لماذا وإلى أين ؟

العجلاوي: زلزال الحوز والخبــــــــث الاستعمــــاري

لم يتوقع أحد في البداية أن يكون لما سيطلق عليه ” زلزال الحوز” أثر في ارتفاع عدد القتلى والجرحى والمنكوبين والمصدومين، وأن يغير الزلزال طبغرافية منطقة ممتدة على آلاف الكيلومترات المربعة في جبال الأطلس الكبير وسفوحه الجنوبية والشمالية. ولم يصدق أحد أن قوة الهزة الأرضية لامست رقم 7/ 10 وما تلتها من ارتدادات قوية. ومع توالي الصور والفيديوهات للمناطق المنكوبة غمرتنا صدمة وارتجاج من هول ما جرى، وخيم الحزن علينا فاختفت مظاهر الفرح والاحتفال ليحل مكانها حزن سرى في كل بيت مغربي وفي بيوت الأشقاء والأصدقاء.

بيد أن التاريخ وفي تفاصيله الصغيرة والكبيرة يخبرنا أن الدولة الأمة المغربية كانت دائما حاضرة في مواجهة ” الكوارث والنوائب والأزمات”، ومنها الزلازل، ظهر ذلك على مستوى مؤسساتي ومجتمعي وفي ردود الفعل على المستوى الدولي، جلها تعاطف ومساندة واقتسام للألم مع المغاربة، مع استثناءات لارتدادات ماكرة في توظيف الحزن المغربي الجمعي لأهداف سياسية داخلية، لإخفاء خيبات بناء دولة لما بعد الاستقلال، أو لتغطية فشل دبلوماسية متآكلة في القارة الإفريقية.

الارتدادات الماكرة

هل يستطيع المغرب لوحده مواجهة آثار زلزال الحوز؟ سؤال طرح بكل مكر وخبث من لدن جل منابر الإعلام الفرنسي، وكأن المغرب دولة فاشلة تحتاج دوما إلى الوصاية في تدبير أزماتها. نسى هؤلاء أن مواجهة الكوارث الطبيعية من القرارات السيادية لكل دولة، وأن المغرب تحرك في أعلى مستويات مؤسساته من اللحظة الأولى لتقييم الوضع وبدئ التحركات الميدانية في وضع صعب، ومع انبلاج فجر ليلة الزلزال وتجلي الواقع المر الذي آلمت تفاصيله أفئدة المغاربة جمعاء، وضعت الدولة خططا، ركزت على الإنقاذ والإغاثة والإيواء، واجتمعت لجنة برئاسة الملك يوم 9/09/2023  لتقر 12 إجراء استعجاليا استجابة للحاجيات الأولوية، من تعزيز وسائل الإنقاذ وتوزيع الحصص الغذائية والأفرشة والأغطية، والتكفل بالأشخاص في وضعية هشة، وفتح حساب خاص للتضامن، والإعلان عن حداد وطني لثلاثة أيام إلى جانب إجراءات أخرى مرتبطة بالعمل الحكومي وبعمل مؤسسة محمد الخامس للتضامن.

تقدمت دول عديدة صديقة وشقيقة بعروض مساعدة، تم انتقاء أربعة منها لملائمة ما عرضته على أولويات الإنقاذ، وفتح المغرب المجال للمجتمع المدني المغربي والأجنبي لمد يد المساعدة. كان الهدف في هذه المرحلة هو التحكم في الوضع الميداني مخافة الوقوع فيما ما جرى مؤخرا في بعض الدول التي أصابها الزلزال. إنها قضية ترتيبات لوجستيكية لإنجاح الإنقاذ والإغاثة والإيواء. صدر بلاغ مغربي رسمي يشكر كل الدول التي عرضت مساعدتها على المغرب، وأكد البلاغ أن الاعتبارات والأولويات الميدانية المتجددة ستحدد لائحة الدول التي ستدخل دائرة المساعدة.

