لماذا وإلى أين ؟

”الباروك”.. عادة تُرافق عيد الأضحى تُصارع الانقراض في الجنوب الشرقي للمغرب

يتفق سكان كل دوار على شراء عِجل، ثم يذبحونه في الصباح الباكر بعد بزوغ شمس يوم ما قبل عيد الأضحى. يتجمهر الأفراد كبارا وصغارا على الذبيحة، بعضهم يحمل أكياسا ينتظرون بشغف تحويلها إلى ”باروك”، يقصدون بها منازلهم حين ينتهي ”المعلم” (غالبا ما يكون شخصا كبيرا في السن ومعروفا وسط الدوار بعدله وحكمته)، من عملية تقسيم ”الوزيعة” بالتساوي فوق ”ميكا” يفرشها على مساحة واسعة في الأرض.

بعد تقسيم جسد الثور إلى مجموعات صغيرة من اللحم، متساوية من حيث الوزن (حوالي 5 كيلوغرام في كل مجموعة)، يطلق عليها ”آمور” (كلمة أمازيغية تعني النصيب)، يشرع ”المعلم” الذي يتوفر على لائحة تضم جميع أسماء المشاركين في ”الباروك” بالمناداة على كل واحد باسمه ليشير له بنصيبه بعد إجراء عملية قرعة. حين تنتهي هذه العملية، يبدأ الجزء الثاني الذي يكون أكثر تشويقا.

يقوم ”المعلم”، بعد ذلك بالإشراف على عملية بيع أجزاء الدوارة والرأس و”الكرعين”، لكن هذه المرة ليس بالتساوي كما السابق، بل من يدفع أكثر يحصل على ”النصيب”، وغالبا ما يتم ذلك بأثمنة مرتفعة لأن المسألة يتم الحسم فيها عبر ”تدلالت” أي المزايدة.

عادة ما يكشف الجزء الثاني من عادة ”الباروك” الفوارق الطبقية داخل كل القبيلة، حيث أن عملية المزايدة هاته تنتهي بفوز ”البورجوازي” على ”الفقير”، وقد يقع شيئ من ”الاحتيال” حين يعقد ”الشناقة” اتفاقا قبليا من أجل التحكم في عملية المزايدة، وفي الأخيرة يقتسمون الغنيمة فيما بينهم.

لكن رغم ذلك تنتهي المنافسة بروح رياضية عالية، يتبادل فيها ”المنهزم” و ”المنتصر” ابتسامات توحي بأن عادة ”الباروك” مناسبة للتعبير عن تماسك القبيلة مهما كان الاختلاف.

للإشارة، فـ”الباروك” هو مصطلح مشتق من الكلمة البرتغالية barroco والتي تعني اللؤلؤة، وكانت في أصلها ازدرائية تشير إلى نوع من الفن الغريب والفصيح والمحشو بالمضامين. لكن من المستعبد أن يكون لهذه العادة ارتباط بهذا الشكل، رغم أن المنطقة كانت مستعمرة برتغالية في حقبة زمنية غابرة. التفسير الأقرب لكلمة ”باروك” هي البركة والنعمة.

هذه العادة الضاربة في أعماق التاريخ وتوارثها الأحفاد عن الأجداد لسنوات وسط قبائل بالجنوب الشرقي للمملكة، خصوصا في دواوير قلعة مكونة وبومالن دادس باقليم تنغير، فقدت كثير من بريقها وبالكاد يتم إحيائها، بعد أن كانت فيما قبل تقام عدة مرات في السنة، وبشكل أخص في عيد الفطر وعيد الأضحى.

أحمد أوبراهيم، البالغ من العمر حوالي 70 سنة، يقول إن عادة ”الباروك”، كانت رمزا وتعبيرا لتضامن قبيلة ما، قبل أن يكون الحصول على ”أَمور” من اللحم هو الهدف. وشدد على أن هذه العادة مهددة بالاختفاء، على غرار مجموعة من التقاليد والعادات الأخرى التي لقيت نفس المصير بسبب التحولات الكبيرة التي طرأت على المجتمعات القبلية بالمنطقة.

وأكد أوبراهيم أن مبادرات شخصية هي التي لا تزال تحاول الحفاظ على هذا النمط من العادات، بعد أن كانت القبيلة في السابق تولي اهتماما لها، وتعتبر من يرفض الانخراط فيها خارجا عن الجماعة.

يبدو أن الجيل الصاعد لا يولي اهتماما كبيرا لعادة ”الباروك”، وبات الكثير منهم يفضل أن يقصد الجزار ويشتري ما هو راغب فيه، من أن ينتظر لساعات قصد الحصول على بضع كيلوغرامات من اللحم تحت أشعة شمس حارة. لكن في المقابل ينسى الدور المهم لهذه العادة التي تصارع الانقراض بالنسبة لثقافة القبيلة ووحدتها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
جمال
المعلق(ة)
1 يوليو 2023 00:33

متى كان الجنوب الشرقي مستعمرة إسبانية؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x