لماذا وإلى أين ؟

واكريم يكشفُ دور شركات الإنتــاج في صُـعود “التفاهة” في الساحة الفنية (حوار)

آشكاين/وسيم الفائق

أعادت واقعة “التنمر والإساءة” اللتين تعرض لهما الكوميدي المغربي حسن مكيات، من طرف أحد المشاركين في برنامج اكتشاف المواهب الكوميدية “ستاند آب”، الجدل حول واقع الكوميديا المغربية.

ويرى عدد من متتبعي العروض الكوميدية، وأعمال المسلسلات التلفزيونية، أن هذه الأخيرة تشهد ركودا ملحوظا، بل إن “التفاهة” و”الإبتذال” أصبحا العنوان الأبرز والوصف الذي يمكن التعبير به عما تعيشه الساحة الفنية في الآونة الأخيرة بالمملكة المغربية.

فالكوميديا باعتبارها فنا دقيقا، يستعين بسلاح الدعابة وخلق “الروايات الهزلية” والتفنن في ابتداع النكت والمُضحك من “القصص” بذكاء وإبداع، بهدف إضحاك الناس و تمرير رسائل هادفة في قالب ساخر، لا تحضر لدى “الجيل الجديد”، وحتى إن برزت لدى بعضهم فإن مستوى عروضهم الكوميدية، تكون أقرب لـ”الابتذال” و”السطحية” منها إلى الكوميديا بقواعدها وحبكتها الفنية، حسب شهادة عدد من المتابعين المغاربة، بل باعتراف مجموعة من المتخصصين في هذا المجال.

هل حقا تعيش الكوميديا في المغرب تدهورا على مستوى المضامين والمحتويات المعروضة، وهل ما زالت تقوم بأدوارها الفعلية؟ وهل استطاع “الجيل الجديد” تطوير مستويات العروض الكوميدية، أم أسهم في تراجع مستوياتها؟ هي أسئلة حاولت جريدة “آشكاين” تسليط الضوء عليها من خلال استضافة الناقد السينمائي عبد الكريم واكريم، لفقرة ضيف الأحد لهذا الأسبوع.

وفي ما يلي نص الحوار:

بداية، كيف تنظر لواقع الكوميديا في المغرب على مستوى المضامين والمحتويات المعروضة في البرامج التلفزيونية؟

مستوى الكوميديا التلفزية في المغرب جد متدني من الناحية الفنية، خصوصا أن الكوميديين الذين يصنعونها يفتقدون لقواعد وأبجديات هذا الفن. أما على مستوى المضامين فيُلاحظ أنها جد محدودة، كما أن هناك عدد من المحظورات، التي يُشكل أغلبُها الهدف الأساسي للكوميديا ومادتها الأساسية، بل إن شكل الكوميديا التلفزية المغربية حاليا بئيس ويعتمد على “تعواج الفم” والنكتة “البايتة الحامضة “.

وهل ما زالت الكوميديا المغربية تقوم بأدوارها المنوطة بها؟

أهم دور للفن هو الفن نفسه، وأي عمل لا يتوفر على المعايير الفنية للجنس الذي يصنف ضمنه يفقد قيمته والكوميديا تدخل أيضا ضمن هذا السياق؛ أظن أن من أهم أسباب صعود “التفاهة” في الساحة الفنية، هو توجه الخط التحريري للقنوات العمومية التي تعتمد على أصحاب الإشهار، هؤلاء يرون فقط من سيجلبون لهم أكبر عدد من المشاهدات -دون أي اهتمام لجودة المحتوى- وطبعا هذا يتعارض مع الفن الحقيقي الذي قد لا يقدر بمثل هاته المعايير خصوصا من طرف قنوات عمومية تمول من طرف الشعب ويجب أن تخدم الفن والثقافة الحقيقيين، عكس القنوات التلفزية الخاصة التي تهدف للربح المادي فقط.
أود أن أقول أيضا، في هذا السياق، أن شركات الإنتاج التنفيذي التي تنال باستمرار صفقات العروض، هي أحد أسباب تدهور المحتويات المعروضة، كونها تدخل في علاقة مصالح مع جهات تمكنها من الصفقات باستمرار، بالتالي سترفض أي شركة إنتاج تقدم منتوجا فنيا حقيقيا لأنه سيفضح الرداءة السائدة في مجال الكوميديا التلفزية

طيب، لكن إلى أي حد استطاع “الجيل الجديد” تطوير مستويات العروض الكوميدية؟ وهل نجح في ذلك أم أسهم في تراجع مستوياتها؟

هناك استثناءات قليلة جدا في الجيل الجديد من الكوميديين، من استطاعوا إنتاج كوميديا حقيقية خارج التلفزة ويحضرني هنا مثال محمد باسو الذي رغم أنه يشارك في الأعمال “الحامضة” في رمضان إلا أن ذكاءه الفني جعله يتميز في سلسلة عنوانها “ناطق غير رسمي” ببثها في قناته على موقع “اليوتيوب”، وأعتبرها تجديدا جميلا في الكوميديا المغربية من طرف كوميدي شاب موهوب.
في الثمانينات على سبيل المثال كان هناك ثنائي اسمه بزيز وباز كانت تجربتهم جد متميزة، وعزيز سعد الله وخديجة أسد اللذين استمرا معا في إنجاز كوميديا محترمة، ليلتحق بعد ذلك حسن الفد الذي مازال لحد الآن يحترم ذكاء المشاهد في الكوميديا التي ينجزها.

هل تتفق مع الذين يعتبرون أن الكوميديا لا تعترف بالخطوط الحمراء؟ وأن كل شيء قابل للسخرية؟

نعم أتفق مع هذا الموقف، لكن بنوع من التحفظ، طبعا هناك حدود وكل ما يصل لحدود العنصرية و السب والشتم، واستهداف الناس في حياتهم الخاصة، لا يمكن أن نقبل به، بغض النظر عن أي رقابة، لأنني ضدها نهائيا.

أود أن أضيف أن هناك تراجعا وتدهورا عن التجارب التي كنا نشاهدها خلال عقود ماضية، عرفت فيها التلفزة المغربية العمومية المغربية، انفتاحا و رقابة أقل، إضافة إلى كون هاجس الربح التجاري لم يكن حاضرا بقوة كما هو الآن، وكانت التلفزات تنتج بشكل مباشر، وما أن تم فتح باب عروض صفقات الدراما التلفزية في عهد الوزير الخلفي حتى تدنت القيمة الفنية للمشاريع المقدمة. الخلفي هو من فرض صيغة دفتر التحملات التي كانت لها آثار سلبية على الأعمال التلفزية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x