لماذا وإلى أين ؟

“الإختــــــــــيار الثـــــــــوري”!

خلال مرحلة ما بعد استقلال المغرب عن “الحماية الفرنسية”، و هي مرحلة لازالت أطوارها جارية إلى يوم الناس هذا، انفجرت صراعات قوية وحامية الوطيس بين دوائر نفوذ المخزن، من جهة، و بين تنظيمات، سرية وأخرى علنية، رفعت شعار التحرير و التحرر،  على الجهة المناضرة، وهي جماعات سياسية اتخذت لنفسها مسلك التغيير كمبدأ، و أخَـذَت في النمو تدْريجيا داخـل المجـتمـع، لأسباب قد تجـد أَساسَها المـادي في نُشـوءِ تَشْكيلات “طبقية هجينة”، تشكيـلاتٌ أفرزتها التحولات الإنتـاجية الجُـزئية،كما أنتجتها أيضا “تغيُّرات ثقافية معدومة” لأن البلد لم يعرف طريقه إليها في خضم الانتقال المتسارع للسلطة من يد “الحماية” الفرنسية إلى يد حلفائها و منتدبيها المحليين.

على امتداد مرحلة تزيد عن نصف قرن من الزمن السياسي بعد الاستقلال، الذي ظلت قوى اليسار، فترة طويلة، تنعته بالاستقلال ـ”الشكلي”، عرف المغرب محطاتٍ نضاليةً زاخمةً، بدءاً من أواخر خمسينيات القرن المنصرم، وصولا إلى الزمن الحاضر، و مرورا كذلك، بمحطاتٍ أكـثر ضراوة كادت تعصف بالبِنْية الكاملة لنِظـامِ الحُـكْم.

خلال تلك “المحطات النضالية”جَميعِها، بدا أن الصراع كان يحتدم من طرف البعض بشأن امتلاك “أدوات السلطة”، لكن ليس باعتبارها موقعا لإدارة الحكم و ممارسته و إنجاز وظائف الدولة المعروفة، بل كان ينظر لها  باعتبارها أداةً “عصْــرية” لحماية الثـروة “المكتسبة”، على الأقل بالنسبة لجمٍّ غفير منهم، أما بالنسبة لآخرين، فقد ناضلوا من أجل حيازة السلطة لكونها أداةً فعالة و مضمونة النتائج لبلوغ طرق الترقي السريع و اقتحام مدارج السطو على “الثروة” و مُراكمتها في الأرصدة الداخلية و الخارجية، هؤلاء الذين سيصبحون مع مرور الوقت خُدّاما حقيقيين لـــ”الدولة”، غايتهم “السامية” تـوظيفُ السُّلطة لحماية ما كان موضوعا للنهب .

ربما حاولت القوى السياسية، التي أخَذَت وصفَ”الحـيَّة”، التعبير عن إرادة معينة في تحديث أركان الدولة القائمة على أسس فكرية موغلة في التقليدانية، لكنها كانت تفشل مرة بعد الأخرى، تارةً بسبب القمع، و في مرات أخرى، لكون هذه القوى نفسها، وقعت في “شِراك” الحب الجامع بين “الثروة”،كأداة تُعبِّد المسار نحو السُّلطة، و بين “السُّلطة” نفسها التي نُظِرَ إليها كدالَّةٍ للثروة، و لا يجوز، بالنتيجة، “التفريطُ” فيها،  بل التمسك بها باستعمال كل الوسائل .

إن الانتفاضات التي انخرط الناس فيها كشفت درجةَ بِدائيَّة المفاهيم التي يُدار بها الحُكم في المغرب، و عدم قدرة النظام على تطوير نفسه بشكل حقيقي، تطوير يقوم على قاعدة الإيمان بإحداث تغيير في الواقع الذي يمكن تشخيصه بالقول : إن المؤسسات السياسية للدولة، ليست، في واقع الأمر، سوى مظاهر شَكْلِيَّـــة للدولة الحقيقية، وأنها مجرد فقاعات لا تعبر عن أي مضمون قوي يعكِس مطالب التحديث، و لعل ذلك كان أمراً يفسر طبيعة الإفْلاس الذي لَحِقَ الأحزاب المغربية، كمؤسسات انتظر منها الجمهور إحْداثَ ثورة مادية حقيقية و ملموسة، وليس إنتاجَ مَراعٍ للفساد يسْرَحُ فيها الفاسِدون و يعبثون، مؤسسات مؤهلة و قادرة على إفراز نخب و كفاءات تقوم بوظيفة إنتاج برامج حقيقية قابلة للإنجاز، وتستجيب للمطالب الحقيقية التي غايتها الأولى بلوغ هدف التنمية و تحقيق العدالة الاجتماعية.

بسبب الإفلاس الذي لحق الأحزاب السياسية، وبلوغها درجة من الترهل و العجز البنيوي عن ممارسة وظائف التأطير إزاء منتسبيها، و بسبب غياب مشروع حقيقي قابل للتنفيذ لديها، و بسبب حالة الفساد التي اجتاحت أركان الدولة بشكل أصبح مهددا للدولة نفسها، فإن الواقع أصبح يشهد تنامي أعداد الفاسدين بالإدارة المغربية، هؤلاء، و نتيجــة لانخراط الفاسدين في دواليب “الإدارة” وهم مسلحون بنية مسبقة في مزاولة النهب و الاغتناء من المال العام، فقد تولى هؤلاء السفلة نشر ثقافة الفساد في كل مكان حلوا به، في أقسام الإدارة و مصالحها، وفي المنشآت و المؤسسات العامة العائدة للدولة.

إن أزمة البلد الحقيقية أزمة قد تفضي إلى العُسْـر و الإفلاس غير المتوقع، أزمة تكمُن ملامحها في عدم قُدرة الدولة على إحداث ثورة حقيقية في أنماط التدبير الإداري، و اكتفائها بترقيعات يغلب عليها المنحى التكتيكي و السياسوي، ترقيعات لا تجدي من الناحية العملية سوى في إكساب الفساد مناعةً إضافية ضد المضادات، و بل ترغم هذه المضادات على التعايش معه.

إن الداء المركزي الذي يعاني منه جسم “الدولة المغربية” هو الفساد القائم في مصالحها، المتغلغل في دواليبها، وهو واقع يستدعي تدخلا علاجيا مستعجلا، فالأمر، بحسب تقديرات أي ملاحظ عاقل، يستلزم إحداث ثورة حقيقية في بنيات الإدارة و أنظمة التسيير و الرقابة و ربط المسؤولية بالمحاسبة الصارمة، و الضرب بقوة على أيادي اللصوص بمختلف مراتبهم و درجاتهم، لأجل ذلك فمملكة المغرب أمام اختيار ثوري وحيد وفريد، بإمكانه إعادة بناء الدولة على أسس متينة تجنبها مخاطر الزلازل العنيفة، و الاختيار هو حتما: الثورة ضد الفساد و المفسدين.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

1 تعليق
الأكثر تصويتا
أحدث أقدم
Inline Feedbacks
View all comments
احمد
المعلق(ة)
24 سبتمبر 2023 12:05

تحليل عام قد ينطبق على اي نظام من مجموعة ما كان يسمى العالم التالث، كما انه تحليل لا تاريخي لأنه لا يميز بين مرحلة واخرى ولا يسمى الاشياء بمسمياتها.

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x