هي قضايا ظلت ملفاتها رهينة الرفوف لسنوات عديدة، حتى صارت من ”المنسيات”.
بعضها فتح فيها تحقيق ولم يخلص إلى النهاية رغم طول السنين، وأخرى تعالت أصوات مٌطالبة بفتح تحقيق بشأنها، إلا أن ذلك لم يتم إلى أن طالها النسيان ولم يعد أحد يذكرها أو يتذكرها.
”قضايا منسية”، سلسلة تنشر على شكل حلقات طيلة شهر رمضان، تنفث الغبار عن ملفات ثقيلة، سياسية، اجتماعية، حوادث خلفت ضحايا بالجملة، وقف أمرها عند بعضها حد ”فُتح فيها تحقيق”.
الحلقة السابعة.. حين تورط مدير أكبر مؤسسة مالية بالمغرب في فضيحة عقارية
تفجرت الفضيحة سنة 2014، حين قدم مغاربة تظلما إلى الملك محمد السادس، يشتكون من مخالفات بالجملة بشقق وفيلات اقتنوها من شركة تابعة لصندوق الإيداع والتدبير، وهي أكبر مؤسسة تابعة للدولة وذراعها المالي المساهم في إنجاز العديد من المشاريع الاستراتيجية.
أمر الملك محمد السادس وقتها، بفتح تحقيق في الشكاوي المقدمة، والتي تفيد تعرض المستفيدين للغش والتدليس من قبل الشركة العقارية العامة، في قرابة 200 مسكنا اقتنوها بمشروع ”باديس” العقاري بضواحي الحسيمة.
التحقيق الواسع الذي أشرف عليه مكتب الجرائم المالية والاقتصادية بالشرطة القضاِئية، شمل مشاريع أخرى تم إنجازها بكل من الحسيمة والناظور، وأفضى إلى الوقوف على اختلالات بالجملة، قادت إلى متابعة المدير السابق لصندوق الإيداع والتدبير (سي دي جي)، أنس لهوير العلمي، ومدير الشركة التابعة له (الشركة العقارية العامة)، محمد علي غنام، حيث أصدرت محكمة جرائم الأموال بفاس سنة 2020، حكما بالسجن سنة نافذة وغرامات مالية.
وتوبع إلى جانب المسؤولين البارزين، 25 متهما آخر، من بينهم ثلاثة مسؤولين بالشركة العقارية العامة، ومهندسون وتقنيون ومدراء ومسيري شركات ومقاولات ومقاولون، بجناية “اختلاس أموال عامة والمشاركة في تزوير محررات رسمية واستعمالها”، وجنحة “التصرف في أموال غير قابلة للتفويت”.
وتم تحريك المتابعة في حق المتهمين بتعليمات من الوكيل العام للملك المكلف بجرائم الأموال، بعد التحقيقات التي قامت بها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي رصدت خروقات واختلالات مالية في المشروع السياحي الذي أقيم على مساحة تناهز 7.2 هكتارات. و يضم المشروع إنجاز مركب سياحي يتكون من 45 فيلا، و66 شقة، وكان مقررا الانتهاء من الأشغال في أواسط سنة 2012، حسب الآجال المحددة في دفتر تحملات المشروع، وتم تمديدها إلى غاية سنة 2017، لكن المشروع توقف بشكل نهائي، ولم تنجز منه سوى خمسة في المائة من الأشغال، و ذلك بسبب خروقات شابت مسطرة تدبير وتصفية العقار، وتأخر إنجاز الدراسات وصعوبات التمويل.
كما تم تسجيل خروقات تقنية، من بينها العقود المبرمة مع مختبر المراقبة ومكاتب الدراسات، حيث تبين أن العقد المبرم مع المختبر الوطني للدراسات، أنه لا يحمل أي تاريخ، وتم الإدلاء بوثائق تثبت تعاقدا معه في 29 أبريل 2011، بينما الدراسات الخاصة بالمشروع انطلقت في سنة 2010، وخلصت التحقيقات إلى أن العقد يتعلق بتسوية خدمات منجزة سابقا، وتمت تسويتها بموجب هذا العقد، شأنه في ذلك شأن العقد المبرم مع مكتب للدراسات التقنية، الذي تم إبرامه بتاريخ 4 نونبر 2010، وذلك بعد إعداد دفاتر التحملات لصفقات تهيئة القطعة الأرضية التي أقيم فوقها المشروع، وصفقة الهندسة المدنية وصفقة الإنارة والتطهير، كما تم تسجيل خروقات شابت صفقات تهيئة الطرق المؤدية إلى المشروع، فضلا عن غياب الوثائق المالية والتقنية الخاصة بالصفقات.
وكشفت التحقيقات كذلك وجود خروقات شابت صفقة التطهير، حيث تم اللجوء إلى الصفقات التفاوضية المباشرة دون اتباع مسطرة طلب العروض، بالإضافة إلى اختلالات في صفقة الأشغال الكبرى، حيث تم الإعلان عن طلب عروض محدود لتفويت هذه الصفقة، وتم إلغاء طلب العروض بدون تقديم أي مبرر، ليتم بعد ذلك تفويت الصفقة إلى شركة كبرى معروفة متخصصة في الأشغال العمومية، تستحوذ على جل صفقات الطرق والأشغال الكبرى، يتابع مديرها إلى جانب المتهمين، كما رصدت التحقيقات وجود تلاعبات في إصدار أوامر الخدمة المتعلقة بإنجاز الأشغال.
خلال شهر مارس من السنة الماضية، خففت المحكمة الحكم الابتدائي الصادر في حق المدير العام السابق لـ ”سي دي جي”، العلمي، وأيضا المدير العام السابق للشركة العامة العقارية (CGI)، غنام، من سنة حبسا نافذا إلى ستة أشهر نافذة لكل واحد منهما.
هذه هي الملفات التي تنور المواطن وتجعله ان لم يكن في قلب الحدث، يكون في محيطه على الاقل، وقادر على فهم المستقبل، وتكون توقعاته سليمة ولا تتأتر بالتدليس.