريمة تتطور بتطور المجتمع إذا يستوجب على المشرع تعضيد وتقوية وتطعبم التشريع بالنسبة المرفق الشرطة وكم هي في حاجة ماسة
مت المشرع لسد بعض الثغرات والتغلب على الصعاب كما أنه كذلك مطالب بالاعتناء بشهداء الواجب لأن هذا يستدعي التدخل العاجل لبلورة مفاهيم جديدة في هذا المعطى .
اما الشرطة فهي ليست في حاجة لمن يحميها لأنها تستمد قوتها من القانون .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

3
0
أضف تعليقكx
()
x