لماذا وإلى أين ؟

عاطــلو رمضان… عُـمّال الحــانات (الحلقة الرابعة)

آشكاين/وسيم الفائق

يأتي شهر رمضان مرة كل سنة، مُحَملا برموز مقدسة، بطقوس دينية وعادات شعبية، شهر يستثمره المسلمون للعبادة والتقرب من الله، والإكثار من الطاعات، بينما يستغله آخرون لمضاعفة مداخيلهم من أعمال تجارية، مستفيدين من تهافت الناس على الأسواق، وهوس الاستهلاك المفرط.

وفي هذا الشهر كذلك، يفقد بعض الناس عملهم، وأخرون تغلق أبواب رزقهم المعتادة، فيما تصبح أنشطة أخرين محظورة، وتفرض على العاملين والعاملات بها “العطالة”.

“عاطلو رمضان”، سلسلة رمضانية ارتأت جريدة “آشكاين” أن تسلط من خلالها الضوء على فئة من الأشخاص يضطرون إلى التخلي عن أعمالهم التي يزاولونها طوال السنة خلال شهر رمضان، سلسلة تحاول رصد واقع هذه الفئة خلال رمضان، وذلك من خلال شهادات حية.

 شهر لا عمل فيه… شهر لا يُعول عليه

“البارمان”، “الفيدور” (حارس الحانة)، “السرباي”…، كلها مهن تندثر في شهر رمضان، وكل عمل تربطه علاقة ما بفضاء الحانة، وعالم “المشروبات الكحولية”، يختفي خلال هذا الشهر. بل إن الذين اعتادوا ارتياد الحانات والملاهي الليلية، يهجرونها ويمتنعون عن احتساء الخمر، ومنهم من يفعل ذلك قبل أربعين يوما من حلول شهر رمضان -انصياعا لعادة “الربعين”- حيث إن تقديس شهر الصيام وما يصاحبه من شعائر وطقوس دينية، و تمثلات اجتماعية، يتعدى فئة المتدينين، ليبسط قدسيته على مدمني المشروبات الكحولية، ملزما إياهم (المجتمع) باحترام هذا الشهر والخضوع للمعايير الاجتماعية المرتبطة به.

في حديثه لجريدة “آشكاين”، يقول الجيلالي (اسم مستعار)، وهو الذي قضى أزيد من 20 سنة، يعمل كنادل في حانة شعبية، يقصدها جميع الأصناف، يحكي أنهم يُعانون نفسيا من العطالة خلال شهر رمضان، متسائلا: “كيف تريد أن يكون شخص عاطل عن العمل؟ كيف تتخيل حال رجل ليس معه ما يدخله لأبنائه عند موت النهار؟”، يضيف “لا يمكن إلا أن تكون ساخطا على الأوضاع، تفكر ليل نهار كيف تحفظ ماء وجهك أمام زوجتك وأبنائك، وكيف توفر لهم ما تيسر من الطعام، هذا دون أن نتحدث عن تلك المصائب التي تحل عليك دون استئذان، فهذا يريد حذاء رياضيا وهذه ترغب في قدر من المال لشراء دواء معين، وأخرى تقصدك لقضاء حاجة، وليس لك الحق أن تقول لا… إن الشهر الذي لا تكسب فيه رزقا لا يعول عليه، ولا أقصد هنا شهر رمضان لكن أي شهر، وأي يوم، وأي ساعة تقضيها دون عمل ودون أن تكسب منها درهما واحدا فلا خير فيها”.

يضيف الجيلالي حديثه قائلا: “نحن نحمد الله على كل حال، لكن ما يحز في قلوبنا هو أننا نُرفض من طرف الجميع، أنا مثلا لم أدرس رجل أمي، كل ما أعرفه هو استقبال “السكارى” وتحضير الكراسي والطاولات، وتقديم قنينات الخمر، وإفراغ الموائد المملوءة عن آخرها بمخلفات الزبائن، في آخر النهار، زائد أني رجل تقدم بي العمر، من سيُشغلني عنده، حتى صاحب هذه الحانة لا يحتفظ بي إلا رحمة منه وشفقة”.

أما رشيد، زميله في العمل، شاب في مقتبل العمر، لا يملك هو الآخر إلا جسده الضخم، ونبرة صوته الخشنة، ونظراته الجافة القوية، وهذا كل ما يحتاجه ليكون حارسا مثاليا لـ”الخمارة”، يقول أنه يتحول في شهر رمضان من “حارس حانة” إلى “أي شيء”، قد يصير حارسا ليليا أو حارس سيارات أو حتى عاملا مياوما، لا تهمه طبيعة العمل بقدر ما يهمه كسب المال، المال فوق كل شيء وفوق كل اعتبار، وقد تضطر أن تدوس على كرامتك في كثير من الأحيان من أجل كسب قوت يومك، وهذا أمر نشاهده بشكل يومي ههنا في “البار” هكذا يقول، ويضيف “أنا أعمل بمنطق “البريكولاج”، ينطبق علي المثل الشعبي القائل “الراجل بحال الفاس فين ما مشا يحفر..أما أن أبقى بلا عمل فهذا أمر لا أفكر فيه البتة، لكن هذا لا يعني أن بيننا كثيرون يظلون بلا عمل، أنا مثلا أتيحت لي فرصة تعلم مجموعة من الأعمال بحكم تجربتي في الحياة، لكن لدي زملاء لا يتقنون شيئا في الحياة، سوى حراسة الحانة من المتطفلين والمشردين، ولوي أيادي بعض السكارى ممن يحدثون شغبا -بعد أن يكون تأثير النبيذ قد بلغ مبلغه- والحرس على راحة الزبناء، أما دون هذه الأشياء فلا يعرفون شيئا لا “حرفة” لديهم ولا “حنين لا رحيم”.
يتبع…

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

2 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
السمفوني 1
المعلق(ة)
27 مارس 2023 23:45

{ لعن الله شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة اليه} حديث شريف

Moh
المعلق(ة)
27 مارس 2023 21:37

ليس المجتمع وحده من يفرض على المنتسبين لمهن مرتبطة بتجارة الخمور الالتزام بقدسية الشهر ..لا لا .بل اادولة نفسها هي التي شرعت قوانين تضفي هالة وهيبةوقدسية لكل ما هو مرتبط بالدين. على اعتبار ان نظام الحكم يؤسس شرعيته على المقدس وهو حريص على ان يجعل من المجتمع نفسه حارسا لهذا المقدس .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x