لماذا وإلى أين ؟

تفاعلا مع افتتاحية التيجيني حول الحماس المفرط في مغرب الفايسبوك

يسعدني مشاركتكم النقاش العام المرتبط  بما أصبح يصطلح عليه بالإجماع مقاطعة المنتوجات الاستهلاكية ( دانون – سيدي علي – وقود افريقيا) التابعة لشركة فرنسية و لشركتين مغربيتين و هو الفعل الذي أحدث استثناء مستجدا في علاقة المغاربة  بالمنتجات الاقتصادية المعروضة وطنيا، و شكل كذلك حدثا مؤثرا على الرأي العام الوطني و الدولي لكونه استحوذ من حيث التناول و النقاش و تباعدالمفاهيم و أسس الدفاع أو المعارضة لهذا النوع من الاحتجاج الناعم و الغير ملموس من حيث الأشخاص الداعين له أو المتفاعلين معه، على باقي القضايا و المواضيع المؤثرة على المواطن المغربي سياسيا و اجتماعيا.

و لكون كلام العقلاء يجد له معنى إذا انصب على أساس الحدث و الموضوع وفق مبدأ الحوار البناء.

لذاألتمس منكم قبول ما سأقدمه لكم من رأي مقتضب و واضح التصور الشخصي للموضوع الذي تناولتموه و ذلك بغاية تعميق النقاش و تطويره و الوقوف على أبعاد الظاهرة الفايسبوكية بالصيغة المغربية و الاستفادة من الدروس و تقديم مقترحات الحلول و التي حسب قناعتي كثيرة و سهلة و في المتناول.

أولا: التعريف من باب التقريب في التواصل:

عبد ربه اسمي الكامل: مصطفى يخلف محامي بهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير و كلميم و العيون، رئيس الجمعية المغربية “حوار”، أستاذ زائر بكلية الحقوق بالمحمدية، مهتم و مشارك في الأنشطة الحقوقية ، المدنية و الاجتماعية المنظمة سواء من الجمعية المغربية “حوار” أو الجمعيات و المنظمات الفاعلة وطنيا و التي كان لنا شرف الحضور فيها.

ثانيا: بخصوص بعض النقاط التي تناولها مقطعكم التواصلي الإعلامي فسيتم تقسيمها إلى فقرات تيسيرا للفهم و التجاوب في الطرح و استخلاص النتائج.

1- الظاهرة الفايسبوكية:

لا يمكن حجب الشمس بالغربال كما يقول المثل المغربي، فالتواصل الاجتماعي المسمى “الافتراضي” عن بعد أو الممنهج أو الذكي أو الاستعباد الذهني الغير المرئيو الذي أصبح ظاهرة إنسانية بامتياز لها قوتها الخارقة في التأثير (السلبي – الإيجابي) و أكبر خطر يهدد المصالح و المراكز السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للدول و المؤسسات و الأفراد.

و الدليل أنه البوز لم يكن ليكسب شخصا عاديا بسيطا شهرة و نقلة فجائية من الإشهار و المعرفة لولا العالم الأزرق و أخواته  من آليات التواصل الاجتماعي الأخرى، و نفس الملاحظة على الأنظمة و المؤسسات و الشخصيات العالمية التي هوى بها العالم الافتراضي من القمة إلى الزوال و الاندثار.

و لكون المغرب و بالأخص المغاربة ينتمون لهذا العالم، و لهم باع و شأن كبير في الإنجازات و المهارات المرتبطة بالعالم الافتراضي فلا يمكن استثنائهم من هذا التعميم بل يمكن التخصيص و الإشهادلهم أنهم فاعلين فيهوضوحا جهارا و بشهادة الجميع.

إذن الفايسبوك ظاهرة بكل معانيها اللغوية و الاصطلاحية و الدلالية، أثرت و تؤثر في المغاربة أكثر من غيرها من الوسائل المباشرة أو الغير مباشرة في التواصل.

و لأقربمنكم الفكرة و النتيجة الحتمية لهذه الظاهرة فقد سبق للجمعية المغربية “حوار” أن نظمت دورات تكوينية في مجال حقوق الإنسان و طرحت على المستفيدين من هذه الدورات السؤال التالي:

في حالة أن العالم انتهى بالفناء بسبب الحروب المدمرة بين الأنظمة و الشعوب و لم يبقى منه إلا هذه المجموعة التي تخضع للتكوين و قررت هذه الأخيرة فيما بينها إعادة رسم و تحديد قواعد التعايشبين الناس من خلال مبدأ احترام حقوق كل فرد منها كإنسان، فما هي ثلاثة حقوق يرى كل واحد منكم أنه لن يستطيع العيش بدونها؟ فكانت المفاجأة أن الغالبية من المشاركين اعتبروا أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أولى الأولويات و أن الهاتف المحمول أولى الأولويات و أن الريزو أولى الأولويات.

و هي النتيجة التي تعطي لكل مهتم أو باحث في علم الاجتماع أو علم النفس أو الظاهر الاجتماعية أرضية صلبة كأساس لتوجيه المجهود و التركيز في الأسباب و تحليل المعطيات و تفريغ النتائج.

