لماذا وإلى أين ؟

عامان على إعلان الجزائر قطعَ العلاقات مع المغرب .. من الخاسر في المعادلة؟

بحلول يوم 24 غشت الجاري، تكون قد مرت سنتين على إعلان السلطات الجزائر عبر وزير خارجيتها انداك؛ رمطان لعمامرة، قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية من جانب واحد، بسبب عدد من الذرائع والأسباب الواهية والتي نفاها المغرب جملة وتفصيلا، منها ارتكاب “أعمال غير ودية وعدائية” ضد الجزائر، حيث قال العمامرة؛ “لقد ثبت تاريخيا أن المغرب لم يتوقف عن القيام بأعمال غير ودية وعدائية ضد الجزائر”.

بعد مرور شهر واحد على قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، أعلنت الجزائر مرة أخرى؛ إغلاق مجالها الجوّي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، متّهمة المملكة بمواصلة “الاستفزازات والممارسات العدائية” تجاهها، في تصعيد جديد للتوتّر بين الدولتين الجارتين.

مد اليد مقابل قطع الأرحام

أمام كل الإتهامات التي وجهتها السلطات الجزائرية لنظيرتها المغربية، لم تنجر هذه الأخيرة للمعاملة بالمثل؛ بل لم ترد حتى عن التهم التي بقيت معلقة دون دليل، أكدت الأشهر والسنوات زيفها، والتزمت الصمت أمام كل التصريحات وحتى التهديدات بالحرب من جهة الجزائر.

أول رد مغربي رسمي عن كل ما قامت به الجزائر، جاء من لسان رئيس الحكومة السابق؛ سعد الدين العثماني الذي اعتمد على خطابا رئيس الدولة المغربية؛ الملك محمد السادس، حين قال إن “المغرب يعتبر بأن استقرار الجزائر وأمنها من استقرار المغرب وأمنه واستقرار المغرب وأمنه من استقرار الجزائر وأمنها”.

وفي عدد من الخطابات لأعلى سلطة في المغرب، يتم تخصيص رسائل إلى المغاربة توصيهم فيها خيرا بإخوانهم الجزائريين حيت قال الملك محمد السادس في إحدى خطبه: “أهيب بالمغاربة، لمواصلة التحلي بقيم الأخوة والتضامن وحسن الجوار، التي تربطنا بأشقائنا الجزائريين؛ الذين نؤكد لهم بأنهم سيجدون دائما، المغرب والمغاربة إلى جانبهم، في كل الظروف والأحوال”، وإلى الجزائر قيادة وشعبا، حيث قال “إن ما يقال عن العلاقات المغربية الجزائرية، غير معقول ويحز في النفس. ونحن لم ولن نسمح لأي أحد، بالإساءة إلى أشقائنا وجيراننا، وبالنسبة للشعب المغربي، فنحن حريصون على الخروج من هذا الوضع، وتعزيز التقارب والتواصل والتفاهم بين الشعبين”، مضيفا “إننا نتطلع، للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”.

وكل سنة تواصل الممكلة المغربية بقيادة الملك محمد السادس، مد يد التعاون مع الجزائر، حيث دعا العاهل المغربي محمد السادس الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى زيارة المغرب من أجل “الحوار”، وخصص فقرة أخرى من خطابه أكد فيها من جديد للجزائريين، قيادة و شعبا، أن “المغرب لن يكون أبدا مصدر أي شر أو سوء؛ وكذا الأهمية البالغة، التي نوليها لروابط المحبة والصداقة، والتبادل والتواصل بين شعبينا”. مضيفا “ونسأل الله تعالى أن تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فـتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين”.

من خلال ما سبق، يتضح أن طرف يحاول تطبيع العلاقات وتجويدها من خلال بناء اتحاد مغاربي سيعود بالنفع على شعوب المنطقة، من خلال سياسة مد اليد والدعوة إلى الحوار وفتح الحدود التي يتبناها المغرب بقيادة الملك محمد السادس، في حين يحول طرف ثاني تجاهل هذه الدعوات واجهاد كل محاولة للإصلاح العلاقات وتطويرها إلى الأحسن؛ وهي السياسة التي يتبناها النظام الجزائري على اختلاف الرؤساء.

