لماذا وإلى أين ؟

“المُــــنقذ من الضـــــلال”

كيف تطورت الأمور بهذا الشكل داخل المجتمعات البشرية في عالمنا المعاصر، و كيف تصاعدت الانفعالات الغاضبة بصورة مُرعبة لِتَعُمَّ أجْزاءَ كثيرة من مختلف قارات العالم العجوز؟ و هل يتعلق الأمر بإعلان “مشروعٍ مُعين” يهدف أساسا لقلب أوضاع العالم و الانتصار لإقامة مشاريع، تهم مناحي الحياة لدى البشر، مؤسسة على تفسير ما لدين من الأديان؟ أم أن الموضوع برمته لا يعدو كونه مجرد كلام فارغ وانفعالات لا سُلطانَ للعقل عليها؟

للإجابة عن هذه التساؤلات البريئة، لا بد من إعادة قراءة التاريخ الإسلامي قراءة نقدية و موضوعية، حتى يتبين الغث من السمين للجمهور و العامة، إذ لاشك أن الإسلام، بخلاف معتنقي الديانات الأخرى، السمائية أو الأرضية، يحمل، بحسب ادعاء كثير من “المسلمين”، “خصوصيات” تميزه عن غيره من الأديان.

الخصوصية المزعومة من هؤلاء جرت صياغتها من خلال معطيين اثنين : أولهما أن الإسلام آخر دين ينزل على البشرية و أن الرسول الذي جاء به من عند الله هو خاتم النبيئين، و ثانيهما أن الإسلام ليس مجرد دين بل هو أيضا دولة، و الدولة، في فكر هؤلاء، لا يجوز أن تقوم إلا على دين واحد هو الإسلام.

و بالطبع، فإن هذا الفهم، رغم كونه محلا لآراء مناقضة أو على الأقل لاجتهادات مخالفة، لم يأت من فراغ، بل بُنِيَ على أساس من الأسانيد التي يعتبرها أصحابها شرعية، بل هي من قبيل “المعلوم من الدين بالضرورة”. و لعل المتأمل في نص الآية التاسعة عشرة من سورة آل عمران ” إِنَّ الدِّين عند اللَّه الْإِسْلامُ،وَمَا اخْتلفَ الذينَ أُوتُوا الْكتابَ إِلَّا من بَعدِ ما جاءَهُم الْعِلمُ بَغْيًا بيْنَهُمۗ، وَمَن يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سريعُ الْحِسابِ” يستنتج ثلاث دعامات مركزيات: أولها أن “الدين عند الله” هو ” الإسلام”، و معنى ذلك أن لا دين بإمكانه أن يحُلَّ مَحلَّه، باعتباره دينا منسوبا لله، و ثانيها فكرة أن “الذين أوتوا الكتاب”، أي النصارى و اليهود، قد انحرفوا عن الدين الحق بعدما “جاءهم العلم بغياً بينهم”، أما ثالث الدعامات فهو الحكم العام الذي تقرره الآية و يقضي بأن “من يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب”.

الحقيقة أن النصوص الدينية الاسلامية، قرآنا و سنة، أو على الأقل التفاسير المعتمدة في الفقه الإسلامي، لا تعتبر الإسلام مجرد شعائر تربط العابد بمعبوده، بل تعتبره نظاما أساسيا للدولة لا غنى عنه، وهذا ما كرس الانطباع لدى المسلمين بأن دينهم هو الدين الحق و أن غيره من الأديان ليس سوى مجرد أباطيل.

من هذا المنطلقابتدع الفقه الإسلامي ما يمكن وصفه بــــ “نظرية جهاد الدفع “، أي أن “المسلم” عليه الذود عن دينه حال شعوره بخطر يُحدق بالإسلام، و ذلك قبل الانتقال إلى “نظرية جهاد الفتح”، أي غزو بلاد الكفار و تخييرهم بين “اعتناق الإسلام” و العدول عن الكفر ،أو الامتثال لــقانون”دفع الجزية و هم صاغرون”.

لابد من التذكير، في هذا السياق أن مخرجاتنظرية الجهاد هذه، القائمة على تكفير المُخالف دينيا، لم تنحصر في مواجهة حاملي الديانات الأخرى، بل تعدتها لمن هم مسلمون أيضا، ففي هذا الباب وردت في التاريخ الإسلامي روايات تفيد أن “تهمة التكفير” لم تُسْتَثْنَ منها قيادات كبرى في تاريخ الخلافة الإسلامية، كعمر بن الخطاب و عثمان بن عفان.بل إن عصر خلافة بني أمية عرف “تنظيما محكما” للإساءة إلى الخليفة علي بن أبي طالب، و هو واحد من آل بيت الرسول، كما إن روايات متواترة أكدت أن “معاوية وعياله يدعون لعثمان في الخطبة يوم الجمعة ويسبون عليا”

إن التناقض الحاصل فعلا بين “الثقافة الإسلامية” و بين ثقافة الغرب “العلماني” تناقضٌبَيِّنٌ و ضخم، و يجد أصوله في التراث و الموروث، فإذا كانت “الدول الدينية”، لم تنشأ فعليا إلا بعد “نزول الدين” إلى دنيا الأرض، فإن الأمر كان مغايرا بالنسبة لدين الإسلام، إذ ترافق ظهوره مع المحاولات الأولىلتأسيس “الدولة”، وهكذا اختلط، منذ البداية، مفهوم الدولة بمفهوم الدين، و ظل مُرافقا لها إلى يوم الناس هذا، ومن هذا المنظور الموغل في الاختلاط يعتقد “المسلم” أن نجاته و خلاصه لن يتأتى إلا بإقامة دولة الإسلام و الامتثاللما يعتقد أنه شرع الله.

يبدو أن فك الارتباط القائم بين ” الـدولة” و”الإسـلام” أمرٌ في غاية الصعوبة و التعقيد، ويتطلب بذل جهد نظري و فكري عظيم من أجل “تحرير الدين” من “براثـــن” الدولة، و من أجل فرض “استقلال الدولة” عن الدين، و الحال أن الإسلام الذي نزل كدين، كان في ذات الوقت مشروعا سياسيا في المقام الأول.

في سياق الاستقطابات و التنظيرات السياسية و القتالية،المؤسسة على مقولات و أفكار دينية، هل يتاحللمسيحي أن يقيم شعائره الدينية في ساحة و سط مدينة مكة ويدعو المؤمنين إليها؟ و هل بإستطاعة اليهودي الدعوة لاعتناق دين التوراة في المدينة المنورة؟
ما لم تتم الإجابة عن هذه الأسئلة بالقبول، سيظل المسلمون حاملين للواء يعتقدون بموجبه أن الإسلام هو “المنقذ الوحيد من الضلال” !

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x