لماذا وإلى أين ؟

علم لا ينفع

محمد كرم

هل تعلم، عزيزي القارئ، أن النائب الثاني لرئيس الاتحاد الكازاخستاني لكرة القدم كان أول من تنبأ بفوز فرنسا بالمونديال الذي أقيم على أرضها في صيف 1998 ؟

و هل تعلم أن عميد أجاكس باماكو المعتزل قبل سنتين هو أول لاعب مالي يتمكن من تحقيق 66 تمريرة حاسمة و 71 تمريرة شبه حاسمة في موسم واحد ؟

و هل تعلم أن رأس الحربة في هجوم فريق أولمبيك مازيمبي ، و الذي تم تعويضه في الأنفاس الأخيرة من الشوط الثاني، قد قطع خلال مباراة ليلة أمس ما مجموعه 42 كلم بسرعة قاربت 31 كلم في الساعة ؟

و هل تعلم أن فريق مولودية واغادوغو تمكن من تسجيل 323 هدفا في تاريخ مشاركاته في مباريات عصبة الأبطال الإفريقية  ؟ الهدف الأول حمل توقيع اللاعب مامادو، و الهدف رقم 100 كان من تسجيل اللاعب طوماس، و الهدف رقم 200 كان وراءه اللاعب دياوارا، و الهدف رقم 300 سجل بنيران صديقة عندما نزل الفريق البوركيني ضيفا على فريق النهضة الفجرية الأوغندي. أما آخر الأهداف فيحمل بصمة اللاعب المعار باباكار الذي انسل من الجهة اليمنى و قذف كرته من زاوية ضيقة في اتجاه مرمى وداد كينشاسا بعد ثلاث دقائق فقط من انطلاق المباراة، و كان ذلك يوم 12 فبراير الماضي بحضور رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم الأسبق عيسى حياتو الذي لم يصافح أحدا بالملعب بسبب إصابته بما تبقى من فيروس كورونا.

و هل تعلم أن المنتخب الليبي حصل طوال تاريخه الرياضي على 917 ضربة جزاء، نجح في تحويل 655 منها إلى أهداف، في حين ارتطمت الكرة بالقائم الأيمن عند تسديد 26 ركلة و بالقائم الأيسر عند تسديد 59 ركلة و بالعارضة الأفقية عند تسديد 47 ركلة. و قد تمكن حراس الخصوم من صد 74 ركلة بينما سددت باقي الركلات في اتجاه الغلاف الجوي مباشرة.

و هل تعلم أن المباراة الوحيدة التي جمعت بين فريقي دينامو سيدي بنور و أتلتيكو سيدي علال البحراوي ـ و كان ذلك في ربيع  1971 في إطار إقصائيات كأس العرش ـ  قد عرفت توزيع ثلاث بطاقات حمراء في الدقيقة 11 و الدقيقة 27 و الدقيقة 73 و ست بطاقات صفراء في الدقيقة 14 و الدقيقة 17 و الدقيقة 31 و الدقيقة 47 من الوقت الأصلي و الدقيقة 13 من الشوط الإضـافي الأول و الدقيقة الثانية من الوقت بدل الضائع  من الشوط الإضافي الثاني ؟

طبعا، كل المعلومات و الأسماء و الإحصاءات الواردة أعلاه هي من نسج خيالي و لكن الأخبار التي تشكل سياقها ـ و التي أعترف بأنها تنطوي على قدر يسير من المبالغة ـ أضحت هي النموذج المعتمد و الذي يرد إلى مسامعنا كلما خصصنا وقتا لمتابعة أطوار مباراة في كرة القدم عبر شاشة التلفزيون المغربي. لقد وجد معلقونا الرياضيون ضالتهم على ما يبدو في ينبوع معرفي لا يجف و لن يجف أبدا إسمه الإنترنت فراحوا ينهلون منه كل شيء و أي شيء و هم مقتنعون بأنهم ينشرون المعرفة و ينيرون العقول و يرشدون الجاهلين و يهدون الضالين. و في أحيان كثيرة، الجزء الأكبر من وقت المباراة المشمولة بالتغطية يخصص لسرد هذا الصنف من الدرر المعرفية.

