لماذا وإلى أين ؟

“حَــــــــكامَة الإدارة بالمغرب !”

لقد ظل لفظ مثل ” المردودية” مصطلحا ذائع الصيت و مترددا على ألسنة كثير من “المُنظرين المفترضين” باعتباره دلالة على النجاج و مقياسا فعليا لهلتقدير مدى تحقيق الغايات المرجوة من عدمه، فحسب هؤلاء، كلما كانت المردودية، أو العطاء، أعلى من ذي قبل، كان ذلك سببا في الإقتناع بجدوى العمل المنجز و فلاحِه، و كلما تناقص حجم هذه المردودية، كما أو نوعا أو هما معا، اعتبر ذلك دليلا على الفشللا يُقبل الطعن فيه.

بالرغم من كون ” المردودية” اصطلاحا ارتبط على الدوام، خلال عمليات التقييم، بالمردود المادي المحسوس، باعتباره معيارا ناجعا، لا سيما بالنسبة للمؤسسات ذات الطبيعة الاقتصادية، فيبدو، على الأقل لبعض الملاحظين، أن الأوان قد حان، و قد يكون متأخِّرا، للشروع في استخدام هذا المعيار الفعّال، من أجل الكشف عن طبيعة عمل بعض المؤسسات ذات المنحى الإداري أو شبه الإداري، أي، بلغة أوضح، تلك المجموعة الضخمة من الهيئات التي يصنفها القانونالوطني في دائرة “المؤسسات العامة”، وذلك للإطلاع عليها، فقط من أجل الاطلاع، بواسطة التحليل الموضوعي المُحايد، و كشف مدى جدواها و ما إذا كانت تُقدم للدولة، و من خلالها للمجتمع، خدمةً من طبيعة معينة، أم أنها مجرد ” كائنات شبحية” تستنفذ المال العمومي دون طائل يذكر.

المفترض، على الأقل من الناحية النظرية، أن الدولة لا تتجه للإستثمار في إنشاء “مؤسسة” من المؤسسات إلا بناء على أساس نظري قوي و تصور شامل بخصوص موضوع المأسسة، و حين تقتنع بذلك، فهي تنتظر من وراء التأسيس بلوغ نتائج معينة، أكانت تلك النتائج من طبيعة سياسية ، اقتصادية، تنظيمية أو حتى إجرائية، بمعنى أنها تتوخى، في كل الأحوال، تدبير قطاع من القطاعات أو تجاوز معضلة من المعضلات، أي الترقي الملائم لخدمة المرتفق/ المواطن الذي يفترض أنه الموضوع الرئيسي في أي سياسة.

إن أزمة التدبير الإداري في المغرب، وانعكاساته السلبية على الإقتصاد الوطني، تتجلى بشكل واضح في وجود أزمة حقيقية تعيشها الموارد البشرية للإدارة المغربية، تلك الموارد التي يمكن التعويل عليها لأداء الوظائف المرجوة، ولعل نتائج الخصاص، أكان فعليا أم مصطنعا، بينت كيف أن مناصب الإدارة أصبحت هدفا منشودا و مُرادا مقصودا، لكن دون امتلاك المؤهلات المعرفية و الذكاء المبدع.

وهكذا أصبح وضع “المؤسسات” يعاني من حالة كساد كبير تقترب من درجة الإفلاس الشامل، بل هو وضع غارق في شكليات بئيسة، لا تجلب نفعا و لا تمنع ضررا، بل إن عمل هذه المؤسسات أضحى مُفلسا بكل معايير العمل المعاصرة، وهذا يبدو من خلال فداحة حجم الإنفاق العمومي عليها، و في مقابل هذا الإنفاق العشوائي و المفلت من الرقابة الفعلية و الصارمة، لا يجني الصالح العام من ورائه أية فائدة تذكر، بل يكرس العبثية و هدر المال العام.

وظائف “الإدارة الناجحة”، بحسب التعريف الذي قدمه الخبير في هذا العلم هنري فايول، تستند في المقام الأول على مرتكزات خمسة، التخطيط، التنظيم، التوظيف الإداري، التوجيه و الرقابة. و المقصود بالرقابة في هذا المقام مفهومها الشامل الذي لا تنحصر معه في مجرد “رقابة شكلية أو مسطرية”، بل تتعداها لما هو أكبر من ذلك، أي الخوض في عملية تقييم متكاملة يكون الهدف منها دراسة جدوى حقيقية، يتبين من خلالها ما إذا كانت “المؤسسة ” المهنية تقدم للدولة و المجتمع خدمة حقيقية، أم أنها مجرد ثقب تنزف منه الخزينة العامة للدولة.

تقع مسؤولية إدارة المؤسسة، بحسب التقاليد الإدارية المتعارف عليها، على موظف يحمل اسم ” المدير”، ويشترط فيه، حسب ذات التقاليد، أن يكون قادرا على تنسيق الجهود بين مختلف الأنشطة و المستويات الإدارية و الوظيفية في المؤسسة، وذلك من خلال هيكل تنظيمي يعتبر ممرا مرنا لاختبار قدرة المدير على اختيار وتعيين الشخص المناسب في المكان المناسب.

الثابت، من الدراسات الميدانية المُجراة في الموضوع أن وظيفة ” المدير” لا يُنظر إليها كأداة لتفعيل العمل الإداري و إغنائه بالمبادرات العملية التي تمنح وجودا ماديا للاختصاصات المسندة للمؤسسة، بمقتضى التشريع الساري، بل يُنظر إليها، في غالِبِ الأحوال و مُعْظَمِـــها، كأداة تحقق “الإغتناء المشبوه” عبر اتباع سياسة إنفاق المال العمومي في نفقات مجانية لا تعود بأي طائل على بنية الإدارة و تماسكها، أو تطوير أدائها بشكل من الأشكال، بل ينظر إليهاكدليل على الحكامة الجيدة، إنها “حكامة المغرب !”

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
فريد
المعلق(ة)
23 يوليو 2023 12:11

كل دول العالم تعاني من إنعدام أو ضعف مردودية المؤسسات العمومية، في الدول الغربية قامت دول بالتخلص والتخلي من بعض مؤسساتها العمومية : البريد، الطيران، الإتصالات، السكك الحديدية…حولتها إلى القطاع الخاص ليصبح وجودها رهين بمردوديتها أي أصبحت تؤدي مهمتها وتخلق ربحا للمستثمر في أسهمها بدون أن تبقى عبئا على دافعي الضرائب اللهم بعض الشركات التي تبقى إستراتيجية حتى لو أشرف الخواص على تدبيرها كالسكك الحديدية. الحكامة أساسها وُجود الردع الذي أساسه المراقبة والمحاسبة، أي وجود سلطة قضائية مستقلة تسهر على إحترام القانون والإلتزام به، وفي ظل غياب هاته السلطة يقوم العديد من المشرفين على تدبير القطاع العمومي بتجاوز القانون إلى حد الفساد، بعلم أو بدون علم.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x