خسائر عظيمة في “حرب باردة”

طبعا، في كل حرب هناك خسائر للأطراف المتصارعة والمتحاربة؛ حتى في “الحرب الباردة” كما هو وضع العلاقات المغربية الجزائرية، وبالتالي لن ينكر أحد أن هناك خسائر كبير للطرفين، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو حجم الخسارة بسبب قطع العلاقات الدبلوماسية وغلق الحدود الجوية والبرية والمنافسة الدبلوماسية على الصعيد الدولي بين البلدين؟

الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية؛ أحمد نورالدين، يرى ان المغرب والجزائر تكبدتا خسائر على مستويات عدة، وعلى المستوى الإقتصادي مثلا؛ فالبنك الدولي يقدرها بنقطتين سنويا من الناتج الوطني الخام لكل بلد جراء إغلاق الحدود البرية فقط، أما الان مع قطع العلاقات وإغلاق حتى المجال الجوي فقد تراجع حجم المبادلات التجارية بحوالي ٪80، وقد يصل إلى نقطة الصفر.

وفي الجانب الطاقي، يضيف نورالدين في حديثه لـ”آشكاين”، فقد تضررت الجزائر كثيرا جراء تقلص صادرات النفط ومشتقاته تجاه المغرب من حوالي 600 مليون دولار إلى أقل من 80 مليون دولار، بالإضافة إلى خسائر كبيرة بمليارات الدولارات المترتبة عن إغلاق أنبوب الغاز العابر للمغرب باتجاه إسبانيا؛ والذي كان ينقل حوالي 10 مليارات متر مكعب سنويا، مشيرا إلى أن المغرب كذلك تضرر لأنه كان يأخذ مقابلا عن عبور الغاز وكان يستفيد من سعر تفضيلي في جزء من استهلاكه، ولكن لا مجال للمقارنة مع خسائر الجزائر في هذا الجانب.

الخبير في العلاقات الجزائرية المغربية لم يغفل الجانب الإنساني في توتر العلاقات بين البلدين، حيث أكد أن هناك خسائر أكثر فداحة على المستوى الإنساني بسبب قطع الأرحام التي تسبب فيها قرار غلق الحدود، مبرزا أن ذلك حرم آلاف العائلات التي تجمعها قرابة أو مصاهرة على جانبي الحدود من التواصل فيما بينها مع ما يعنيه ذلك من مأساة إنسانية.

ويعدد المتحدث خسائر هذه “الحرب الباردة”، حيث يرى أنه على المستوى السياسي تم إطلاق رصاصة الرحمة على الإتحاد المغاربي بعد سحب الجزائر آخر موظفيها من مقر الإتحاد، وبعد إصدار بيان لوزارة الخارجية الجزائرية تهاجم فيه الأمين العام للاتحاد المغاربي؛ الهادي بكوش، وتصف فيه الإتحاد المغاربي بالميت.

أحمد نورالدين ــ خبير في العلاقات المغربية الجزائرية

وسلط المصدر الضوء على الخسائر في الجانب الأمني والعسكري، حيث تضاعف الإنفاق العسكري، بحسبه، ليصل إلى أزيد من 30 مليار دولار من الجانبين، بسبب تزايد مخاطر الحرب الاقليمية الشاملة بعد إطلاق النظام العسكري الجزائري تهديدات بشن الحرب على المغرب وشروعه بالفعل في حشد الجيوش والمعدات على الحدود. وهو إنفاق ينهك اقتصاد البلدين في ظروف دولية غير مستقرة.