و للإشارة: المستفيدين من هذه الدورة محامين – قضاة – جمعويين – أساتذة التعليم.

لذا فإن الحماس المفرط للمغاربة مع الفايسبوكليس وليد موضوع المقاطعة و إنما هو سلوك إجتماعي جديد أصبح من الأولويات في مفهوم الحياة عند المغاربة، أكثر من المال و العمل و الزواج و النجاح و الشهرة أو غيرها من الأولويات.

2- الأمن الرقمي:

المغرب كباقي بقاع العالم عرفت فيه الجريمة و أشكالها و مجالات تطبيقها تطورا لم يحد بعيدا عن تطور آليات التواصل الاجتماعي من حيث السرعة و الخطورة، و هي الواقعة التي تنبأ لها المشرع المغربي في المادة الجنائية و أقر لها عقوبات صارمة و ستزداد صرامة بعد المصادقة النهائية على تعديلات القانون الجنائي موضوع  النقاش البرلماني و العمومي الحالي.

و لكون الأمن العام من اختصاص الدولة فإن الامن الخاص أفرد له المشرع الدستوري ضمانة خاصة أو كلها للقاضي بمقتضى الفصل 117 من الدستور و اعتبر بأنه هو الضامن للحريات و الحقوق و الأمن القضائي وفق التطبيق السليم للقانون و بشكل متساوي بين جميع المغاربة كما جاء بالفصل 6 من نفس الدستور.

لذا فإنه الأمن الرقمي سيتبعه الامن العام و يتبعهالأمن القضائي و هي مفاهيم و مستجدات قانونية راقية من حيث الدلالات و فريدة من حيث الضمانات التي أصبح يتمتع بها المواطن المغربي حفاظا على حريتة و حقوقه و المختلفة.

3- في التحجير على حق المغاربة  في الاختيار:

المتتبع المحايد و المواكب للمقاطعة و ما سبقها و ما لحقها من تعاليق و تصريحات و تشنجات و مطبات سقط فيها هذا الفريق أو ذاك سواء كان مع أو ضد المقاطعة فإنه سيقف على ما يلي:

– أن فئة من المغاربة لم يصلوا بعد بشكل عادل إلى مفهوم  الحق في الاختيار الحر للفرد لشراء ما يريد أو رفض شراء ما لا يريد.

– أن فئة من المغاربة لا يحترمون حق الاختلاف.

– أن فئة من المغاربة تعشق أن تكون في مصاف القائد و لا ترضى أن تكون في منصفة المتفرج أو القابل باختيارات الآخر ……….

– أن شعارات الحرية الفردية (مع التحفظ الكامل في الفهم الخاطئ الذي سوق لها) عند فئة عريضة من المغاربة لا يستعمل إلا إذا اقترن بالمصلحة الذاتية إما للمؤسسة أو الشخص.

– أن مفهوم حرية السوق الغلبة فيه لمن له أقوى إشهار و أفضل منتوج و أقل ثمن و أحسن تواصل مع المستهلك بشكل مباشر دون حاجة إلى رافعات من هنا و هناك.

– أن الاحتكار لم يعد له معنى واحد و إنما من خلال ظاهرة المقاطعة موضوع الجدل أصبح له عند المغربي كمستهلك مفاهيم زئبقية تتغير معانيها من شخص لشخص و من فئة لفئة و من جناح لجناح و الغريب أنها تتغير حتى داخل نفس المكون السياسي المدبر للشأن الحكومي و هو ما يجعل المعذب فوق الأرض المغربية هو  الذي ينطلق في التحليل من ضبط المفاهيم و تحديدها لإبراز الإشكاليات و تحليلها.

– أن فئة من المغاربة يعشقون ويتلذذون  ويتفنون في التحجير على باقي إخوانهم من المواطنين و العجيب في التحجير بالمفهوم المغربي و هو أنه متنوع و متغير و متجدد من قبيل:

– التحجير في مفهوم النضال و الحق فيه.

– التحجير في الممارسة و المشاركة السياسية.

-التحجير في التفاعل مع متطلبات المجتمع.

– التحجير من مفهوم أولويات الإصلاح.

– التحجير في مفهوم الدين و شكل ممارسته.

– التحجير على حق الاختيار أو رفض المقاطعة أو قبولها للمنتوجات المعروضة.

– التحجير في مفهوم حقوق الإنسان و حدودها.

– التحجير في مفهوم الاختلاف و الإيمان بقيمته.

– التحجير في تقبل النقد و تحمل سهامه.

– التحجير في وجوب المراجعة الذاتية للاختيارات و البرامج و استراتيجيات العمل.

– التحجير في مفهوم المدرسة و التعليم و الثقافة و دورها في المجتمع.

و لعلنا لو لم نقف قصرا عند هذه الأنواع من التحجير التي نعتبرها كفيلة بإيصال الفكرة لربما قد نصل إلى مفهوم التحجير في وجود المواطن المغربي أصلا كإنسان.

4- في ضعف التواصل لدى الشركات المعنية:

من البديهيات الاقتصادية أن كل تاجر أو شركة تجارية أو تجمع اقتصادي، أن يكون في منظومته وضع احتمال المخاطر الغير محتملة أثناء الممارسة التجارية المباشرة و الغير مباشرة.