محمد كرم

شيء جميل أن يساير المعلق الرياضي عصره و يأخذ بالأسباب الكفيلة بتحسين أدائه و تطوير أسلوبه، و الشيء الأجمل أن يتحول من معلق تقليدي إلى معلق باحث يتقاسم مع المشاهدين زبدة بحثه و اجتهاده، و هذا ما لاحظناه مع الجيل الجديد من المعلقين المغاربة. للأسف، المجهودات المبذولة في مجال البحث لا تسلك الطريق الصحيح دائما حيث لاحظنا مرات و مرات ميل المعلقين إلى   التزود بكل ما يرتبط بموضوع كرة القدم و بالفريقين المتباريين دون أي تمييز بين ما هو صالح للاستغلال و ما هو ليس كذلك. غربلة المعلومات  مرحلة أساسية في عمل الباحث الرياضي، و بالتالي وجب التأكد من صلاحية المعلومات لسياق المباراة المعنية بالتعليق و من استجابتها للحاجيات الآنية بالدرجة الأولى. أما حشو دماغ المشاهد بمعلومات تافهة مستمدة من أرشيف ميت و محنط و لا تخدم الثقافة الرياضية العامة و لا تأثير لها لا على المباراة و لا على المسابقة ككل فهذا مضيعة حقيقية للوقت و الجهد.

لا أعتقد بأني أجانب الصواب عندما أقارن مباراة في كرة القدم ـ أو أي رياضة جماعية أخرى ـ برواية بوليسية. فكلاهما يشدان الانتباه مادام التشويق متواصلا، و بمجرد انتهاء هذا التشويق تنتهي الحكاية و تصبح العودة إلى التفاصيل ضربا من ضروب العبث. و عليه، فكما أنه ليس من الضروري إعادة قراءة نفس الرواية البوليسية للوصول إلى نفس القاتل فإن استحضار جزئيات مباراة بدأت و انتهت أمر لن يقدم و لن يؤخر مادام أن مبررات هذا الاستحضار واهية و غاياته مجردة من أية أهمية و لا سيما عندما يعود تاريخ المباراة المعنية إلى حقبة طارق بن زياد أو إلى زمن المغول !!

حبذا إذن لو تم التركيز أكثر في كل مرة على مجريـــات المباريات المنقولة و ظروفها العامة من طقس و لوجيستيك و إقبال جمـــاهيري و تأطير أمني و تغطية إعلامية مع تزويد المشاهدين من وقت لآخر و بشكل مقتضب (حتى لا يتحول التعليق إلى ما يشبه الشريط الوثائقي) بفكرة عن مواصفات الملاعب المحتضنة للمقابلات و خصوصيات المدن المستقبلة و مؤهلاتها إضافة إلى كل ما من شأنه أن يساعد على فهم أفضل و استمتاع أكبر بالمباراة الدائرة. و لا بأس طبعا من الاستعانة بأحد اللاعبين أو المدربين من الممارسين حاليا أو القدامى  للاستئناس بملاحظاته و تحليلاته …  شريطة أن يسمح له مستواه الدراسي بذلك.

و لا تتوقف الرداءة عند الاستعمال العشوائي للمعلومات بل تتعداه في أحيان كثيرة إلى اللجوء إلى التكرار الممل و تبني اجتهـــادات و تعابير و مفاهيم لا عهد لي و لأفراد جيلي بها.

فعلى سبيل المثال، لماذا التذكير في كل مناسبة ـ أقول في كل مناسبة ـ  باللاعبين القدامى الأحياء منهم و الأموات حتى أضحت أسماؤهم أقرب إلينا من أسماء الله الحسنى من فرط فرضها على آذاننا ؟ هل هذا شرط أساسي من شروط التعليق الناجح ؟

و لماذا التذكير دائما ـ أقول دائما ـ بألقاب كل فريق و أمجاده و فتوحاته ؟ فحتى فتوحات و إنجازات الملوك و الأباطرة العظام لم تدرس لنا إلا في مستوى دراسي واحد.

