لماذا وإلى أين ؟

ما تأثـــيرُ الإنقلابات العسكرية بغرب إفريقيا على الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة؟

تشهد عدد من دول غرب إفريقيا في السنوات الأخيرة انقلابات عسكرية، آخرها النيجر وقبلها كل من بوركينافاسو ومالي.

المشترك بين هذه الانقلابات العسكرية أن مرتكبيها وداعميها باتوا أكثر من أي وقت مضى، يرفضون استمرار القوة العسكرية الفرنسية بالمنطقة ويرجحون كفة روسيا، وفق ما لوحظ في عدد من المظاهرات المؤيدة للانقلابات الثلاث، حينما رفع بعضهم أعلام روسيا.

كثرة الانقلابات واستمرارها بهذه الوتيرة، أصبح يطرح العديد من الأسئلة، أبرزها؛ كيف ستؤثر هذه الاحداث على الخارطة الجيوستراتيجية بالمنطقة؟

الانقلابات وصراع النفوذ

عصام لعروسي، أستاذ العلاقات الدولية يرى أن “الانقلابات العسكرية خاصة في بوركينا فاسو ومالي والنيجر تشكل نقطة ضعف قوية جدا بالنسبة لهذه المنطقة التي تعاني من ضعف البنيات الأمنية والاستقرار السياسي”، مشددا على أن تأثيرها سيكون قويا على المنطقة خاصة وإفريقيا بشكل عام إلى جانب دول الجوار.

وأضاف لعروسي في تصريح لآشكاين أن الانقلابات العسكرية ليست ظاهرة جديدة بإفريقيا، بل الأكثر من ذلك فالأنظمة العسكرية تؤثث المشهد السياسي في العديد من الدول الأفريقية، إلا أن دول غرب أفريقيا تبقى من الدول التي تعاني من طغيان الانقلابات العسكرية كآلية للتداول على السلطة وهي آلية مستنكرة من قبل المجتمع الدولي.

وأوضح قائلا: “ما يحدث الآن يمكن تفسيره على أن سيادة مفهوم الانقلابات العسكرية في غرب إفريقيا وخاصة في النيجر مؤخرا تكشف عن غياب الدولة المركزية بهذه الدول، أي غياب دول قوية قادرة على ضمان الاستمرار في ممارسة السلطة بتآلف مع طموحات شعوبها.

وسجل أستاذ العلاقات الدولية، أن النيجر التي سبق أن شهدت انقلابات عسكرية، كانت في الأخير تحت حكم محمد بازوم الذي انتخب عن طريق صنادق الاقتراع وليس عبر الانقلاب العسكري، وكان مدعوما من الغرب وخاصة فرنسا.

مدير عام مركز منظورات للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية، عصام لعروسي

ومن بين الأسباب الرئيسية للانقلابات بالمنطقة، يقول لعروسي، رفض مجموعة من النخب العسكرية بهذه الدول الوصاية الفرنسية، مردفا “وهي نقطة أساسية مشتركة بين انقلابات بوركينافاسو وتشاد ومالي، حيث تتواجد فيها قوات عسكرية فرنسية وفشلت فرنسا من خلال العديد من عملياتها للحفاظ على نفوذها في هذه المناطق.

وشدد المتحدث أن “ما يمكن تسجيله أن هذه الانقلابات سيكون لها تأثير كبير جدا على خارطة النفوذ الجيوسياسي في المنطقة وحتى لو كانت فرنسا ستقوم برد قسري وعنيف لمواجهة الانقلابيين في النيجر، فإن الأمر يشكل خطورة على مدى تماسك واستقرار البلد، خاصة أن مجموعة “سيداو” وفرنسا ومجموعة من الدول استنكرت الانقلاب. وربما فرنسا تفكر في إعادة بازوم للسلطة، ما سيدخل البلد في دوامة من الفوضى والحرب إلى ما لا نهاية، ما سينعكس على باقي المنطقة.

