لماذا وإلى أين ؟

“زلزال” ملك و شـعب

من المعروف أن الكوارث الطبيعية والإنسانية تُخلف آثارا سلبية داخل المجتمعات التي تصيبها، و قد تصل مبلغَ إحداث نكبة مجتمعية واقتصادية، لكن، ليس الحال هكذا دائما، بل هناك استثناء، وأحيانا فــ “الضربة التي لا تقتل تقوي”، وهو ما قد ينطبق على حالة المغرب بعد الهزة الأرضية التي ضربت مناطق عدة في المملكة يوم 8 شتنبر 2023.

رغم اعتبار الخسائر التي نجمت عن الزلزال بكونها جسيمة في الأرواح والممتلكات، حيت بلغت الوفيات، حسب آخر حصيلة محينة، 2946 شخصا، فيما ناهزت الإصابات الـ6 آلاف شخص، إلا أنه من المؤكد أن مغرب ما بعد الزلزال ليس هو مغرب ما قبل الزلزال، وأنّ “الزلزال” الذي أحدثه الملك و الشعب لمواجهة آثار اهتزاز الأرض بالحوز والنواحي، كان أقوى وأبلغ، بفعل الحنكة والحكمة الملكية والهبَّـــة الشعبية.

الملك القائد
مباشرة بعد الهزة الأرضية التي ضربت المملكة المغربية، وبتعليمات من الملك محمد السادس، بصفته ﻘﺎﺋداً أﻋﻠﻰ و رﺋﯾسا لأرﻛﺎن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻘوات اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ، ﻧﺷرت اﻟﻘوات اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ، ﺑﺷﻛل ﻣﺳﺗﻌﺟل، وﺳﺎﺋل ﺑﺷرﯾﺔ و ﻟوﺟﯾﺳﺗﯾﺔ ﻣﮭﻣﺔ، ﺟوﯾﺔ و ﺑرﯾﺔ، فضلا عن وﺣدات ﺗدﺧل ﻣﺗﺧﺻﺻﺔ ﻣﻛوﻧﺔ ﻣن ﻓرق ﻟﻠﺑﺣث واﻹﻧﻘﺎذ، و إقامة ﻣﺳﺗﺷﻔﻰً طبي ﺟراحي في الميدان.

وبعد ساعات معدودة على الهزة الأرضية، ترأس الملك محمد السادس، ﻣرﻓوﻗﺎ ﺑوﻟﻲ اﻟﻌﮭد اﻷﻣﯾر ﻣوﻻي اﻟﺣﺳن، ﺑﺎﻟﻘﺻر اﻟﻣﻠﻛﻲ ﺑﺎﻟرﺑﺎط، ﺟﻠﺳﺔ ﻋﻣل ﺧﺻﺻت ﻟﺑﺣث اﻟوﺿﻊ ﻓﻲ أﻋﻘﺎب اﻟزﻟزال المؤلم.

وﺧﻼل ھذه اﻟﺟﻠﺳﺔ، رﻓﻊ اﻟﻣﺳؤوﻟون من الحاضرين للملك ﺗﻔﺎﺻﯾل اﻹﺟراءات اﻟﺗﻲ ﺗم اﺗﺧﺎذھﺎ ﻣن أﺟل اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺳرﯾﻊ ﻣﻊ ھذه اﻟﻛﺎرﺛﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻟﻛﺑرى.
من  ﺗدﺧل فوري للقوات اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ التي نشرت تعزيزات بشرية ولوجسيتيكية فورية، وكذا تدخل اﻟﺳﻠطﺎت اﻟﻣﺣﻠﯾﺔ، وﻣﺻﺎﻟﺢ ﺣﻔظ اﻟﻧظﺎم، وﻓرق اﻟوﻗﺎﯾﺔ اﻟﻣدﻧﯾﺔ، واﻟﻘطﺎﻋﺎت اﻟوزارﯾﺔ اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ، لتعزيز اﻟوﺳﺎﺋل وﻓرق اﻟﺑﺣث واﻹﻧﻘﺎذ ﻣن أﺟل ﺗﺳرﯾﻊ ﻋﻣﻠﯾﺔ غوث وإﺟﻼء اﻟﺟرﺣﻰ، ﺗزوﯾد اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة ﺑﺎﻟﻣﺎء اﻟﺻﺎﻟﺢ ﻟﻠﺷرب، ﺗوزﯾﻊ ﺣﺻص ﻏذاﺋﯾﺔ وﺧﯾﺎم وأﻏطﯾﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻣﻧﻛوﺑﯾن، و اﻻﺳﺗﺋﻧﺎف اﻟﺳرﯾﻊ ﻟﻠﺧدﻣﺎت اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.

