لماذا وإلى أين ؟

العدو الحقيقي للجزائر عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية رغم الثروة البترولية الهائلة

الدكتور محمد بنطلحة الدكالي*

الخطاب السياسي يعتبر من أشكال الخطاب العام، حيث يقوم الخاطب من خلاله بتثبيت تملك السلطة في الصراع السياسي، ويتميز بكونه يقوم على عملية الإقناع للجهة الموجه لها الخطاب من خلال تقديم معطيات موضوعية وواقعية مدعمة بالحجج والبراهين.

ويساهم الخطاب السياسي في توثيق الأخبار الواردة فيه ومنحها شرعية قانونية تساعد في جعلها تتناسب مع الموضوع الرئيسي لهذا الخطاب. وليحقق غايته يجب أن يكون الخطاب السياسي مقنعا حتى يقتنع المخاطب بصدقية الخطاب، كل هذا ضمن سياق متماسك ولغة مقنعة ومنطقية إلى جانب مكونات تعبيرية أخرى كالصورة ولغة الجسد.

ترى هل تمكن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون من خلال اللقاء الدوري الذي عقده مؤخرا مع ممثلي وسائل الإعلام من امتلاك آليات وتقنيات الخطاب السياسي؟

إن الملاحظة الأولى التي تسترعي الانتباه..

أن السيد الرئيس ومن خلال دراسة ملامح الصورة وطريقة الكلام، بدا مرتبكا غير واثق من نفسه، مكثرا العديد من الحركات في الكثير من الأوقات، رغم أن خرجته الإعلامية يبدو واضحا للعيان أنها خضعت للتوضيب والمونتاج. ورغم ذلك أطلق العنان لخيالاته ومستملحاته، حيث قام بتقديم العديد من المغالطات، و أكد أن الجزائر ستنتج مليار و400 مليون متر مكعب من مياه تحلية البحر يوميا، حيث زعم أن بلاده «أصبحت أول بلد إفريقي وثالث بلد عربي في إنتاج المياه باستخدام تقنية تحلية مياه البحر».

وكشف الرئيس عبد المجيد تبون عن الخطوط العريضة لمشروع تعديل قانون الأحزاب ملمحا إلى أن «هناك أحزاب انفجرت إلى عدة أحزاب أخرى وهذا بسبب غياب إسمنت قانوني، سنحاول وضعه في مشروع قانون الأحزاب القادم».

نظرية «الإسمنت القانوني»، والتي سيتنافس العديد من المداحين في شرحها وتبسيطها إلى الشعب المغلوب على أمره، وربما تصبح تخصصا جديدا في علم السياسة، يراد بها تقليص عدد الأحزاب المؤطرة للجماهير والإبقاء على أحزاب السلطة وحدها من خلال وضع شروط تعجيزية في قانون الأحزاب الجديد. ومن المضحكات المبكيات، أن السيد الرئيس صرح بأن بلاده تواجه مؤامرة خارجية كبرى تتعلق بالعدس واللوبيا من خلال التلاعب بأثمانها حتى لاتصل إلى أشقائنا في الجزائر.!إن السيد الرئيس يختزل كل الخيبات والويلات التي يعاني منها الشعب في «العصابة»، أزمة الطوابير وغلاء الأسعار وندرة المواد الاستهلاكية ونهب الأموال وتبديرها، والاستخفاف بأرواح المواطنين جراء الحرائق المنتشرة في كل أنحاء الجزائر.. مردها إلى «العصابة» من الداخل، وإلى عدو خارجي مفترض، حتى عملية الإطفاء المتخلفة يقف وراءها العدو والعصابة !!

السيد الرئيس، نعلم جيدا أنكم بدأتم التسخينات لحملتكم الانتخابية، ونراقب عن كثب حرب المواقع التي يعرفها نظامكم العسكري، لذا أنتم تبررون فشلكم في التسيير عن طريق الالتجاء إلى نظرية المؤامرة بغية تشكيل متخيل جمعي يخدم هذه اللحظة التاريخية من الزمن الجزائري، من أجل تبرير القمع الداخلي وغلاء المعيشة وانسداد الأفق لجحافل العاطلين.

إنها حيلة لم تعد تنطلي على أحد رغم أنكم تضفون الكثير من المساحيق الجمالية على هذا العدو المفترض طلبا لاصطفاف شعبي خلف حكومتكم عن طريق خلق قضايا وهمية تشغل الأشقاء عن مناقشة واقعهم البئيس.

العدو الحقيقي السيد الرئيس، هو عدم القدرة على خلق تنمية حقيقية رغم الثروة البترولية الهائلة والتي كان بإمكانها أن تجعل شعب الجزائر يعيش التقدم والرفاه. العدو الحقيقي هو إهدار الثروات وتكديسها في الأبناك الأجنبية وشراء الأصوات والذمم. العدو الحقيقي هو الفوارق وعدم وجود عدالة اجتماعية وقمع الحراك وإخراس الأصوات الشريفة التي تحذر من انهيار داخلي وشيك.
السيد الرئيس، رجاء وأنت تجيب عن سؤال حول الوعود الـ 54 الشهيرة التي شكلت جوهر برنامج حملتك الإنتخابية السابقة، حيث أكدت أنه تم تحقيق 75 في المئة منها وأن الباقي سيتحقق في عام 2024، تذكر دموع الثكالى وأنين المظلومين والمحتاجين.. انها الحقيقة الغائبة، وإن لم تستحِ.. فقل ما شئت..

*مدير المركز الوطني للدراسات والأبحاث حول الصحراء..

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
علي المغربي الحر
المعلق(ة)
15 أغسطس 2023 03:09

يجب أن نكون صُرحاء مع أنفسنا و مع ضمائرنا قبل الخوض في مشاكل الآخرين، فالجزائر، نعم، تتخبّط في مشاكل سياسية و اجتماعية و اقتصاديّة و غيرها.. و لكنّ السؤال المطروح بِحدّة و بإلحاح هو التالي: هل حقّق المغرب التنميّة الشاملة التي ينتظرها الشعب المغربي و يُنادي بها، من إصلاح للتعليم الذي يُعاني العديد من المشاكل في منظومته التربويّة التي قد وَعدت السلطات بإصلاحها و لم يتِمّ ذلك حتّى اليوم؟ لقد صُرفت أموال طائلةٌ على ما يُسمّى (البرنامج الاستعجالي) و لم يُنجَز منه شيء، و قد مضى على هذا (البرنامج) سنوات.. أمّا المجال الصّحّي فمازال مُهترئاً، بحيث لا يزال العالم القرويّ في مُعظمه يُعاني غياب المستشفيات، لوضع حدّ لِتنقّل مرضاه و حوامِله إلى المُدن عبر مسالك وعرة و غير مُعبَّدة، بالإضافة إلى مُشكل البطالة التي ظلّت نسبتُها مُرتفعة خاصّةً في أوساط الشباب حاملي الشهادات العليا، فأين هي وُعود الحكومات المُتعاقبة التي قطعتها على نفسها، خاصّة تلك التي روّجتها أحزابها أثناء حَمَلاتها الانتخابية؟؟ و هل قضت الحكومة السابقة على ما سمّتهُ آنذاك (العفاريت و التماسيح)؟؟؟

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x