لماذا وإلى أين ؟

أزمـــة الفكر السياسي الديني

يعتبر عديد المفكرين، المؤمنين منهم و غير المؤمنين، أن العقائد الدينية نزعة فطرية لدى الانسان، و هو لذلك، مرغم على اعتناق دين من الأديان أو عقيدة من العقائد، إذ، بحسب هؤلاء، لا يُتصوَّر  وجود إنساندون انتماء ديني معين، بل إن بعضهم ذهب إلى أبعد من ذلكإذ إنكروا وجود ملحدين حقيقيين ممن لا يؤمنون بوجود الله.

في مقابل ذلك، ذهب الفلاسفة،ومنهم مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون ،إلى نفي المطلق، واعتبار اللاهوت مجرد طور من أطوار التفكير البشري البدائي، و مرحلة من مراحل تطور وعي الكائن البشري بحقيقة الوجود،  و أن هذا اللاهوت قد ساد في المراحل الأولى للتطور البشري قبل أن تليه المرحلة الميتافيزيقية و تحل، بعده بمدة، المرحلة العلمية، و هي المرحلة النهائية، بحسب المعاصرين.

و على الرغم من أن الإسلام، كسواه من الأديان، يُعدُّ دينا من الديانات القائمة، إلا أن معظم المسلمين يصرون على اعتباره دينا كونيا صالحا لكل زمان و مكان بل هو الدين الحق و الأصلح للكون، وهو، فضلا عن ذلك، حسب اعتقادهم، دين يهتم بتنظيم حياة البشر في الدنيا الفانية، كما يهتم في الوقت ذاته بتنظيم شؤونهم في الآخرة الباقية، وهذا اعتقاد راسخ لدى غالبية مسلمي المجتمعات الإسلامية حتى ولو كان ذلك بشكلٍ غير عالِم، و بهذه الطريقة انتهى محمد قطب في كتابه (جاهلية القرن العشرين) إلى الجزم بـأن ” … الدين تنظيم شامل للحياة يشمل اجتماعياتهم و اقتصادياتهم و سياستهم  كما يشمل وجدانهم و عقيدتهم”

تأسيسا على هذا الاعتقاد، الصريح أو الضمني، السائد حول دور الإسلام في المجتمع، ظهرت في أوائل القرن العشرين حركة دعوية ذات بعد اجتماعي و سياسي سعت لمحاولة تقديم إجابات حول أسئلة ترتبط بواقع المسلمين الذي انحدر إلى قاع الانحطاط، و  أخرى تتعلق بالأسباب التي أدت بهم إلى درجة كبيرة من التخلف و الفساد، و هي تساؤلات لا تستلزم الإجابة عنها، بالنسبة لمؤسسي هذه الحركة، لفترة من التأمل و التقدير و حسن الإلمام بالموضوع، بل قدمت على الفور إجابة واحدة تتلخص في القول بأن تخلف المسلمين لم يكن ليحصل لولا ابتعادهم عن الإسلام، و قد كانت هذه الإجابة مقدمة و تمهيدا لوصف المجتمع الاسلامي الراهن بكونه قد ارتد إلى مرحلة الجاهلية، و أن لا سبيل لهذا المجتمع نحو الخلاص من تخلفه إلا بالعودة إلى طريق الإسلام !

الإجابة التي قدمتها هذه الجماعات الدينية حول سؤال التخلف و الانحطاط، و تلخيص الحلول المقترحة لمواجهتها في إجراء فريد هو ببساطة العودة إلى الإسلام الحق، أي كما عرفه النبي محمد و صحابته، لكن ذلك لم يكن في واقع الأمر سوى  شعار دعائي مبالغ فيه يحمل الكثير من المغالطات، بل مجرد صور خيالية عن هذا المجتمع الإسلامي السابق الذي يعتقد أنه كان مميزا  بالعدل و تتحقق فيه المساواة، و الحال أنه، في حقيقة الأمر، لم يكن إلا وهما متخيلا، لا تسنده الحقائق العلمية و لا المعطيات التاريخية، بل إن تمحيص هذه المقترح المتهافت، بخصوص ضرورة العودة إلى “إسلام شمولي”،  فتح المجال أمام طرح أسئلة جديدة حول ماهية و طبيعة هذا الإسلام الذي تجب العودة إليه؟

تعتمد الأطروحات المتهافتة للجماعات الإسلامية على قراءة غبية للتاريخ الإسلامي، فهي تسعى جاهدة لتصوير مرحلة حكم الرسول لدولة المدينة الناشئة، ومن بعده الخلفاء الأربعة، باعتبارها مرحلة زاهرة من تاريخ الإسلام، مرحلة عرفت أعلى درجات سيادة العدل و المساواة و إقامة الوزن بالقسط، لكن الحقيقة كانت مخالفة لادعاءاتهم الكاذبة، فهي مرحلة، كغيرها من مراحل تحول المجتمعات البشرية، تخضع لقانون التطور من وضع لآخر، عبر الصراع و التنافس، و إلا كيف يستطيع هؤلاء الدعاة الحمقى نفي نسبة الجرائم المناقضة لأحكام الإسلام  التي ارتكبها قائد إسلامي مثل خالد بن الوليد؟ و كيف يستطيعون إنكار أن عمر بن الخطاب طالب الخليفة أبا بكر الصديق بإقامة حد الزنا على خالد بن الوليد؟و كيف يفسر هؤلاء الحمقى الصراع الذي دار بسقيفة بني ساعدة بين أصحاب الرسول المبشرين بالجنة حول من يخلف الرسول محمد و هو لم يدفن بعد؟