وفي نفس الإجتماع، أصدر الملك أوامره من أجل: اﻹﺣداث اﻟﻔوري ﻟﻠﺟﻧﺔ ﺑﯾن وزارﯾﺔ ﻣﻛﻠﻔﺔ ﺑوﺿﻊ ﺑرﻧﺎﻣﺞ اﺳﺗﻌﺟﺎﻟﻲ ﻹﻋﺎدة التأهيل وﺗﻘدﯾم اﻟدﻋم ﻹﻋﺎدة ﺑﻧﺎء اﻟﻣﻧﺎزل اﻟﻣدﻣرة ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة ﻓﻲ أﻗرب اﻵﺟﺎل، واﻟﺗﻛﻔل ﺑﺎﻷﺷﺧﺎص ﻓﻲ وﺿﻌﯾﺔ ﺻﻌﺑﺔ، ﺧﺻوﺻﺎ اﻟﯾﺗﺎﻣﻰ واﻷﺷﺧﺎص ﻓﻲ وﺿﻌﯾﺔ ھﺷﺔ، والتكفل الفوري بكافة الأشخاص بدون مأوى جراء الزلزال، لاسيما ما يرتبط بالإيواء والتغذية وكافة الاحتياجات الأساسية، و ﺗﺷﺟﯾﻊ اﻟﻔﺎﻋﻠﯾن اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﯾن ﺑﮭدف اﻻﺳﺗﺋﻧﺎف اﻟﻔوري ﻟﻸﻧﺷطﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺳﺗوى اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﻌﻧﯾﺔ.

بالإضافة إلى ﻓﺗﺢ ﺣﺳﺎب ﺧﺎص لدى اﻟﺧزﯾﻧﺔ و ﺑﻧك اﻟﻣﻐرب ﺑﮭدف ﺗﻠﻘﻲ اﻟﻣﺳﺎھﻣﺎت اﻟﺗطوﻋﯾﺔ اﻟﺗﺿﺎﻣﻧﯾﺔ ﻟﻠﻣواطﻧﯾن واﻟﮭﯾﺋﺎت اﻟﺧﺎﺻﺔ واﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ، مع  اﻟﺗﻌﺑﺋﺔ اﻟﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻣؤﺳﺳﺔ ﻣﺣﻣد اﻟﺧﺎﻣس ﻟﻠﺗﺿﺎﻣن، ﺑﺟﻣﯾﻊ ﻣﻛوﻧﺎﺗﮭﺎ، ﻣن أﺟل ﺗﻘدﯾم اﻟدﻋم و ﻣواﻛﺑﺔ اﻟﻣواطﻧﯾن ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎطق اﻟﻣﺗﺿررة، مع  تشكيل احتياطات ومخزون للحاجيات الأولية (أدوية، خيام، أسرة، مواد غذائية ..) على مستوى كل جهة من المملكة من أجل مواجهة كل أشكال الكوارث.

كما ﺗﻘرر، أﯾﺿﺎ، اﻹﻋﻼن ﻋن ﺣداد وطﻧﻲ ﻟﻣدة ﺛﻼﺛﺔ أﯾﺎم، ﻣﻊ ﺗﻧﻛﯾس اﻷﻋﻼم اﻟوطﻧﯾﺔ ﻓوق ﺟﻣﯾﻊ اﻟﻣﺑﺎﻧﻲ اﻟﻌﻣوﻣﯾﺔ.

الملك الإنسان
الملك محمد السادس، لم يكتف بالتدخل السريع والوقوف على الإجراءات والتدابير ﻣن أﺟل اﻟﺗﻌﺎﻣل اﻟﺳرﯾﻊ ﻣﻊ ھذه اﻟﻛﺎرﺛﺔ اﻟطﺑﯾﻌﯾﺔ اﻟﻛﺑرى، بصفته اﻟﻘﺎﺋد اﻷﻋﻠﻰ و رﺋﯾس أرﻛﺎن اﻟﺣرب اﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻘوات اﻟﻣﺳﻠﺣﺔ اﻟﻣﻠﻛﯾﺔ و رئيس الدولة، بل انتقل إلى المركز الاستشفائي الجامعي “محمد السادس” بمراكش، حيث تفقد الحالة الصحية للمصابين، ضحايا الزلزال الأليم، و زار (الملك) مصلحتي الإنعاش واستشفاء ضحايا الزلزال، حيث سأل الملك عن الحالة الصحية للأشخاص المصابين، وكذا عن الخدمات الصحية المقدمة لهم من طرف الفرق الطبية المعبأة إثر هذه الكارثة الطبيعية الكبرى.

أكثر من ذلك، وفي التفاتة تجسد العناية الملكية وتعبر عن تضامن الملك الكامل وعطفه على الضحايا والعائلات المكلومة، تفضل الملك فتبرع بالدم.

الملك المسؤول
بعد خمسة أيام من الزلزال، ترأس الملك محمد السادس بالقصر الملكي بالرباط، اجتماع عمل، هو الثاني من نوعه، خصص لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز.

و جاء هذا الاجتماع امتدادا للتدابير التي أمر بها الملك و الهادفة إلى تعبـــئة كافة الوسائل بالسرعة والنجاعة اللازمتين، من أجل تقديم المُـساعدة للأســر والمواطنين المُتضررين، لاسيما تنفيذ التدابير المتعلقة بإعادة التأهيل و البناء في المناطق المتضررة من هذه الكارثة الطبيعية ذات الآثار غير المسبوقة، فـــي أقرب الآجـــال.

