لماذا وإلى أين ؟

الرمزية الأمازيغية .. بين الأثر والتأويل والتشكيل

 رشيد الحاحي
هذا مقتطف من إحدى الدراسات التحليلية والتأويلية التي تضمنها كتابنا : النار والأثر، الرمزي والمتخيل في الثقافة الأمازيغية الصادر سنة 2006 عن منشورات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والمناسبة العودة إلى عوالم الرمزي في الثقافات الإنسانية في تجربة تجمع بين الدراسة الفكرية والاشتغال التشكيلي. الأعمال الصباغية المرفقة من بين إبداعات هذه التجربة في الجانب المرتبط بالثقافة الأمازيغية.
فقد أثار انتباهي العمل الأركيو- لساني الهام الذي يقوم به مؤخرا الصديق الأستاذ عبد الله الحلوي من خلال فك شفرات العبارات التي تتضمنها بعض النقوش الصخرية والصبغية والأثار الأمازيغية العريقة، ومنها التي اشتغلت عليها تشكيليا في هذه الأعمال الإبداعية، والتي تناولت مقوماتها الرمزية والإنسية باعتماد منهج أنثربولوجيا المتخيل في كتاب النار والأثر، مما يدفعنا إلى التأكيد على أهمية وممكنات وأفق تأويلية إنسية للأثر والرمز تستحضر الدلالات اللسنية وتنتقل إلى المستويات اللغوية بمفهومها السيميولوجي والأنثربولوجي الرمزي الشامل، مما يسمح بتفكيك واستجلاء قوة وعمق هذه الأثار والفعل والوجود الثقافي الذي ولدها ووقعها.
مقتطف من النار والأثر، ص.53/55
يحيل التفكير في بداية الأثر وتوقيع الرمز على مادة معينة، على تلك التوضيحات التي قدمها غاستون بشلار في كتابه الموسوم بالتحليل النفسي للنار. فاكتشاف النار، وفي حالتنا هذه انتباه الإنسان أو إقدامه لأول مرة على تشكيل أو إحداث الأثر، يقوم على أسبقية الشرط الإنساني على الظاهرة والفعل المحدث، حيث أنه قبل أن يكون الأثر أو احتكاك قطعتي خشب وليد المادة، فهو ابن الإنسان(1).
ليست التخطيطات والكتابات والتصاوير التي تشكل الآثار مجرد نتيج تقني جاف أو طارئ مادي بسيط،، بقدر ما أنها تتصل بالشرط الإنساني في بعديه الثقافي والتاريخي، والحاجة والرغبة التي توجد أو تولد الفعل لتحدث الأثر باعتباره استجابة نفسية واجتماعية، وانتشارا لها. ولهذا يصير من المهم تتبع مستويات الامتداد الجسدي اللغوي والاستعاري في ارتباطه بتحولات المعنى وحوامله التاريخية، وبدلائلية الرمز والكتابة الهامشية، وبلاغة الرغبة والذات الإنسانية التي تخترقها.
وإذ أنه من المهم البحث في بلاغة الأثر ورمزيته العامة، كما يجب العمل على تفجير مفارقة انزلاقها وتفكيكها، حسب عبد الكبير الخطيبي، فإن القراءة المتعددة، المرتبطة ضرورة باللغة، هي قراءة منحنية من غير توقفـ طافية ومجنونة بالرغبة، تعطي للأنظمة الدلائلية الهامشية دلالتها(2).
تحمل الاسناد الأثرية رموزا تخترق مجال الدلائلية من جهة، و الشرط التاريخي والاجتماعي، من جهة موازية، وذلك بشكل تؤرخ به المادة والأرض للوجود الثقافي . فالإنسان ألف حكايته، وصرف متخيله ورمزيته، فوق الأرض والنصب والبساط واللوح والحجر، كدليل عبوره ورغبته الأولى في مقاومة الضياع والاحتفاء بالحياة واللحظة المنفلتة.
يجب حقا أن نمتن للرمز والمادة، لأنهما حفظا ثقافة الانسان من التلافي، كما صانا رغبته وحلمه من الضياع.
بمعاينة الحجر الموقع بحفر عضوي بارز في الوثيقة رفقته، نرى كيف أن الرموز وحروف تيفيناغ وقد اختلفت عن التخطيطات التمثيلية والمغلقة، استحالت إلى رموز منتشرة في بساطة اختزالية وهندسية صريحة، وذات بناء جسدي في ايحاءها الشكلي والدلالي.
إن بنية الحرف والأثر، من حيث كونه رمز حفري ودليل ثقافي، واشتغاله داخل نظام الكتابة التي تشهد عليها هذه الأنصاب والقطع الأثرية الجنائزية والنقوش الصخرية، تضع الوعي البصري على محك أركيولوجي، يصل الرمز بفضاء المتخيل والرغبة والاستجابة النفسية؛ وذلك عبر مسار التبادل والدلائلية وتحولاتها التي يحيل خلالها الحاضر على الغائب، والبسيط على المتعدد، والدليل على الاختلافات والآثار، والمادة على الفعل والوجود الإنساني.
الكتابة والصيغ الرمزية والحروفية، وقبل أن تقعد وتحدد داخل علاقة لغوية ونحوية ثابتة، هي اشتقاق رمزي دينامي، ومفتوح الإيحاء والدلالة، حيث أن الرمز بنية وإيقاع ورغبة، وتوقيع نابض بحيوية المتخيل والفعل الإنساني على مادة الطبيعة وأسناد الثقافة البشرية. ينضاف إلى ذلك أن تشكيل الأثر وحفر الحرف والشكل، يبدأ من صعيد امتلاك الإنسان للمادة ومعالجتها بعنف المواجهة وقوة الطبيعة، لينتج إيقاعه العضوي المفعم بدينامية الجسد والرغبة، وتوقيع الوجود والعبور المسجل.
للإشارة، الطبعة الأولى للكتاب نفدت مند الشهور الأولى لصدوره، والعديد من الباحثين والطلبة والقراء يطلبون النسخ، وبالتالي الحاجة إلى طبعة جديدة للكتاب.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Ali
المعلق(ة)
18 أبريل 2023 01:37

رمزية وتأويل وتشكيل ؟ البحث في مظاهر التخلف انجداب لعلف الهراء الانشائي الفارغ

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x