و ما الغاية من إقامة ما يشبه المائدة المستديرة لتحليل مباراة لم تنطلق بعد ؟ أي علم هذا الذي يسمح بهكذا تحليل ؟

و أية فائدة ترجى من دعوة فريق من “المحللين” للخوض في النتائج المحتملة لقرعة لم يحن موعدها بعد ؟

و ماذا يقصد المعلق  عندما يقول : هذه المباراة هي الأكثر بحثا من بين كل مباريات اليوم  ؟

و لماذا يمتنع عن التوسع في الحديث عندما يقول : مباراة اليوم ستلعب على جزئيات صغيرة ؟ (اشرح من فضلك !!)

و ماذا يعني يا ترى عندما يذكرنا مع اقتراب نهاية الجولة الأولى بأن الشوط الثاني سيكون حتما شوط المدربين ؟  هل نفهم من هذا أن الشوط الأول هو شوط حامل الأمتعة ؟

و بأي منطق يجب أن نؤمن بأن من يضيع الفرص يستقبل الأهداف ؟

و ما هي المصادر التي تؤكد بأن من يستغل أنصاف الفرص يفوز ؟

و من العالم الذي استنتج ذات يوم بأن المباريات لا تحسم إلا مع صافرة النهاية ؟

 

فرجاء، ارفعوا أيها المعلقون المغاربة من قيمة أدائكم المهني و اجعلوا مستوى التعليق الرياضي في نفس مستوى الصحوة التي تعرفها كرتنا الوطنية حتى لا نضطر إلى إشهار البطاقة الحمراء في وجوهكم بالضغط على Mute . و إذا لم تفلحوا في التوصل إلى طرق مبتكرة لمخاطبتنا نريدكم على الأقل أن تقتربوا من مستوى قيدومي التعليق الرياضي المغاربة  و أن تميزوا جيدا بين ما هو مفيد و ما هو زائد عن الحاجة  … و كونوا على يقين بأننا لن نذهب أبدا إلى حد مطالبتكم بما تفتقرون إليه. لن نطلب منكم  مثلا الذهاب إلى السوق لاقتناء موهبة كموهبة عصام الشوالي أو لاستئجار صوت من قيمة صوت حفيظ الدراجي أو لانتقاء روح مرحة كروح ذلك المعلق الرياضي الخليجي الذي قارن مناورات ميسي و مراوغاته في  مونديال قطر بتقاسيم فريد الأطرش على العود !!!! فكلنا نعلم جيدا أن فاقد الشيء لا يعطيه.

إضافة لها علاقة بما سبق : غداة ودية المغرب و البيرو الأخيرة نوه أحد المحللين المشرقيين بواسطة تطبيق معروف بمستوى المباراة لكنه اعتبر التعليق المغربي المرافق لها أشبه بحديث تلفوني بطيء و هادئ و فاتر و عشوائي و خال من أي طعم.

من غير المستبعد إطلاقا أن تظل ملاحظاتي مجرد صيحة في واد أو نفخة في رماد، لكن عندما تأتي الانتقادات حتى من الخارج فمن المفروض أن “تجمعوا رؤوسكم” أيها المعلقون !!

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

2 3 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
10 أبريل 2023 16:02

حقيقية ان المعلقين في القنوات الرياضية العالمية متميزون ويشدونك الى تعلقاتهم بنفس المستوى الذي تشدك الصورة واداء اللاعبين وأحيانا يتفوقون على المشهد يتعليقاتهم الجميلة والحماسية، إلا معلقو المغرب فإن أكترهم يتكلم بنبرة روتينية جافة وليست فيها حياة، حتى خلت أن تعليقاتهم تحاكي نقيق الضفاضع.

Karim
المعلق(ة)
12 أغسطس 2023 22:14

احسنت ،مقال رائع

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x