سعيد الغماز
فتح زلزال الحوز نقاشا مجتمعيا وجب علينا الاهتمام به، وذلك في أفق تصحيح نمط من التفكير ساد في عقول المسلمين لمدة غير يسيرة. تحدث القرآن الكريم عن العقاب الذي حل بقوم لوط وبعاد وثمود وقوم شعيب، وأخبرنا الله عز وجل بأن سبب العقاب الذي تجسد في الكوارث الطبيعية هو الفساد الذي عم القوم ومعصيتهم للأنبياء. هذه الأحداث التي تحدث عنها القرآن الكريم جعل بعض العقول تربط بين الكوارث الطبيعية في وقتنا الراهن والمعاصي، لكنها تؤول تلك السنن الغيبية حسب فهمها بل وحتى أهوائها. فهل هذا الربط بين الكوارث الطبيعية والمعاصي هو حق أم باطل مجانب للصواب؟
أولا يجب التنبيه إلى أن الله عز وجل حدثنا في كتابه الكريم عن حال أقوام سلط الله عليهم الكوارث الطبيعية، وأخبرنا بما لا يمكن أن ينكره أي مؤمن بالقرآن، بأن سبب تلك الكوارث هو كثرة المعاصي وعدم طاعة الأنبياء. وهي أحداث معلومة ومحدودة في الزمان والمكان. هنا نؤكد بأن الله عز وجل هو من أخبرنا بهذه الأحداث المرتبطة بالمعاصي. وهذا لا ينبغي أن يقفز عليه البعض ليربط كل الكوارث التي نشهدها في عالمنا المعاصر بالمعاصي حسب تأويلهم ونمط تفكيرهم.
إننا حين نقرأ بعض المقالات المرتبطة بالكوارث الطبيعية، نجد أنفسنا أمام نماذج تريد أن تحل مكان الخالق وتفسر لنا، حسب فهمها، الخلفيات الغيبية لهذه الكوارث فتسقط في “التَقوُّل على الله بغير علم”. وهو ما يضع هذه النماذج في تناقض كبير لأنها تؤمن بأن الغيب هو من اختصاص الله عز وجل، وفي نفس الوقت تتدخل لتعطينا رأيها في أمر لا نعرف خلفياته الغيبية. كما أن طرح هؤلاء يسير نحو فهم مليء بالتناقضات. فإذا كانت أي كارثة طبيعية هي نتيجة لتفشي المعاصي، كيف نفسر الزلزال الذي هدم المساجد، والمنازل التي تسقط على الساجدين وتزهق أرواح الصالحين. بطبيعة الحال هؤلاء لهم مخرج لأي تناقض يقعون فيه، لكنهم يسقطون في تأويلات لا تصدقها حتى عقولهم، وتجعلهم يخوضون في نهج بعيد عن الدين بل يسيء للدين، عوض مراجعة أسس تفكيرهم وطريقة فهمهم للأشياء والرجوع إلى منطق القرآن ومنطوق السنة الشريفة. وحالهم كحال المعتزلة التي أعطت تفسيرا خاصا بها للآية الكريمة “ليس كمثله شيء”، فراحت تغوص في نفس المنهاج حتى وصلت لبدعة خلق القرآن.
الحكمة والفهم الصحيح للدين يقتضيان أن نفسر الكوارث الطبيعية بالسنن الكونية التي زرعها الله في عالمنا المعاش. أما ما تعلق بالسنن الغيبية فعلمها عند الله، اللهم ما حدثنا به القرآن الكريم صراحة عن تلك الأقوام التي سلط الله عليها الكوارث الطبيعية لتفشي المعاصي، ونذكر في هذا الصدد قوم لوط الذين يأتون الرجال دون النساء ويعصون نبيهم، فسلط الله عليهم الطوفان. بطبيعة الحال هذا الطوفان الذي ضرب قوم لوط له أسباب كونية وأسباب غيبية أوضحها لنا الله في القرآن المنزل من عنده. فلا داعي للخوض في السنن الغيبية ما دام الخالق سبحانه وتعالى لم يحدثنا عنها. وكل من يحاول الغوص في هذه السنن الغيبية، إنما يفتح المجال للعبث الذي يسيء للدين.
