لماذا وإلى أين ؟

عاشـوراء .. ”مجـامير لجلب الحبيب وتزويـج العانس و تقْريب البعيـــد”

لـ ”عاشوراء” بالمغرب طقوس خاصة، إذ بمجرد دخول السنة الهجرية الجديدة وعلى امتداد عشرة أيام، تبرز مظاهر احتفالية خاصة بشوارع المدن وداخل المنازل، في مشاهد، وإن عرفت خفوتا كبيرا خلال السنوات الماضية، إلا أنها تحمل بصمة فريدة عن باقي الشعوب والدول الإسلامية قاطبة.

وإذا كان ”عاشورا” أو ”عيشورة” أو ”تعشورت”، حسب تسمية أهل كل منطقة، فرصة لاقتناء الهدايا للأطفال الصغار والتراشق بالماء، وسماع أصوات ”الطعارج” في كل زقاق، فإنها في المقابل أيضا، مناسبة تنتشر فيها العديد من الظواهر الأخرى مثل السحر والشعوذة والطلاسيم…

تعكس الرائحة الزكية للبخور ومواد أخرى غريبة تُلقى في مجامير مشتعلة، أحد أبرز مظاهر طقوس الشعوذة والسحر التي تُمارس في ”عاشوراء”، ويقف وراءها في الغالب نساء يطمحن في زوج ”مطيع”، أو حبيب مفقود أو ”غير طيع”، أو حتى طرد ” شر” العنوسة.

يزداد الإقبال على طقوس الشعوذة والسحر، إبان ليلة عاشوراء، التي تصادف 10 محرم من كل سنة، حيث يكثر الطلب كذلك على العرافين والأضرحة، وترتفع أسهم العرافين والدجالين والمشعوذين قصد طرد ”التابعة، أو جلب فارس أحلام.

ويتم الحرص على القيام بهذه الأعمال خلال الذكرى ، نظرا للاعتقاد السائد في المخيال الشعبي، أن وصفات السحر المنجزة ليلة عاشوراء،  تستمر مدة صلاحيتها لعام كامل.

في ذات السياق يرى الاستاذ الباحث في علم الاجتماع، هشام بوقشوش، أن مناسبة “عاشوراء” بالمجتمع المغربي، ترتبط بعادات وطقوس احتفالية مختلفة لدى عموم المغاربة، غير أنه وإلى جانب ذلك ترتبط لدى شرائح واسعة منهم، بشيوع طقوس السحر والشعوذة، ليتم الدعوة من طرف الجميع كل من موقعه إلى ضرورة التزام الحيطة والحذر خلال هذه المناسبة والتقليل من التحركات خاصة في أوقات معينة من هاته الليلة وتحديدا ما بين العصر والمغرب.

وأوضح الدكتور بوقشوش، في تحليله للظاهرة متحدثا لجريدة “آشكاين”، بالقول “في اعتقاد لدى الكثير، وأحيانا بكثير من الجزم بفعالية تلك الممارسات والطقوس السحرية خلال هذه الفترة، وتحديدا ما يتعلق بمسألتي الجلب.. والتفريق بين الزوجين فعلا، أو بين الأزواج كمشاريع، وفي ذلك يتم استحضار أن هاته الطقوس تتم بأهداف التطويع والاستفراد والاستحواذ والسيطرة والتهييج أو الجلب أو ما يسمى بسحر المحبة ، أو الرغبة في شتات الشمل والتفريق وتدمير العلاقات العاطفية أو الزوجية والذي يدخل في دائرة السحر الذي يؤدي إلى الصراعات والخصومات العائلية”.

الباحث في علم الاجتماع الدكتور هشام بوقشوش

أساطير غارقة في القدم

شدد بوقشوش على أن الاحتفاء بعاشوراء لدى المغاربة مناسبة مقدسة يحرصون فيها على الاحتفال وممارسة طقوس مغرقة في القدم ومرتبطة بالكثير من الأساطير الضاربة في جذور التاريخ، يختلط فيها التلاقحي أو التأثر الفكري بالعقائد الوثنية والحضارات المختلفة، أو نهلا من بعض من مظاهر التعددية المذهبية الإسلامية، يجسده حضور مظاهر من مثل إضرام النار والالتفاف والغناء والطواف حولها،والتوسعة في الأكل بوجبات محددة، وشراء مختلف الفواكه الجافة، والأبخرة، وزيارة الأضرحة والمقابر والتراشق بالماء في استنباطات عقدية مذهبية.

وأبرز المتحدث أن هذه الطقوس، مميزات وطباع خاصة مترسخة في العقل الجمعي للمجتمع المغربي، يتم التعبير عنها في مجموع الطقوس والممارسات في هاته المناسبة عبر التاريخ، يختلط فيها الروحي بالاجتماعي القائم على تأويل النص الديني أو الانتصار لأحداث معينة، ما بين مدون أو شفهي أو طقوس ممارسة متناقلة عبر الأجيال يتم تحويرها أو الزيادة فيها، ليظل الطقس عالقًا في أذهان بحمولة مقدسة، لدرجة مثيرة، في تراث الطبقات الاجتماعية على اختلاف أعراقها وخلفياتها الدينية، وإن بدأت الحداثة تكسر نوعا ما وثيرة الاحتفالية.

