2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
بورتري.. مليكة العرود “الأرملة السوداء” التي جنَّدت عشرات الشباب “للجهاد”

“بورتري”،.. سلسلة تطل عليكم من نافذتها صحيفة “آشكاين” كل أسبوع، و تشارككم “بروفايلات” شخصيات طبعت تاريخ المملكة بإنجازاتها وإرثها الثقافي والإجتماعي كل من مجالها، تأخذكم السلسلة في جولة عبر تاريخ المغرب لنتعرف و إياكم على الشخصيات البارزة التي ساهمت في صناعة التاريخ الوطني وساهمت في تطوير إرث المجتمع المغربي، كما الشخصيات التي كانت نقطة سوداء في تاريخ البلد.
مليكة العرود، أو “أرملة الجهاد السوداء”، المزدادة في مدينة طنجة سنة 1959، لتصبح بعد سنوات واحدة من الشخصيات العالمية في الإسلام الراديكالي، وتصدرت عناوين الصحف بعدما تم توقيفها وحرمانها من جنسيتها البلجيكية في عام 2017، لكونها زعيمة جماعة إرهابية.
تعتبر العرود التي توفيت يوم الخميس 6 أبريل المنصرم، مثالاً ممتازًا على السهولة التي يمكن بها الاستهانة بالمرأة كمحفز للتطرف، حيث تمكنت المغربية-البلجيكية من استقطاب عشرات الشباب ببلجيكا وفرنسا، للجهاد في أفغانستان.
عرفت مليكة، باسم “الأرملة السوداء للجهاد” بعد فقدانها زوجها الأول دهمان عبد الستار، في هجوم انتحاري ضد أمير الحرب الأفغاني أحمد شاه مسعود في عام 2001. بينما قُتل زوجها الثاني، معز قرصالاوي، في غارة بطائرة بدون طيار قصفت تجمعا لتنظيم القاعدة في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية في عام 2012.
ومن لقبها يمكن استجلاء، أنه طان لها دور مهم في ما فعله زوجاها. صحيح أن زوجها الثاني حاول بنشاط التقليل من دورها، حيث معز جرسالاوي قال في مقابلة صحفية سنة 2009 :”زوجتي لا علاقة لها بالجهاد إلا أنها زوجتي، لم أسمح لها مطلقًا بالمشاركة في أعمال يمكن أن تعرضها للخطر”.
لكن ربما لم يكن هذا أكثر من استراتيجية دفاعية، لأن العرود كانت تنتظر المحاكمة في سجن بلجيكي في ذلك الوقت. وفقًا لأشخاص لديهم معرفة وثيقة بقضيتها، كانت العرود هي التي وجهت أزواجها، وليس العكس. كما قال المدعي السويسري كلود نيكاتي ذات مرة :”كانت تتخذ القرارات، بينما كان ينفذها آخرون”.
وقبل إدانتها والحكم عليها بالسجن ثماني سنوات في مايو 2010 بتهمة التحريض على الجهاد، كانت العرود رائدة في التجنيد عبر الإنترنت. فعلت ذلك من خلال المنتدى الخاص بها “Minbar.sos”، باستخدام الاسم المستعار أم عبيدة. كما استخدمت “أنصار الحق”، المنتدى الجهادي الأكثر شهرة، والذي حكم على مديره المعروف فاروق بن عباس بالسجن أربع سنوات سنة 2018.