ولعل أبرز مثال لفهم السنن الكونية التي تتحكم في العالم، الطفرة التنموية التي حققتها الصين تحت مظلة الحزب الشيوعي الذي يؤمن بأن الدين أفيون الشعوب، والطفرة التنموية التي حققتها تركيا تحت مظلة حزب تأسس على أساس المرجعية الإسلامية. فرغم أن تباعد المرجعيتين يفوق المسافة التي تفصل السماء عن الأرض، لكنهما اعتمدتا نفس الأسباب مما سمح للبلدين في تحقيق الطفرة التنموية والعيش الكريم لمواطنيهم، وهو ما سنختزله في النقاط التالية:
– كانت الصين على حافة الإفلاس في نهاية سبعينيات القرن الماضي حيث كان 60% من الصينيين يعيشون تحت خط الفقر. تركيا كذلك كانت على حافة الإفلاس في بداية الألفية الثالثة حيث أفلس 22 بنكا وبلغ معدل البطالة 60%.
-تسلم دينغ كزاوبينغ السلطة في البلاد، ولم يرتكب خطأ الإلغاء القصري للنظام الشيوعي، ولو حدث ذلك لدخلت الصين في حرب أهلية ولكانت الآن، وفق السنن الكونية، في عداد الدول الفقيرة والمتخلفة. بل قام الزعيم الجديد بتطوير هذا النظام وخلَقَ ما يعرف بالخط الثاني القائم على أساس تحفيز الإنتاج ببيعه في السوق الحرة بدل بيعه بأبخس الأثمان للدولة الشيوعية. نفس الشيء قام به أردوغان بعد تسلمه السلطة في البلاد. هو كذلك لم يرتكب خطأ الإلغاء القصري للنظام العلماني، ولو حدث ذلك لدخلت تركيا في حرب أهلية ولكانت الآن، وفق السنن الكونية، في عداد الدول الفقيرة والمتخلفة. بل قام الزعيم الجديد بتطوير مفهوم العلمانية وجعلها نظاما يدعو إلى العقلانية والعلم والتطور والتقدم وبناء البلاد. الأمر الذي خلق إجماعا وطنيا وتعبئة شعبية انخرطت بكل قوتها وطاقتها في بناء تركيا المتقدمة والمزدهرة.
-وجد الزعيم الصيني الجديد أن المسؤوليات في مؤسسات ومصانع الدولة تُسند على أساس الواء للحزب وليس على أساس الكفاءة، وهو ما فتح الباب على مصراعيه للفساد والمحسوبية والزبونية. فألغى كل تلك الامتيازات وأسند المسؤوليات لمن يحقق الأهداف المسطرة ويتوفر على الكفاءات. نفس الشيء فعله الزعيم الجديد لتركيا حين قضى على الامتيازات التي كان يتمتع بها الجيش وحاشيته وأبنائهم وأقاربهم، فحاصر تلك المافيا وفتح الباب على مصراعيه للكفاءات وللمخلصين للوطن.
من اعتمد السنن الكونية وِفق مقتضيات الحكامة الجيدة، حقق الطفرة التنموية. وبدون الأخذ بهذه السنن الكونية، فلن تكون هناك طفرة تنموية مهما بَلَغَت درجة عبادتنا وتقربنا لخالقنا. لذلك نحن في حاجة لعقل إسلامي يؤمن بالسنن الكونية ويأخذ بالأسباب الدنيوية ويبتعد عن التفسيرات الغيبية ويكتفي بما أخبرنا به خالق الكون مجتهدا بتفكيره في معرفة مقاصد تلك الأحداث الغيبية التي ذكرها الله في القرآن الكريم، لكن دون السقوط في “التَقوُّل على الله بغير علم”.
ياسيدي الفاضل الطوفان كان في قوم نوح وليس قوم لوط !!!!!!!!
كلام سليم. لا أجد حقيقة أجرأ على الله ممن يحكمون على الناس باسم رب الناس وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. نسأل الله علما نافعا ورحمة واسعة للعباد.