و لكون رفض المستهلك لأي منتوج أو تراجعه على استعماله، من أولى الاهتمامات التي يؤسس عليها المنتج و البائع بعده علاقته بالمستهلك المستفيد منه.

و الغريب في موضوع المقاطعة أنها كشفت لنا هشاشة الفاعلين الاقتصاديين الثلاثة أصحاب العلامات التجارية، التي حصرت بشأنها سهام التشكي و التظلم و الرفض و المقاطعة و هي (شركة دانون – شركة سيدي علي – شركة أفريقيا)، مع تسجيل خلط المقاطعين في مرات عديدة، و عن قصد، ما بين الشخص المعنوي الشركة و أحد المساهمين أو المالكين لها و ذكرهم له بالاسم و الصفة،بقصد  الربط بينهما و إيصال رسائل في غالبيتها مشفرة، و في حالات خاصة واضحة، تفيد إعلامنا و إفادتنا، بتداخل السياسي مع الاقتصادي مع المالي، مع الاستفادة من مصدر القرار، و هي مسألة لن نكون عادلين إذا ناقشناها في سطور احتراما لقواعد الطرح العلمي للموضوع و استحياء من التطفل على ذوي الاختصاص من الاقتصاديين و علوم السياسة و الفكر.

أن الشركات المعنية بمنتوجات المقاطعة أبانت عن افتقارها الذريع لبنيات التواصل الاحترافية المختلفة قبل و أثناء و بعد المقاطعة.

أن الشركات المعنية بمنتوجات المقاطعة أبانت عن ضعف إنجازها دراسات التوقع المسبق و عوارضه و الآليات الاستباقية للهروب من الأزمة، و في هذا الباب فقط يمكنها ترجع إلى الأزمة الاقتصادية العالمية و ظروف انتشارها قي الحقبة ما بين الحرب العالمية الأولى و الثانية (سنة 1929) .

أن الشركات المعنية بالمقاطعة تكاسلت في البحث عن الحل الاقتصادي و اختارتالإختباء وراء الحلول السياسية و هو ما كان له انعكاس سلبي كرس لذا المقاطعين مفهوم تداخل السياسي في الشأن الاقتصادي.

لذا فإن أصحاب هذه العلامات التجارية في اعتقادنا هم من أضافوا للحطب البنزين، بسبب خرجاتهم الغير مدروسة ،لا من حيث الأشخاص أو لغة التواصل أو مضمونه و محتواه  أو التوقيت أو المكان، و هو ما يجعلهم مساهمين و مشاركين و فاعلين في إنجاح المقاطعة، و لهم فضل و جزاء اقتسام نتائجها السلبية و الإيجابية العديدة و التي لن يفهمها إلا ذوي الاختصاص من أبناء الدار.

5- الحل أو الحلول:

– تنزيل المؤسسات الدستورية الضامنة للحكامة في أجلها و بمعايير معلنة و واضحة تخص المنتسبين لها و تجديدها في آجالها.

– إقرار فشل الحكومة في التنزيل السلس و الفعال للدستور،  ووضع آليات شفافة لتجاوز هذا المطب.

– إقرار أن أكثر من جهة تتحكم في المشهد الاقتصادي.

-تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة دون هوادة.

– استرجاع ثقة المواطنين في المؤسسات كيفما كان نوعها و قوتها و مركزها.

– جعل الصفة مركزا أساسيا لتدبير و تحريك و مراجعة و انتقاد أي شأن يخص حقوق المواطنين و مصالحهم في الاستهلاك،شريطة ربط الصفة بالمشروعية، من قبيل أنالذي له صفة التشكي من المنتوجات الاستهلاكية الغير محترمة للضوابط هو جمعيات حماية المستهلك، و أن الذي له صفة محاربة الاحتكار هو مجلس المنافسة، و أن الذي له صفة النقد أو الانتقاد هو المؤسسات و الهيآت المعترف لها بهذا الدور.

– سن نصوص قانونية جنائية تجعل من التحريض الفردي للمقاطعة جنحة و التحريض الجماعي جناية إذا تم خارج الضوابط و وفق الآليات و من غير ذي صفة.

– إرجاع لمجلس المنافسة مكانته الدستورية و القانونية و تمكينه من آليات العمل الحقيقية.

– إرجاع للمجلس الوطني لحقوق الانسان و لجانه الجهوية قيمتها القانونية و المجتمعية.

6- سؤال  النخبة:

السؤال المطروح أين اختفت النخب المغربية؟

و لماذا اختارت الهروب و الجبن الفكري و الانسياق للواقع المقاطع و الرافض بأسلوب الصمت المهين بصفتها كفئة مثقفة.

الجبال لا تكثرت للرياح العابرة، و كذا الأمم لا تنزعج و تتأثر بالأزمات و الظواهر  الاجتماعية كيفما كانت درجتها و قوتها و خلفية الجهات الداعمة لها، لكن شريطة أن تكون لها طبقة متوسطة حقيقية فاعلة و ضامنةللاستقرار.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x