وقد تمكنت العرود من إقناع عشرات شبان على الأقل من بلجيكا وفرنسا بالمغادرة للجهاد الأفغاني في عام 2007. وقد قُتل أحدهم، حمزة العلمي، قبل وقت قصير من بدء محاكمتها. كما يشتبه في تورط العرود في تجنيد موريل ديغاوك، أول إرهابية أوروبية انتحارية توفيت عام 2005 في العراق، على الرغم من أنها لم تحاكم على ذلك.
وخلال سجنها، واصلت العرود التواصل مع أتباعها من خلال منتدى “أنصار الحق”. لم تتمكن من الوصول إلى المنتدى بنفسها، لكنها كتبت رسائل إلى صديقتها الإيطالية باربرا عائشة فارينا، وهي من الإسلاميين الناشطين في الأوساط الإسلامية تحت اسمين مستعارين أم يحيى وأم أسامة، والتي قامت بدورها بنشرها على المنتدى المذكور. لكن بسبب مراقبة المراسلات، لم تستطع التحدث بحرية، وكانت رسائلها تتكون أساسًا من الرثاء حول حياتها اليومية خلف القضبان.
“اليوم، حاول أحد الحراس لمسي. لكني نظرت في عينيه مباشرة وقلت إنني أفضل أن أموت على أن يمسني رجل آخر غير زوجي”، كما وثقت “الأرملة السوداء” يومياتها في إحدى المشاركات في منتدى “أنصار الحق”. بينما قالت في مشاركة أخرى :”لم أتناول الفاصوليا المعلبة من قبل، لكني أفضلها هنا على طبخ السجن، الذي به دهون مفرطة ويثير الاشمئزاز بصراحة”. في حين أن مثل هذه الرسائل بعيدة كل البعد عن التحريض على الجهاد ، إلا أنها سمحت للعرود باكتساب شعبية كبيرة باعتبارها “سجينة الإسلام”.
من الصعب قياس مدى إلهام العرود ومدة تأثيرها بعد أن اختفت منتديات مثل “أنصار الحق” وتم نسيانها، ولكن العرود تمكنت من الاحتفاظ بشعبية كبيرة من خلال كتاب سيرتها الذاتية “Les Soldats de lumière”، والذي كتبته عام 2004 من أجل شرح خيارها للجهاد والدفاع عنه. وقد استغلت الاهتمام به لاستقطاب الشباب من أجل الجهاد، حيث تُظهر المحادثات التي تم اعتراضها من قبل المصالح الأمنية، كيف اقتربت من رجل من فرنسا كان قد طلب الكتاب، حيث اعترف لها بأنه يرغب في المغادرة إلى العراق، لكنه تردد في ترك زوجته وطفليه، لكن الأرملة السوداء أقنعته بفعل ذلك.

وبعد عشر سنوات من إصداره، في ديسمبر 2014، تم العثور على نسخة من كتاب “Les Soldats de lumière” عندما فتشت الشرطة منزل سيباستيان يونس فوييز زايري، الشاب الفرنسي الذي كان قد غادر لتوه إلى سوريا، والذي تصدّر عناوين الصحف في يوليو 2015 لكونه أحد عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذي نشر الصورة المروعة لإيرفي كورنارا، وهو رجل قُطع رأسه في سانت كوينتين فلافييه على يد موظفه ياسين الصالحي، الذي كان صديقا للزايري.
جهادي فرنسي آخر وجد بجوزته نسخة من “Les Soldats de lumière” هو شريف كواشي، أحد الإخوة الذين داهموا مكتب شارلي إيبدو في 7 يناير 2015. وتم العثور على الكتاب أيضًا في منزل حياة بومدين، وهي زوجة أميدي كوليبالي، الذي أطلق النار على ضابط شرطة وهاجم محل بقالة يهودي في باريس بالتنسيق مع هجوم شارلي إبدو، وفر منذ ذلك الحين إلى سوريا.
وظهر مؤشر أخير على نفوذ العرود الدائم بعد وقت قصير من هجمات بروكسل في مارس 2016. حيث وفي بيان وزعته مؤسسة الوفاء للإعلام، وهو المنبر شبه الرسمي لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أوضح عشرة أسباب للهجمات الإرهابية آنذاك، من بينها أشار المنبر “لأنكم تسجنون المسلمين الفاضلين الطاهرين والعفيفين .. أم نسيتم ما فعلتم بأختنا مليكة؟”.