وهناك أيضا، مسألة تتعلق بصراع النفوذ، يضيف لعروسي، مبرزا أن مجموعة من النقاط التي أثيرت بشأن الانقلاب العسكري وإدانة فرنسا والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إكواس” لروسيا وتدخل مجموعة “فاغنر” وهو مايشكل تحديا أساسيا، على اعتبار أنه كيف يمكن أن تكون هذه المنطقة، منطقة نفوذ وصراع بين قوى أخرى كروسيا والصين بعد سقوط كل من افريقيا الوسطى وتشاد وبوركينا فاسو ومالي وانتهاء السيطرة والهيمنة الفرنسية، بحيث نجد الآن الصين وروسيا تحاولان التموقع.

وخلص لعروسي بالقول: “هذا التنافس يشكل حلقة ضعيفة ما سيؤثر على سيادة هذه البلدان الفاشلة التي لا تستطيع الحفاظ على طبيعة نظامها السياسي، وبالتالي أعتقد أن هذه العوامل ستؤثر بشكل كبير على الخارطة الجيواستراتيجية للمنطقة”.

تداعيات مكلفة

من جانب آخر، اعتبر المحلل السياسي المختص فيه العلاقات الدولية عبد الفتاح الفاتحي، أنه يكاد تجمع كل الانقلابات التي وقعت في الساحل والصحراء سيما في بوركينا فاسو والنيجر ومالي على أن التدهور الأمني فيها هو السبب.

وتابع في تصريح لآشكاين “طالما أن العسكريون يلاحظون أن العمليات العسكرية مع فرنسا من أجل مكافحة الجماعات الإرهابية لم تنجح، فإن ذلك كان سببا حقيقيا اعتمد لدى كل الانقلابيين للانقلاب على الحكم المدني الذي يعتبرونه متواطئا مع فرنسا، القوة الاستعمارية التاريخية”.

“ونفس الأمر بالنسبة للشعب الذي لمس أن هناك حالة من اللادمقراطية والتواطؤ مع فرنسا”، يقول الفاتحي.

عبد الفتاح الفاتيحي ــ محلل السياسي\خبير في الشؤون المغاربية

وأكد قائلا: “اليوم التداعيات ستبدو أنها مكلفة بالنظر إلى أن عددا من الدول التي تدعي حماية الشرعية و المشروعية والديمقراطية بهذه المنطقة، هي التي تهدد بتدخل عسكري، ما يسائلنا عن صدقية نوايا هؤلاء الداعين هل فعلا تبتغي تحقيق الديمقراطية والشرعية أم لها مصالح أخرى؟ لأن هذا التساؤل يحدد طبيعة التداعيات بعد تدخل عسكري، سيما أن المنطقة لا يمكن التعويل فيها إلا على قوة عسكرية منظمة ومرتبة لوقف اتساع نفوذ الجماعات الإرهابية المسلحة”.

ويعتبر المتحدث أن أي مساهمة في هشاشة الأنظمة ولو عسكريا سيجعل المجال فضاء مريحا للجماعات المسلحة والتي سيتوسع نفوذها لتشمل باقي المنطقة وسيما الاحتكاك بجماعة “بوكو حرام” في منطقة النيجير ومحيط بحيرة التشاد.

وتابع “هذه الحيثيات هي التي تكشف بأن أي تدخل عسكري وفق ما تنادي به مجموعة “الاكواس” وفرنسا وباقي الدول فيه تهديد خطير للمنطقة من الناحية الأمنية قد تصل إلى شمال إفريقيا والخاصرة الجنوبية لأوروبا وبالتالي سنرى مشكلات كبيرة على مستوى الهجرة غير النظامية والتجارة غير المشروعة بالأسلحة والبشر والمخدرات وبكل ما يتعلق بالجريمة العابرة للحدود..”

وختم الفاتحي قائلا: “أعتقد بأن هذه التخوفات ربما هي التي بدت قبل يومين حين باتت امريكا وإيطاليا ونيجيريا تحت أو تطلب الحل السياسي لتدبير هذه الأزمة”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x