يسود اعتقاد أن السحر ينجح أوقاتا في السنة

أشار بوقشوش إلى الطقوس ليست حكرا على المغاربة بل تنتشر في العديد من البلدان، إلا أن ما يميز المغرب هو الاستنفار والشيوع والتداول الذي تعرف الظاهرة في هاته المناسبة، ومن اللافت للنظر إلى أن بعض الطقوس قد يمارسها البعض في البيوت وغالبا في الأضرحة، وقد يتم فيها تقديم “الذبح” و”تقديم القرابين” واستعمال خلطات معينة من الأبخرة.

وأوضح في هذا الصدد أنها مناسبة أيضا لإخراج الزكاة عرفا وليس تدينا لتسمى بالعشور، كاشفا أن هذه الكثافة في التعاطي مردها من ناحية للاعتقاد بأن هناك أوقاتا في السنة “يكون فيها السحر ناجحا وذا مفعول كمناسبة عاشوراء”.

تخفيضات لجلب الزبائن!

خلص بوقشوش إلى أن السحر والشعوذة هو مجال يتطلب تكاليف مالية باهضة، فالشيوع الذي تعرفه الظاهرة في موسم عاشوراء يجعل منها موسم تخفيضات، الشيء الذي بعض التجار لبيع الوهم بالإعلان عن تخفيضات في هاته المناسبة بغرض تحفيزهم للشراء أكثر، كما يروج لمسألة أن السحر يكون ذا مفعول خلال هاته الفترة من السنة، حتى يشجعوهم على الإقبال عليه، ويستعمل في ذلك بنية دينية تدليسية، ووقائع حية.مما يجعل من الاعتقاد بحقيقة الأمر، في تلاعب واستلاب فكري عاطفي، يسهم فيه انتشار الجهل المقدس والجهل المركب في صفوف كل الشرائح من أميين ومثقفين على حد سواء، يسهم في تكريس تلك المعتقدات التي تعطل العقل والتفكير.

وواصل ذات الباحث بقوله “إن للإسلام الشعبي علاقة وطيدة بالأرواح الشريرة والأولياء الصالحين”، ما يجعل مسألة التعاطي مع قضية السحر والشعوذة زمن عاشوراء، تنبني،وفق بوقشوش، على أساس الفصل بين الممارسة والاعتقاد.

واستدل بوقشوش في تحليله للظاهرة، بملاحظة ويسترمارك كأنثروبولوجي، حين يشير إلى أن الاعتقاد بالسحر عند المغاربة لا تقتصر ممارسته على الأفراد فيما بينهم، بل يذهب إلى وجود ممارسة عمودية بين الفرد والإله، فيها يندمج السحري والديني داخل عملية العبادة، وبهذا يكون السحري جزءًا لا يتجزأ من التدين الشعبي.

يمكن تكوين تصور حول السياق العام الذي وجدت فيه طقوس عاشوراء، حسب الدكتور بوقشوش، سياق يوجِد مسافة بين التدين المعترَف به والتدين الممارَس في الواقع الشعبي، سياق يزخر بحقل دلالي وطقوسي سحري، وسياق مرتبط بالموروث السابق الوثني الذي سبق الإلماح إليه.

كل هذا يتم ضمن تأويل إسلامي لطقوس ذات علاقة بنهاية السنة، أي موتها، فالطقوس المائية والنارية طقوس وقائية تطهيرية، يسود الاعتقاد بدوام مفعولها عاما بكامله،إنها الحماية الذاتية من الأرواح الشريرة حينا، وحينا إعطاء المشروعية للذات بأن تستفرد بحب الآخر، ورهنه وسوقه،ولو كلفها ذلك ممارسة الشعوذة والسحر. يختم ذات الباحث حديثه عن الظاهرة المنتشرة بكثافة في المجتمع المغربي.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
Moh
المعلق(ة)
28 يوليو 2023 09:16

مواضيع تافهة تظهر كم تحتقروننا …وتحتقرون اهتماماتنا

insatis
المعلق(ة)
28 يوليو 2023 07:21

bonjour
les sociétés qui croient encore au charlatanisme et au SHOUR ILS SONT EN RETARD TROP EN RETARD les peuples qui croient encore aux pratiques du charlatanismes et au SHOUR , ils ont du retard sur le monde évolué presque de 2 siècles du retard . les sociétés qui croient et qui pratiquent ce genre de SHOUR ils sont très très en retard sur le monde évolué avancé et civilisé , les peuples surtout en Afrique qui croient encore à ça ils revivent le 14 ième siècle
très bonne journée

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x