شر في ظل الخسائر

وبالرغم من الخسائر تكبدتها كلا من المغرب والجزائر، إلا أن نورالدين يعتبر أن الجارة الشرقية وصلت إلى حافة الانهيار الشامل بعد هذه “الحرب الباردة” المستمرة، قائلا إن “بلد يسبح فوق بحر من النفط والغاز ويعجز عن شراء طائرات “كنداير” لإطفاء حرائق الغابات هو بلد ليس على ما يرام، وبلد تعجز فيه الدولة عن تأمين الحاجيات الاساسية للمواطنين من أبسط المواد الأساسية مثل الزيت والحليب أو بعض الأدوية، فهو بلد لا تبشر أوضاعه بالخير”.

“أما العدس والفاصوليا؛ فقد أصبحا من ملفات أمن الدولة إلى درجة أن رئيس الدولة عبد المجيد تبون خصهما بندوة صحافية منذ أقل من شهر”، يسترسل متحدث “آشكاين”، مستدركا “المواطن الجزائري أصبح مجبرا للحصول على كيس من العدس أن يتكتل مع خمس عائلات وأن يدفع الثمن عبر بنك تابع للدولة”.

ويرى الخبير في العلاقات المغربية الجزائرية، أن “بلد وصل فيه الصراع بين أجنحة الجيش حد اغتيال جنرالات وفرار آخرين نحو أوروبا والزج بثلاثين جنرالا آخر في السجون، ويوجد فيه أزيد من 300 صحافي وناشط حقوقي خلف القضبان، لهو جدير بأن نشعر بالقلق تجاهه بل أضحى أقرب إلى بركان يوشك أن ينفجر فيدمر ما حوله”.

وبناء على هذه المؤشرات المرعبة، يحذر نور الدين مما وصفه بـ”شر قد اقترب من حدودنا الشرقية”، مردفا “علينا أن نأخذ كل الاحتياطات لمواجهة تدفق مئات الآلاف إن لم نقل الملايين من المهاجرين الجزائريين حال انهيار الدولة”، وفق تعبير المتحدث.

مستقبل القطيعة والعداء

وحول أفق هذه القطيعة التي تعرفها العلاقات الدبلوماسية المغربية الجزائرية التي استمرت بشكل رسمي سنتين، يرى أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، خالد الشيات، أن القطيعة وتوتر العلاقات مع المغرب “كان هدفا استراتيجيا جزائريا من الطبيعي أن يستمر لسنتين وبقي وسيبقى”، مضيفا أن “الجزائر لن تقبل بأي وساطة ولا أي دور لتطبيع العلاقات”.

خالد الشيات ـــ أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية

الشيات يبرر طرحه باستمرار قطع العلاقات المغربية الجزائرية، بأن “العداء مع المغرب يشكل ألية أساسية لضمان استمرارية الوجود السياسي في المنظومة السياسية الداخلية الجزائرية”، مشيرا إلى أن “النظام الجزائر سعى دائما إلى صناعة عدو خارجي، وهو المغرب، وقد نجح في تمديد العداء من المستوى السياسي إلى مستوى اجتماعي عبر خطاب كراهية”.

ويشدد أستاذ العلاقات الدولية في حديثه لصحيفة “آشكاين” الرقمية، على أن العداء ضد المغرب “يخدم السياسة الداخلية للجزائر لأنه مهم لبقاء واستمرار النظام العسكري بالجارة الشرقية من الناحية الوجودية”، مبرزا أن ذلك ما يفسر قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود البرية والجوية واتهام المغرب بكل الشرور التي يمكن أن تلحق بالجزائر”.

وخلص الشيات إلى التأكيد أن الجزائر “يمكن أن تضحي بكل شيء من أجل استمرار العداء واستفحاله مع المملكة المغربية ومواصلة الخطاب العدائي ضدها على مستويات متعددة، سياسيا واجتماعيا، والعمل على تكريس الصورة النمطية عن المغرب والمغاربة باعتبارهم أعداء الجزائريين ويشكلون تهديدا مباشرا للدولة الجزائرية، لأن ذلك ما يضمن استمرار النظام الحاكم هناك”، وفق تعبير المتحدث.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x