نورالدين زاوش*
يتغير العالم ويتطور بسرعة الضوء؛ إلا بلدا في أوروبا كان يسمى في يوم من الأيام “بلد الأنوار”، ما زال يقبع في قوقعة ماضيه السيء، وما زال يتغنى بأمجادٍ فاتتها مدة الصلاحية؛ من ذا الذي يخبر فرنسا اليوم بأن جدار برلين قد سقط؟ وأن الحرب الباردة صارت أسخن من قهوة الصباح؟ ومن يخبرها بأن إفريقيا صارت تعافها وتشمئز منها وتتجنبها مثلما يتجنب الصحيح الأجذم؟
من بين أكثر من سبعين دولة التي لم تتلق ردا من المغرب فيما يخص تقديم يد العون له في مصابه الجلل، فقط فرنسا من أطلقت العنان لكلاب إعلامها لتملأ الدنيا نعيقا ونهيقا، في مشهد سريالي فطن لخبثه من قرأ كتابا في علم السياسة أو كتابين، أو درس شهرا فنون العلاقات الدولية أو شهرين، فما بالك بخبراء السياسة والدبلوماسية في الإمبراطورية الشريفة التي طوَّعت ألمانيا وإسبانيا وحتى إسرائيل.
لقد روّج الإعلام الفرنسي الخبيث بأن المواقف السياسية ما تحرك المغرب وليس الدواعي الإنسانية؛ بمعنى أن المغرب مستعد لأن يترك أبنائه تحت الأنقاض مقابل ربح نقاط في المجال السياسي، وهذا أمر جلل؛ لأنه لا يفترض فقط كون المغرب عاجز عن التعامل مع الأزمة، وأنه لا يتوفر على المعدات اللازمة والكفاءات البشرية لتخطي الكارثة، وهو ما كذبته القنوات العالمية بالإجماع؛ ولكن يفترض أيضا أن فرنسا فقط، دون باقي دول العالم وفيها أمريكا وروسيا وألمانيا والصين، من تستطيع ذلك، في مشهد يدعو للشفقة أكثر مما يدعو للسخرية على بلد صار “بلد الظلمات” بامتياز.
بالأمس القريب فقط، كانت المنصات الإعلامية الفرنسية تعج بانتقاد لاذع لبلدها على إثر تعامله الرديء والبدائي مع أزمة كورونا، وكانت جميع هذه المنصات بلا استثناء تقارن هذا الأداء المحتشم للدولة الفرنسية مع تحرك الدولة المغربية الناجع والناجح على كل المستويات؛ إن على المستوى الصحي أو الاجتماعي أو الأمني أو النفسي، إلى درجة أن الجميع انبهر لكون المغرب صار يصدر لفرنسا “العاجزة” الكمامات والمعقمات محلية الصنع؛ إلا أن ذاكرة فرنسا أشبه بذاكرة الطائر الذي يبيض؛ إلا أنه يحضن بيض غيره من غبائه وضعف ذاكرته.
إن عقلية فرنسا التي تركز كل اهتماماتها وخطاباتها حول دولتين غربيتين قبلت المملكة الشريفة عرض مساعدتهما؛ في الوقت الذي تتجاهل فيه رفض المغرب طلب أكثر من سبعين دولة غربية، وبعضها أقوى من فرنسا أضعافا مضاعفة، شبيهة بعقلية المقامر الذي يركز اهتمامه على الشخص الرابح في القمار ويرجو أن يكون مكانه؛ ولا يلتفت إلى ملايين الأشخاص التي تخسر. إن هذه العقلية المقامرة من جعلت وزيرة خارجية فرنسا “كاثرين كولونا” تصرح، بدون قبول المغرب أو حتى مشورته، بأن ماكرون سيزور المغرب في غضون الأسابيع القادمة؛ إلا أن الرد الصاعق والمهين في ذات الوقت، لم تتأخر به وكالة أنباء المغرب العربي.
آن الأوان لفرنسا المنحطة أن تنزل من برجها الورقي، وآن لها أن تَعقل بعير خُبثها أن تَشرد، وتُلْجم كلاب لؤمها أن لا تجد من تنهشه فتنهش مواطنيها الأبرياء؛ كما آن لها أن تعلم بأن ماكرون، ومن نحا منحاه، مجرد حشرة حقيرة لن تنال من السدة العالية بالله ولو بعد مائة عام.
*عضو الأمانة العامة لحزب النهضة والفضيلة
الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها.
الله يعطيك الصحة حبذا لو ترجم هذا المقال الى اللغتين الفرنسية والاسبانية ليقرأه غيرنا هناك في فرنسا واسبانيا الجارة ويعلقون عليه لانه يحمل معاني راقية وانتقادا لاذعا عسى يفهمه المستعمر القديم الذي لفظته افريقيا الابية.