إن الجماعات الإسلامية، بكل أصنافها و تلاوينها، تكتفي بترنيمة واحدة تزعم أن “العودة إلى الإسلام”  هي الحل الوحيد لكل مشاكل المسلمين، لكنها في المقابل لا تملك فكرة متكاملة حول كيفية تحقيق الخلاص من التخلف و لا عن مشروع مجتمعي واضح المعالم يشمل السياسة و الاقتصاد و الثقافة و باقي أصناف العلوم، فكل رأسمالهم الفارغ  يتأسس على أن الإسلام هو الدين الحق و يتوجب على المؤمنين به فرض أحكامه على بقية خلق الله !

إن مشكلة الإسلام، كما تبدو من خلال مراحل بنائه الأولى، أنه كان مشروعا امتزج فيه الدين بالسياسة، بشكل لا نستطيع من خلاله تمييز حدود واضحة تخص الدين وحده، عن حدود أخرى تخص السياسة، فالرسول محمد، باعتباره صاحب المشروع، مارس السياسة و الدين معا، كما شهدت بذلك تصرفاته في معارك و مناوشات مثل معركة أُحُد، أو في محطات أخرى ترتبط بعلاقته مع طوائف اليهود و المسيحيين.

هل تستطيع الجماعات الإسلامية، بمنطقها المتهافت،إقناعنا بأن الإسلام هو المشروع الديني المنقذ للبشرية؟ أم أن الأوان قد حان للإعلان بأن الإسلام كان مشروعا سياسيا ناجحا في فترة من فترات التاريخ، و أن الوضع الراهن، بموازين قوته الواضحة و المغايرة للسابق، لن يسمح بإعادة إنتاج تجربة ثانية للإسلام، كمشروع قائم على الغزو / الفتح من أجل إقامة دولة إسلامية عالمية الأركان، تلك الدولة التي تحلم بفرض النقاب على نساء العالم و سبيهن، دولة تحلم بفرض قانون الإسلام على الجميع أو أدائهم الجزية لبيت مالها و هم صاغرون في إنكار تام لنص قرآني يقول : “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟”

ألا يعكس هذا أزمة حقيقية في جذور الفكر السياسي الديني؟

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

4 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
فريد
المعلق(ة)
17 يوليو 2023 18:01

شخصيا أعتقد أنه حان الوقت لفصل الدين عن الدولة ولنا في تركيا العلمانية قدوة، أما من يُدافعون عن فكر الخوانجية الظلامي الذي يُبسط الأمور إلى حد أنه مقتنعون بأنه يكفي أن تقول بإسم الله وإن شاء الله فسوف تعيش في سعادة حتى لو كان بطنك فارغا، هؤلاء عليهم أخذ الدرس من مصر الرئيس مرسي حيث أكثر من نصف الشعب المصري ضاق درعا بحكمه وقبل إنقلاب العسكر عليه. كما لهم درس في الإرث الذي تركته حكومة بنكيران: رفع الدعم عن المحروقات لتترك المغاربة يحترقون بلهيب الأسعار، رفع سن التقاعد، فتح الباب على مصرعيه للفساد بإسم عفا الله عما سلف، صرف ملايير الدولارات على مغرب أخضر لم يرى المغاربة منه إلا أزمة المنتجات الفلاحية والعطش… الدين يجب أن ينحصر في المساجد والمنازل وما أحوجنا إلى دولة قانون. للملاحظة من يسب أو يشتم أو يرفع صوته ليس لديه ما يعلل به رأيه وأفكاره هذا إذا كانت لديه أفكار.

ali
المعلق(ة)
16 يوليو 2023 01:05

المقال في حد ذاته يعاني ازمة حقيقية من حيث بنائه المعرفي والابستيمولوجي والتاريخي

حسن
المعلق(ة)
16 يوليو 2023 00:59

قبح الله الجهل .هذا الكلام متهافت لأنك لا تعرف الإسلام حق المعرفة.هذا نتيجة اتباعكم كتب اساتذتكم الضالين المضلين.لو كان الإسلام غير صالح منذ البعثة الشريفة إلى قيام الساعة لاقتضى الأمر أن يبعث الله رسولا او رسلا.نعم الإسلام صالح لكل جوانب الحياة الإنسانية ولكن بشرط فهم هذا الدين العظيم وعدم الخلط بين الاسلام والاديولوجيات الدينية.لو استمر المسلمون على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ونهج صحابته لما وصلنا الى هذا الوضع البئيس.ايها المعتوه من كثرة ما قرأته من كتب الحداثيين صرت اعمى البصيرة.قال الله تعالى (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

عبدالمجيد
المعلق(ة)
16 يوليو 2023 07:43

من شروط التعليق : عدم الإساءة للكاتب وعدم السب والشتم..! ولكن يظهر لي أن هذه الشروط يجب أن تطبق على كاتب المقال في الأول. فكيف سمح لنفسه أن ينعت الآخرين بالتخلف والغباء ..

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

4
0
أضف تعليقكx
()
x