تحت رئاسة الملك، اجتمعت اللجنة المعنية بتدبير الملف مرة ثانية يوم 14/09/2023، لإعلان 10 قرارات أساسية، تحيل في بعضها إلى المادة 50 من الدستور بخصوص التضامن الوطني. وهي إعلانات تستجيب إلى حاجيات السكان في المناطق المنكوبة من حيث التعويضات المالية للمتضررين لإعادة بناء مساكنهم أو ترميمها وفق مقاربات هندسية جديدة تراعي التراث المحلي مع مقاومتها للاهتزازات الأرضية، إنه مشروع بناء 50 ألف سكن في الخمس عمالات المتضررة. وتراوحت التعويضات بين 30 ألف درهم و140 ألف درهم، إضافة إلى التكفل باليتامى من لدن الدولة، وإجراءات أخرى تعزز البنية التحية في المنطقة. وفتحت المساهمات المالية لإغاثة منكوبي الزلزال داخل وخارج المغرب. وبين الاجتماعين زار الملك المصابين واطلع على سير عمليات الإنقاذ، وكانت لهذه الزيارة رمزية خاصة.

الخبــــــــث الاستعمــــاري

لم تحترم الصحافة “الرسمية ” و”المناضلة” في فرنسا حزن المغاربة وزمن حدادهم، بل عبثت في رموز المقدسات الوطنية، وشككت في دور الدولة المغربية على تجاوز هذه المحنة، ووظفت كل إمكانياتها لتقول إن الوضع غير متحكم فيه، كل هذا فقط لأن المغرب قرر بكل سيادية ووطنية تدبير كارثة الزلزال دون الحاجة إلى وصاية رسمية فرنسية. هذه الأمور جعلت النقاش الفرنسي /فرنسي يغرق في التأويلات، في حين أن القضية بالنسبة للمغرب لم تكن أبدا وصاية فرنسا على المغرب في تدبير مخلفات الزلزال، بل في تدبير مخلفات الزلزال انطلاقا من دور الدولة تجاه الأمة المغربية. بدت الحملة الإعلامية الفرنسية المغرضة عملية تصفية حسابات، وظفت فيها قضايا النزاع الإقليمي حول الصحراء، واعتراف ترامب بسيادة المغرب على صحرائه، وبيكاسيس وأشياء أخرى، إنها النذالة بكل مساحيقها الاستعمارية.

الشعب المغربي، وبعيدا عن التحاليل الأكاديمية، يفهم الآن لماذا تتوالى هزائم وتآكل نفوذ الدولة الفرنسية في إفريقيا. ولأن الخسة ليس لها حدود، “تفضل” رئيس الجمهورية الفرنسية بخطاب مباشر للشعب المغربي، وفي هذا قلة أدب وانعدام للحس الدبلوماسي.

كان رد الرأي العام قويا تجاه التجاوزات الساقطة من دولة عضو دائم في مجلس الأمن، خطاب حاول رئيس فرنسا تغليفه بأن قبول المساعدة الفرنسية امر سيادي في يد “جلالة الملك والحكومة المغربية”. بأي حق يسمح رئيس دولة بالتوجه بخطاب مباشر لدولة أخرى؟ في حين توجد مواثيق وقوانين دولية تؤطر كيفيات التعامل مع الكوارث والجوائح والنوائب.

بقي القول والاعتراف بالأصوات الفرنسية النزيهة، وبكل الضمائر التي أعطت درسا في الأخلاق والقانون الدولي ومرجعيات التأطير الإعلامي للعلاقات بين الدول، إنها الأصوات التي تحافظ على الجسور بين الشعبين المغربي والفرنسي وحماية المشترك في اللغة والقيم والتاريخ وأشياء أخرى.

يذكر موقف الرئاسة الفرنسية، من خلال خطاب الرئيس الشاب إلى الشعب المغربي، برسائل القناصل الأوربيين أواخر القرن التاسع عشر، المطالبة بالتدخل المباشر لبلدانهم في المغرب، رغم الظهائر والرسائل السلطانية ولرجال المخزن في مواجهة النوائب التي أصابت المغرب في القرن التاسع عشر. كان حينها يسود نفس المنطق، ونفس التعابير التي صدرت هذه الأيام من مؤسسات رسمية، ومن وسائل إعلام فرنسية تجاه المغرب ومؤسساته. في أواخر القرن التاسع عشر استغلت القوات الاستعمارية تفشي الطاعون الآتي من الجزائر للتسرب إلى المغرب عبر فرض مؤسسات صحية كانت أداة لنزع حق القرار من السلطان. واليوم يريدون نزع حق تدبير مخلفات زلزال الحوز من الدولة المغربية بأساليب تروم تعبئة الرأي العام المغربي ضد مؤسساته. بيد أن التعبئة والهبة الشعبية لدعم كل مكونات الشعب المغربي لإخوتهم في المناطق المنكوبة كانت الجواب الشافي على من ادعى عجز الدولة المغربية على الالتزام بواجباتها في هذه الفترة تجاه المنكوبين في الحوز وتارودانت وأزيلال وفي مراكش وورززات، وكل المناطق التي أصابتها الزلازل.

