لماذا وإلى أين ؟

“مزاعم من وحي الأوهام”

محمد العطلاتي

لا شك أن العالم المعاصر لم ينتبه، لخطر الإرهاب الظالم الذي يهدد سلام حياة و طمأنينتهم إلا بعد حادث برجي مركز التجارة العالمي اللذين انهارا حين صدمتهما طائراتا نقل مدنيتان كان إرهابيون من فصيلة القاعدة قد اختطفوهما، و انتهى الأمر بمأساة مقتل و فقدان الآلاف من الأرواح البريئة و المُسالِمة.

بعد مرور أزيد من عقد من الزمن على الحادث الإرهابي المؤلم، و بعد استيقاظ المجتمع الدولي من هول الصدمة الفاجعة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 2006 استراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب، و تم التأكيد، من خلال هذه المبادرة، على أنه “لا يجوز و لا ينبغي ربط الإرهاب بأي دين أو جنسية أو حضارة أو جماعة عرقية”، و الملاحظ، في هذا الخصوص، أن الخطة سعت للتأكيد على هذا “الموقف الموضوعي”، في محاولة من صانعيها لتفادي الوصول إلى الشروط الملائمة لانتعاش الحركات الإرهابية تحت مبرر المقاومة و الجهاد، إذا تم ربط الإرهاب بجهة عرقية، جنسية، أو دينية.

غير أن الحقيقة، التي حاولت “الاستراتيجية ” تفادي الإشارة إليها بصريح العبارة، لأسباب، سياسية في المقام الأول، هي في واقع الأمر حقيقة ثابتة و لا يعلوها أي غبار، فالإحصاءات المتعلقة بالأعمال التي تكتسي صفة “عمل إرهابي” تثبت أنها عمليات، في الغالب الأعم، منسوبة للتنظيمات المؤسسة على عقيدة دينية تكاد تكون الوحيدة من بين معتقدات أخرى هي الديانة الإسلامية. فما السر في ذلك؟

يمكن القول أن أزمة الفكر الديني لدى الحركات الإرهابية، و المنتسب منها للإسلام بشكل خاص، هي أزمة مزمنة و غير قابلة للتجاوز أو للإصلاح، لأن كل هذه التنظيمات الإسلامية تأسست على مبدأٍ مُتَحَجِّرٍ واحد، يقوم على تمجيد الأنا و الماضي و الطعن في الآخر و الحاضر، كيف ذلك؟

إن الخطاب الذي روجته الحركات الدينية المنتسبة للإسلام، هو خطاب ماضوي بئيس للغاية، خطاب يحاول تصوير فترة “الخلافة الراشدة” من تاريخ الدولة التي أسسها الرسول بالمدينة، و كأنها فترة مثالية في إدارة شؤون الناس و حماية مبادئ العدل و الإنصاف، و هذا كان تصويرا مبالِغاً في الكذب و في تجاهل الحقائق التاريخية و تحويرها وتزييفها، فدعاة الفكر الظلامي يزعمون أن مجتمع الخلافة كان مجتمعا يسود فيه العدل و تغمره الرفاهية من كل جانب، و يتناسون، في المقابل، أن القريشين انقلبوا على مبادئ العدل و انخرطوا في البحث عن مواقع الزعامة، و الرسول لم يدفن بعد، و نسبوا أحقية خلافته لقريش دون غيرها من القبائل، بل إنهم أطاحوا بالخليفة سعد بن عبادة الذي انتخبه الأنصار، و ولوا مكانه أبا بكر الصديق، صهر الرسول، وذلك قبل أن يوصي الأخير بالخلافة من بعده لعمر بن الخطاب، و يكون عمر المسؤول عن نفى سعد بن عبادة، الخليفة المُنْقَلبِ عليه، من مدينة كان من وجهائها، وذلك قبل اغتياله في الشام و نِسْبة هذا الاغتيال السياسي، الأول من نوعه للجِّن، بل إن ابن الخطاب، قائد الانقلاب، أنكر دور الأنصار في حماية الرسول و استقبال المهاجرين الفارين من مكة في المدينة، وهذا قبل أن ينتهي أمره باغتياله هو الآخر، و هذا كله قبل اغتيال الخليفة الثالث عثمان بن عفان، اغتيال أعقبه اغتيال للخليفة الرابع علي بن أبي طالب زوج أعز بنات الرسول، تحت ذريعة الانتقام لدم عثمان، لتنتهى أحوال الخلافة بسلسلة اغتيالات متتابعة !

إن تصوير مرحلة، ما بعد وفاة الرسول، والصراعات التي قادها أشخاص مبشرون بالجنة، بكونها خلافة راشدة، لم تكن، في حقيقة الأمر، لا رشيدة و لا راشدة ، بل هي مجرد “مزاعم من وحي الأوهام”.

الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

 

 

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

2 تعليقات
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
علي المغربي الحرّ
المعلق(ة)
26 أغسطس 2023 19:25

أمريكا هي التي صنعت مفهوم (الإرهاب)، الذي لم يتمّ بعدُ تفسيرَه، فكلٌّ يفسّر ما يُسمّى (الإرهاب) من زاويته الفكرية و السياسية…. ابتكرت أمريكا هذه العصا (الإرهاب) لتضرب بها كل من لا يتماشى و نهجها السياسي، فأصبحت تتّهم كل دولة تعصي أوامرها ب(الإرهاب) و تقوم بإدراجها في لائحتها السوداء و تفرض عليها عقوبات اقتصادية و سياسية و إيران نموذجاً.
كما أخذت الدول غير الديمقراطية هذه “العصا” لتضرِب بها كل من يُخالف سياستها و ينتقد مُمارساتِها من شعوبها المقهورة، فأضحى الاتهام بالإرهاب شيئاً ضروريّاً للقضاء على المعارضين لسياسة أمريكا من الدول و “الحركات” و ضرورة مُلِحّة لدى الدول الاستبدادية للقضاء على معارضيها من شعوبها.

احمد
المعلق(ة)
23 أغسطس 2023 12:49

الارهاب لادين ولا جنس ولا عرق له، بل هو يخترق كل الديانات وكل الاعراق والاجناس
ويلبس كل اللبوسات التي قد تقوي شوكته و تمدد انتشاره وما لم يشر اليه المقال هو ان الارهاب يكون ايضا باسم اديولوحية ما، قومية او اشتراكية كما حدث وتفشى بعد الحرب العالمية الاولى واستمر الى نهاية السبعينات لتحل محله الارهاب الديني المسيحي الذي انطفا بسرعة في امريكا اللاتنية تم حل بعده الارهاب في بلاد المسلمين بانتشار الاسلام السياسي الذي مازال قائما الى اليوم، وفي كل الاحوال يبقى الارهاب له مبررات ودوافع خارج العقائد كلها، ويوم سيلجأ الناس الى معالجة الاسباب الحقيقة الكامنة وراء اي ارهاب كيفما كانت جنسيته وعقيدته ستنتهي كل اشكال الارهاب وسينتظم الناس ويحتكمون الى اليات وقوانين تنظم سلوكهم السياسي من سلوك عنيف يروم القتل والترهيب الى سلوك يروم التفاهم والتوافق والترغيب.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

2
0
أضف تعليقكx
()
x