لماذا وإلى أين ؟

تاج الدين الحُـسَـيْني يعدد أسباب صمت المغرب تجاه ما يجري بالنيجر

اختار المغرب أن يبقى على مسافة واحدة من أطراف الصراع بالنيجر، منذ الانقلاب الذي شهدته الدولة الواقعة في غرب إفريقيا في 26 يوليوز 2023، حيث لم يصدر المغرب موقفا واضحا عبر القنوات الدبلوماسية المعروفة.

وبعد توالي الأحداث المتسارعة في النيجر وتدخل أطراف إقليمية ودولية، كان المغرب قد أعرب عن “ثقته في حكمة شعب النيجر وقواه الحية للحفاظ على المكتسبات، وعلى دوره الإقليمي البناء الهام، والعمل على تحقيق تطلعات شعب النيجر الشقيق”، وفق ما صرح به السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية لإفريقيا التابعة للأمم المتحدة، محمد عروشي، في 30 يوليوز 2023، خلال كلمة له خلال اجتماع عاجل لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي حول الوضع بالنيجر.

وباتت الأحداث متسارعة في النيجر، خاصة بعد إعلان قائد الانقلاب الجنرال عبد الرحمن تياني، عن فترة انتقالية تقودها حكومة انتقالية لمدة 3 سنوات، وهو ما رفضته مجموعة الإيكواس، وأكدت أن خيار التدخل العسكري لازال مطروحا على الطاولة رغم تحذيرات تياني من أن “أي تدخل عسكري بالنيجر لن يكون مجرد نزهة”.

ووسط هذه الأحداث المترادفة ظل المغرب يلتزم الصمت الدبلوماسي حيث مازال متريثا في إصدار موقف من الحكومة الانتقالية بالنيجر، وهو ما يجعلنا أمام تساؤل مفاده كيف سيتعامل المغرب مع الحكومة الانتقالية المعلنة بالنيجر.

وفي هذا السياق، ذكر الخبير في العلاقات الدولية، تاجي الدين الحُسَيْـني أن “المغرب كما هو معلوم يتبع سياسية ذات طبيعة احتياطية ترتكز أساسا على التمسك ببعض المبادئ السارية في العلاقات الدولية، بما فيها حسن الجوار وتسوية المنازعات بالطرق السلمية والمعاملة بالمثل وغيرها من المبادئ السارية”.

وأكد الحُـسَـيْني، في تصريحه لـ”آشكاين”، على أن “المغرب التزم الصمت تجاه المضاعفات المرتبطة بقيام نظام جديد ناتح عن انقلاب عسكري، ولو كان المغرب عضوا في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا الإيكواس (سيدياو- CEDEAO) لكانت له مواقف أخرى، ولكن سواء فيما يتعلق بالبعد الجغرافي أو هذه النزعة الاحتياطية للدبلوماسية المغربية تركته لا يعبر عن مواقف صارمة”.

مضيفا أن “هذا موقف مسؤول وفي نفس الوقت يحفظ المصالح الحيوية بالطرق المثلى، لسبب بسيط، هو أن عدة دول إفريقية عرفت انقلابات عسكرية قبل النيجر، منها بوركينافاسو ومالي، ولكن لم تتدخل لا مجموعة سيدياو (الإيكواس) ولا الاتحاد الإفريقي رغم توفره على مجلس الأمن، ولا حتى الأمم المتحدة”.

وأوضح أن “مسألة قيام انقلابات عسكرية في بلدان إفريقيا عملة سارية في هذه العلاقات، لدرجة أن إضفاء الشرعية سرعان ما يتم تحقيقه للنظام الجديد، وحتى إمكانية عودة السلطات للمدنيين عبر انتخابات سابقة لأوانها او مرتجلة”.

وتابع أن “الوضعية  في النيجر لها خصوصية استثنائية، وهي أن الأمر يتعلق بنزاع مباشر في مواجهة فرنسا، والتي كانت تستغل لعدة عقود الموارد المعدنية لهذه المنطقة بما فيها الماس و اليورانيوم، لدرجة أن المصالح  العليا لفرنسا قد تتضرر بهذه القطيعة، والتي تتمثل في التزود بالكهرباء، لأن النيجر تساهم بمنتجاتها بما يقارب ثلثي الاستهلاك الكهربائي في فرنسا، والثلث من المفاعلات النووية تعتمد على اليورانيوم النيجيري”.