النسخة الأولى من برنامج إعادة الإيواء، التي تم تقديمها إلى الملك، وتم إعدادها من قبل اللجنة الوزارية التي شُكّلت بتعليمات ملكية سامية، همَّت نحو 50 ألف مسكن، انهار كليا أو جزئيا على مستوى الأقاليم الخمسة المتضررة، بالإضافة إلى مبادرات استعجالية للإيواء المؤقت، وتقديم مساعدة استعجالية للأسر المعنية و مساعدة مالية مباشرة لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن المنهارة جزئيا، وكذا التكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم و أضحوا بدون موارد.

الملك القائد، الملك الإنسان، الملك المسؤول، صفاتٌ صاحبت “الزلزال” الذي أحدثه الملك محمد لسادس في دواليب الدولة من أجل التدخل الفوري و العاجل و المسؤول، بكل جدية و حزم ومسؤولية، لتقديم كل ما يمكن تقديمه، و أكثر، لأبناء شعبه الذين أصابتهم هذه الكارثة الطبيعية، فقد كان الملك حقا في الموعد.

شعب المغرب.. جسد واحد
شعب المغرب، وكما هو معهود فيه على مر العصور، كان دائما في الموعد، في السراء والضراء. فرغم أن الزلزال هز مناطق محدودة من أرض الوطن، إلا أن كل الوطن اهتز و استنفر نفسه لمواجهة تداعياته، وكان حقا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى، واختلفت صور التآزر والتعاضد والتكافل بين أبناء الوطن الذين هبوا لنجدة إخوته في الوطن.

مغربي، دمي فداه
اصطفوا في طوابير طويلة أمام مراكز تحاقن الدم، إنهم آلاف المغاربة الذين هرعوا للتبرّع بالدم بعد ساعات قليلة من الكارثة، صغارا وكبارا شيبا وشبابا، الكل يريد أن تكون قطرة دمه التي سيتبرع بها منقذا لحياة مواطن أصيب في الزلزال الذي مزَّق الأبدان.

لم الأمر يقتصر على الأفراد، فطيلة الأيام القليلة التي أعقبت الزلزال، نظمت هيئات عدة، من قوات مسلحة و أمن وطني و قوات مساعدة و هيئات حزبية و جمعوية و”ألتراس” رياضي ، عمليات تبرع بالدم للمصابين بالزلزال المدمر، ففاق المخزون المطلوب، وأصبحت المراكز المخصصة لجمع التبرعات بالدم غير قادرة على استيعاب العدد الهائل الذي قصدها، وأكد ذلك أن المغربي لا يبخل على أخيه المغربي بدمه و لا بماله.

جسور قوافل الخير
هي قوافلُ امتدت من كل ربوع الوطن، شرقه و غربه، شماله وجنوبه و وسطه، مدنه و قُــراه، قوافل خرجت من كل حدب و صوب، لتشكل جسورا مع العشرات من الدواوير التي دمرها الزلزال، و الغاية تقديم ما قد يطعم المنكوبين من جوع ويقيهم من برد و يؤمنهم  من فزع.

قوافل اكتظت بها الطرقات، بعد أن ملأها كرمُ المغاربة بالخيرات، كل بطاقته وقدرته، بل حتى أولائك الذين لا حول لهم لم يبخلوا بكل ما يملكون، وجسدوا حقيقة أنفة ونخوة ومروءة المغربي والمغربية. فأكل وشرب ولبس الجميع، ونَعِم الكل بدفء أبناء الوطن.

مغاربة العالم يلبون نداء الوطن
مغاربة العالم، ومن كل أرجاء العالم،  هبوا لتلبية نداء الوطن، و عبروا عن تضامنهم مع أبناء وطنهم واستعدادهم للمساعدة بكل إمكانياتهم.

لم تحل مسافات الجغرافيا بينهم و بين الوطن، فأطلقوا مبادرات مدنية للتبرع بالدم وجمع المساعدات المالية و العينية، وسيروا قوافل تحمل معها كل ما تبرعوا به من أفرشة وأغطية ومعدات وغيرها، والهدف واحد، تقديم العون لمن شردهم الزلزال و للذين نالت أهوال الكارثة من أبدانهم و أرزاقهم، مؤكدين أن المغربي أخ للمغربي أينما حل و ارتحل، والمغربي عون للمغربي مهما بعدت المسافات، والمغربي بجانب أخيه المغربي في السراء والضراء.

نعم، هو زلزال ملك وشعب تفجر بعد زلزال الطبيعة، زلزال ملك وشعب أبهر العالمين، وأفرح الأصدقاء الصادقين وأغاض الأعداء الحاسدين والحاقدين، هو زلزال ملك وشعب غلب زلزال الطبيعة، ونسف مكائد الكائدين وجعل كل أبناء الوطن يرددون، إرفع رأسك فأنت مغربي، قلها وافتخر.

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x