لماذا وإلى أين ؟

بورتـري.. عبـد المجيد شبعة مَسْرحيٌّ طبَــع تاريـخ طنـجة الفنّــي و اختفى بين سطـوره (بورتريه)

“بورتري”،..  سلسلة تطل عليكم من نافذتها صحيفة “آشكاين” كل أسبوع، و تشارككم “بروفايلات” شخصيات طبعت تاريخ المملكة بإنجازاتها وإرثها الثقافي والاجتماعي كل من مجالها، تأخذكم السلسلة في جولة عبر تاريخ المغرب لنتعرف و إياكم على الشخصيات البارزة التي ساهمت في صناعة التاريخ الوطني وساهمت في تطوير إرث المجتمع المغربي.

من خلال “بروفايل” اليوم، نعرفكم على فنان مسرحي، طُبع اسمه في الإرث المسرحي للمغرب انطلاقا من خشبات مسارح مدينة طنجة، خلال ستينيات القرن الماضي، وساهم في إثراء تاريخ طنجة الفني، ليختفي بعدها بين سطوره.

قبل أن يدخل الراديو جميع المنازل بالمغرب، وقبل أن يصبح التلفاز رائجا و قبل أن تُلَـــوَّن صورُه، كان المسرح أحد أكثر القبلات للترويح عن النفس، وكانت المسارح تمتلئ عن آخرها، كما كانت المسارح رائجة قبل أن تُهجر كراسيها، وتُقفَــل أبوابُها. مسرح “سيرفانتيس” بمدينة طنجة، هو أحد تلك المزارات التي كانت قبلة للفن منذ فترة طنجة الدولية، وبعد الاستقلال أيضا، ومن بين الأسماء التي ترافق اسم المسرح المذكور على ألسن المثقفين الذين واكبوا تلك الحقبة في مقاهي طنجة الثقافية، يبرز اسم “عبد المجيد شبعة” الذي صعد على خشبة سيرفانتيس ووضع بصمته في مجال المسرح بمدينة طنجة.

يقول يوسف شبعة، نجل عبد المجيد الذي اقتفى خطواته لكن في مجال الرواية، أن والده “كان محبا للناس ويرى في المسرح نافذة لرسم البسمة على وجوههم، كما يرى فيه باباً إلى قلوبهم، فكما هو يحب الناس أرادهم أن يبادلوه ذلك الحب”.

  • من مؤسسي أولى الفرق المسرحية بطنجة

يظهر اسم عبد المجيد شبعة في وثيقة نادرة كانت ضمن أرشيف الفنان والرسام إدريس المرابط، تضم لائحة أعضاء جمعية دعاة الفن الشهيرة يومها بطنجة والتي تأسست سنة 1959 وكان مقرها بمكتب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسوق الداخل؛ ومن بين المؤسسين نجد أيضا المخرج مومن سميحي، والفنان محمد المير البرنوصي، والأستاذ عبد الغني العوامي وغيرهم”.

عبد المجيد لم يكن فقط ممثلا مسرحيا، بل كان كاتبا مسرحيا أيضا، فمن خلال الوثيقة المذكورة، نجد أن الفرقة المسرحية التي ساهم في تأسيسها، كان من إنجازاتها نصٌّ مسرحي بعنوان “العجوزة”، من كتابة عبد المجيد شبعة، وإخراج عبد الغني العوامي.

الصحفي عزيز الكنوني والمسرحي عبد المجيد شبعة والأستاذ ادريس المرابط وغيرهم بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بسوق الداخل بمدينة طنجة في الستينات
  • عروض مسرحية ناجحة

عبد المجيد شبعة، الذي رأى النور سنة 1947 بالقصبة بالمدينة العتيقة لطنجة، ووري الثرى سنة 1991 بذات المدينة، كان بين الفنانين القلائل الذين مروا على مسرح “سيرفانتيس” بطنجة، ووثق مرورهم في صورة نادرة، حيث أن صور المسرح قديما قليلة جدا حتى عند مؤرخي تلك الحقبة من الزمن بعاصمة البوغاز.

يحكي ابنه يوسف، أنه :”في عام 1964، شارك عبد الحميد شبعة في بطولة مسرحية وطنية بعنوان ‘لست خائنة’، عرضت على خشبة هذا المسرح. قدّم والدي في هذه المسرحية دور قائد عسكري وفيّ لوطنه، وذلك مع فرقة ‘دعاة الفن’ التي تأسست على يد محمد المير البرنوصي. المسرحية لاقت نجاحاً كبيراً وتركت بصمة في تاريخ الفن المسرحي”.

ويقول يوسف :”أدّى والدي دوره بإخلاص ولم يخُن ثقة المخرج به، حيث قاد جيشًا وسط معركة فارقة وهو يذكّر جنوده ببطولات الملك الراحل محمد الخامس. كان أداؤه رائعًا وأثار انبهار الحاضرين، وكان من بينهم العلامة الراحل عبد الله كنون و والي طنجة في تلك الفترة الجميلة، عبد اللطيف بنجلون. ونجح والدي في تثبيت جنوده ووعدهم بالنصر”.

  • نافس عبد الرؤوف

ومع أن اسمه ضاع بين سطور التاريخ و ثناياه، إلا أن عبد المجيد شبعة كان فناناً له جمهور واسع آنذاك، خاصة في مدينة طنجة حيث كان من المدافعين عن المسرح والفنّ وهوية عاصمة البوغاز الثقافية بعد استقلالها وعودتها إلى السيادة المغربية.

ويحكي ابنه يوسف، أن “مرة تصادف عرض للفنان الكوميدي عبد الرحيم التونسي الشهير بعبد الرؤوف الذي جاء ليقيم حفلا بطنجة، نفس العرض تزامن يومها مع عرض لفرقة الوالد. فطلب عبد الرؤوف منهم أن يغيروا توقيت العرض لأن لا أحد سيحضر له، نظرا لشعبيتهم في طنجة، وهو الطلب الذي لم يتوان عبد المجيد وفرقته في تلبيته”.

  • لا شيء تغير

بعد سنوات من العمل المسرحي، غادر عبد المجيد المسرح و تفرغ للعمل في الإرشاد السياحي تارة، وفي بازار العائلة تارة أخرى، إذ يبدو أن الشأن الثقافي لم يكن يختلف آنذاك كثيرا عن زمننا الآن، وأن امتهان المسرح لم يكن ممكنا، خاصة إن كنت رب أسرة ولك مسؤوليات.

فيحكي يوسف شبعة، أن أحد معارف والده الذي عاشره لوقت طويل، قصّ له عن والده يوما سأله لماذا ابتعد عن المسرح، ليجيب بعفوية اعتادوها منه :”إذا بقيت فوق خشبة المسرح غانبقى بالجوع”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x