ونبه الخبير في العلاقات الدولية نفسه، إلى أن “الموضوع يظهر بأنه خرج عن إطار تسوية تتدخل فيها لا سيدياو (الإيكواس) ولا بدعم من فرنسا، بل هناك قوى كبرى أصبحت لها أهمية في مناقشة الموضوع واتخاذ القرار فيه، ونعني بذلك الولايات المتحدة الأمريكية، حيث ظهر منذ الوهلة الاولى أن هناك تعاطفا بين النظام الجديد ونائبة كاتب الدولة التي اجتمعت مع المعنيين الامر”.

وأردف أن “الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون لها مواقف أخرى، خاصة أن فرقاء إقليميين يرفضون استعمال القوة من طرف “سيدياو”(الإيكواس) بما فيها تلك الدول التي عرفت انقلابات عسكرية مثل مالي وبوركينافاسو، وإحدى الدول المهمة في المنطقة التي لها تسلح من الأهمية بما كان، وهي الجزائر، التي رفضت أيضا بشكل مطلق استعمال القوة”.

ويرى الحُـسَـيْني  أن “هذا الحرج الذي يطرحه الموضوع جعل المغرب يتخذ هذا الموقف دون أي قرار في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، وهناك من يقول إن الولايات المتحدة قد تكون المستفيد الأكبر، لأنها تربط علاقات مفضلة مع الانقلابيين في شكل الحكومة الجديدة المعلن عنها، ويتم الآن التفاوض فقط فيما يتعلق بإضفاء الطابع الشرعي للسلطة عن طريق انتخابات جديدة وتحجيم تلك المدة في التي حددها الانقلابيون في 3 سنوات، وربما مع تقليص هذه المدة قد تتعاون معهم الولايات المتحدة الامريكية في المستقبل”.

واعتبر المتحدث أن “فرنسا ربما حُشِرَت في الزاوية، بل حتى مجموعة “سيدياو”(الإيكواس)، التي ترى نفسها مغلوبا على أمرها في وجود إمكانية لتصريف الملف عن طريق تدخل أمريكي، وباقي البلدان الأخرى بما فيها الصين وروسيا، علما أن روسيا حتى لو لم تجهر بمواقف معلنة باستثناء دعم الانقلابيين، إلا أنها تظل معنية بالأمر، لان قوات فاغنر التي يفترض أن تحتل المواقع الفرنسية ستكون تحت سيطرتها وإشرافها”.

وأردف أن “البعض يتساءل عن مصير 1500 جندي تابع لفرنسا والتي ظلت بعين المكان، وترفض فرنسا لحد الآن سحبهم، متمسكة بكونها وقعت بخصوص ذلك اتفاقية مع الحكومة الشرعية، وأنه لا يحق للانقلابيين أن يغيروا هذا الواقع”.

وأبرز أن “الوضع مشحون بالتوترات، خاصة أن كل طرف له نصيب في التعامل المستقبلي مع هذا الملف، فمثلا الجزائر تعتبر النيجر، المتضامنة معها، بمثابة مطية مهمة لتحقيق أحلامها في مد أنبوب للغاز من نيجيريا نحو أوروبا عن طريق النيجر والجزائر، كما أم هذا الموقف قد يضر بالمصالح المغربية لأن تعويض أنبوب بآخر قد تكون له مضاعفات في استمرار الطرف الآخر”.

وخلص إلى أن “المغرب أحسن صنعا باستمراره في تلك الدبلوماسية الهادئة في انتظار أن تتطور الأمور، على أساس الاستمرار في العلاقات القائمة عل الاحترام المتبادلة وعلى المعاملة بالمثل وعلى تسوية أي منازعات بالطرق السلمية فقط، وهو ما يستطيع  المغرب من خلال هذه الدبلوماسية أن يربح، سواء المجموعة الجديدة إن هي قامت بإضفاء الشرعية على حكمها أو حتى في حالة استعادة الرئيس المخلوع، وهو أمر صار مستبعدا، لأن كل يوم يمر إلا ويستبعد معه إمكانية عودة الرئيس المخلوع الذي سارع الإنقلابيون بالتهديد بتقديمه للمحاكمة من أجل الخيانة العظمى”.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
23 أغسطس 2023 13:05

موقف الصمت هذا هو الذي جعل الجارة الشرقية تلصق بالمغرب كل المواقف وتؤول الى الباسه مواقف لم يعبر عنها، كأن تتهمه بتسهيل عبور الطائرات الفرنسية لضرب الانقلابين بالنيجر، وقد تلسق به مع حلفائها المارقين مواقف اخرى، لذلك حتى وإن سلك المغرب موقف الحياد كان عليه ان يعبر عن ذالك من خلال خارجيته حتى لا يترك مجالا للتأويل وتهويل صمته من طرف من ضلو يؤولون حتى حركة الرياح التي تهب عليهم من المغرب.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x