لماذا وإلى أين ؟

عودة إلياس!

محمد سعيد البطيوي*

في الأدبيات الإسلامية هناك نقاش كبير حول عدد من الشخصيات التي يزعم طرف في النزاع أنها حية أو ستعود للحياة من أشهرها عيسى بن مريم و الخضر ، كذلك الشأن بحق النبي إلياس / إيليا، وقد تحدثت عن عودته الأدبيات المسيحية واليهودية كذلك، و كنت في فترة سابقة أنكر كل هذه القصص، لكن مع التطور العلمي والتكنولوجي وطموح البشرية بالسفر عبر الزمن، أعتقد أنه قد تنجح البشرية يوما ما فتسافر بمركبات إلى عهد المسيح عيسى فتنقذه من الصلب وتجلبه معها إلى هذا الزمن رفقة بعض الحواريين أو رفقة إلياس أو غيره، وإذا كان هذا الأمر ضربا من الخيال العلمي والصناعة السينيمائيةالهوليودية فإن التاريخ العلمي أثبت أن المستحيل ليس مفهوما علميا، بل يعبر عنه ب : لم نتوصل بعد إلى فهم الأمر.
– ومن هنا أدلف الى حديثي اليوم عن عودة إلياس ابن الريف الرئيس السابق لجهة طنجة وأحد الشخصيات السياسية البارزة في عهد الملك محمد السادس، والذي ظهر في لقاء مع إحدى الجرائد الالكترونية مؤخرا، وأثارت عودته الرأي العام بالمغرب وتناسلت التأويلات ولعله كما لاحظ متتبعون قد سافر عبر الزمن أيضا وأوقف زحف الصلع بشعر رأسه في تحدٍ لعوامل الطبيعة وآثارها على الإنسان، وهذا يعطينا انطباعات أخرى حول شخصية إلياس العماري الذي واجه خلال فترة بروزه تحديات كبرى سواء إبان حركة 20 فبراير أو حراك الريف.. الذي فضل فيه الابتعاد عن الحياة السياسية والتواري عن الأنظار.
لكن المحللين للشأن العام بالمغرب قد غيبوا أو لم ينتبهوا لقضية مهمة متعلقة بإلياس العماري وهو ما لاحظته سنة 2017 حينما كنت في فترة نقاهة وكتبت بشأنه حينها؛ إذ بعد الخطاب الملكي بتطوان بمناسبة عيد العرش، تحدث عاهل البلاد عما يحدث بالحسيمة، وأشار إلى مكامن الخلل ووعد بمعالجتها، لكنه في ذات الصدد تحدث عن حربائية السياسيين المغاربة وخيّر الملكُ المسؤولين المغاربةَ بين ممارسة صلاحياتهم أو الاستقالة، وقال في ذات الصدد: “عوض أن يبرر المسؤول عجزه بترديد أسطوانة “يمنعونني من القيام بعملي”، فالأجدر به أن يقدم استقالته، التي لا يمنعه منها أحد”، مؤكدا أن “المغرب يجب أن يبقى فوق الجميع، فوق الأحزاب، وفوق الانتخابات، وفوق المناصب الإدارية”.
واعتبر الملك محمد السادس أن مسؤولية وشرف خدمة المواطن تمتد من الاستجابة لمطالبه البسيطة إلى إنجاز المشاريع، صغيرة كانت أو متوسطة أو كبرى، متسائلا: “ما معنى المسؤولية، إذا غاب عن صاحبها أبسط شروطها، وهو الإنصات إلى انشغالات المواطنين؟”.
وأردف الملك محمد السادس: “أنا لا أفهم كيف يستطيع أي مسؤول، لا يقوم بواجبه، أن يخرج من بيته، ويستقل سيارته، ويقف في الضوء الأحمر، وينظر إلى الناس، دون خجل ولا حياء، وهو يعلم بأنهم يعرفون بأنه ليس له ضمير، ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم؟ رغم أنهم يؤدون القسم أمام الله والوطن والملك، ولا يقومون بواجبهم؟ ألا يجدر أن تتم محاسبة أو إقالة أي مسؤول، إذا ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه؟”.
وشدد العاهل المغربي في الخطاب ذاته على ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور، التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، وقال بهذا الخصوص: “لقد حان الوقت للتفعيل الكامل لهذا المبدإ. فكما يطبق القانون على جميع المغاربة، يجب أن يطبق أولا على كل المسؤولين بدون استثناء أو تمييز، وبكافة مناطق المملكة”.
وزاد: “إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب”، يورد الملك محمد السادس في خطاب الذكرى الـ18 لعيد العرش بتاريخ 29 يوليوز 2017.
..وبعد هذا الخطاب الملكي بأسبوع قدم إلياس العماري استقالته من رئاسة حزب الأصالة والمعاصرة ثم استقالته من رئاسة جهة طنجة تطوان الحسيمة، وهو المسؤول الوحيد الذي تفاعل مع الخطاب الملكي حينها رغم أنه برأ ساحته مما وقع فيه مسؤولون آخرون تورطوا حينها في مشاريع الحسيمة منارة المتوسط وتمت اقالتهم.
وكتبت حينها أن إستقالة إلياس هي تفاعل مع الخطاب الملكي ليس إلا، وهي شجاعة تحسب له ونفتقدها في جل المسؤولين، لأنه يدرك أنه معني بشكل مباشر بالحديث الملكي عن غياب مسؤولين وعدم نزولهم للشارع للقيام بواجبهم بالحسيمة، وهذا عكس ما كان يفعله الوالي اليعقوبي حينها، رغم ما تعرض له من اتهامات من طرف بعض النشطاء.
لقد علمتنا تجربتنا البسيطة أن الممارسة السياسية في بلادنا منزّلة، وليست فعلا حرا يصدر عبر التراكم النضالي والرغبة في خدمة الصالح العام إلا ما رحم الله، وهنا نريد أن تكون في عودة إلياس هذه الدينامية السياسية التي يفتقدها المغاربة، ويصحح أعطاب الماضي، فأبناء الريف يصطفون تاريخيا مع بعضهم البعض، وقد حن كثير منهم في هذه السنوات العجاف إلى زمن إلياس ودعوا أن يعود لينقذهم من هذا الانحدار السياسي، ولم لا أن يساهم نشطاء المنطقة في حلحلة القضايا العالقة..، لكن هل سيعود إلياس من الباب هذه المرة ليلتف حوله الشباب الصادقون الحاملون لهم المنطقة عبر الممارسة الديمقراطية التشاركية التي نص عليها الدستور أم سنجتر نفس الأخطاء والخييات مرة أخرى عبر استغلال النفوذ والنقود.
مرحبا بعودتك إلياس العماري، لكن كما قال سيدنا انشتاين : تكرار نفس التجربة بنفس الوسائل وانتظار نتيجة مغايرة هو ضرب من الجنون.

 *أستاذ باحث 

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
مريمرين
المعلق(ة)
10 يوليو 2023 20:42

هذا مقال “فنتازيا” . فأنى لنا أن نقارن بين وضعية من خرج طوعا من وطنه (ويعلم الله كيف جمع ثروته) و بين وضعية نبي معصوم أرسله الله. سي العماري ليس نبيا ؛ وحزب البام أبان عن تحيزه للطبقة الغنية و الأكثر غنى .

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x