لوحظ تغير في الخط التحريري في الصحافة ” الرسمية “الفرنسية بعد انصرام 7 أيم على الزلزال، وبعد نجاح تدبر الدولة والمجتمع المغربي والدول الشقيقة والصديقة وذوي النيات الحسنة والعمق الإنساني، توسع هامش التعبير داخل هذه القنوات للمناصرين للمغرب داخل فرنسا، وخصصت قنوات ساعات من البث تضامنا مع المغرب، وتحولت قناة لها ارتباط وثيق بوزارة الخارجية إلى مراكش صبيحة يوم 15/09/2023، للتغطية المباشرة للجهود المبذولة في الإغاثة وإعادة تعمير المنطقة.

آليات القيم الجمعية

انصرم زمن الحزن وانخرطت كل فئات الشعب، وفي كل المناطق والمراكز والقرى والمدن، في جمع المؤن والحاجيات لإخوانهم وأخواتهم في المناطق المنكوبة، إنه المجتمع المغربي المتراص الذي صهرته عشرات القرون، كانت هبته الوطنية مثار إعجاب الصحافة الدولية التي رصدت هذه الظاهرة الاجتماعية بصدق بعيدا عن النوايا السيئة. إعجاب قرأ دينامية المجتمع المغربي بصيغة تركيبية، في حين بنت صحافة الخبث آرائها بتجزيئ الشهادات والتركيز على انفعالات شخصية عادية في زمن الاستثناء. إنها قدرة المجتمع والدولة في المغرب على تقليص زمن الصدمة عن طريق تثبيت آليات القيم الجمعية.

الدولـــــة والأمـــــــة

في تاريخ المغرب، تكونت الدولة والأمة في صيرورة كانت للجغرافية فيها دور كبير وتحددت هويته بانصهار مكونات ثقافية متنوعة ومتعددة، وبنيت الدولة المغربية في سياقات خاصة، أبرزتها وبكل موضوعية عدد من الدراسات الأكاديمية داخل وخارج المغرب. وكانت الدولة حاضرة من خلال وظائف ارتفع صبيبها أو انخفض وفق مراحل المد والجزر التي عرفها المغرب، وهذا ما يميز المغرب من حيث التمفصل والترابط بين الدولة والأمة، ولذلك لم يعرف تاريخ المغرب أبدا قطيعة في الارتباط بين الدولة والأمة المغربية، على الأقل منذ ظهور الدولة الإدريسية في القرن الثامن الميلادي إلى اليوم، غياب قطيعة في التاريخ السياسي المغربي، إذ تواصل زمن العائلات التي حكمت المغرب دون فراغات تذكر.  في حين تعرف عدد من الدول في القارة الإفريقية بالخصوص انفصاما بين الدولة والأمة، إذ سبق بناء الدولة تكون الأمة، وهذا ما جعل الدراسات تركز على غياب وظائف الدولة، خاصة في أزمنة الأزمات والتهديدات والكوارث.

جغرافية زلزال الحوز، الممتد من مراكش إلى تارودانت هو المجال الجغرافي الذي أنتج قوة الموحدين انطلاقا من أسس مادية بالخصوص، ومرتبطة بالتجارة بين “إكلي” (تارودانت) وأغمات (مراكش)، وبالأنشطة المعدنية والتعدينية المرتبطة بمناجم الفضة والنحاس ومن أهمها منجم الفضة زكندر، الذي كان وراء إنتاج كتلة نقدية معدنية مكنت الموحدين من بناء دولتهم في بداية التأسيس. إنه أيضا مجال جغرافي للعلم والفقه، الذي أبرز شخصيات تشكل إلى يومنا هذا إحالات معرفية تاريخية. وأبان المغاربة عن شعور الارتباط بهذا المجال بعد نكبة الزلزال، لكونه جزء من الهوية التاريخية الوطنية.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

4 1 صوت
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x