2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
نور الدين: عدم ثقة الأزواد في الوساطة الجزائرية دفعهم إلى اللجوء للقصر الملكي (حوار)
إلتمست شخصيات بارزة من حركة الأزواد، في رسالة موجهة إلى وزارة الشؤون الخارجية المغربية، التدخل لإنقاذ أبناء إقليم أزواد (شمال مالي)، مما سموه “جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرضون لها بشكل يومي على يد الجيش المالي مدعوما بمليشيات “فاغنر” الروسية”.
وطالبت الرسالة المشار إليها، المملكة المغربية بالتدخل لإيجاد حل سلمي لـ”القضية الأزوادية”، بما هو معروف على المغرب من “جهود دبلوماسية دؤوبة وموصولة والتي تبذلها من أجل إقرار الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية والساحل والصحراء، وفي عامة القارة الإفريقية، على غرار ما بذلته في الأزمة الليبية”.
ويأتي ملتمس حركة الأزواد للمملكة المغربي في سياق تشهد فيه منطقة الساحل توترات سياسية وعسكرية، بعد هجوم التحالف الثلاثي المكون من النيجر، مالي وبوركينافاسو على الأزواد المدعومين من مجلس المقاومة الطوارقية في النيجر، كما جاءت مبادرة الأزواديين في ظل عدم ثقتهم في الجزائر لأنها كانت وراء كل المؤامرات التي حيكت ضدهم منذ انتفاضتهم سنة 1963 للمطالبة بالاستقلال، حين كان الرئيس الجزائري بومدين قد سمح للجيش المالي بالدخول إلى الأراضي الجزائرية بعمق 200 كلم لملاحقة ثوار الأزواد.
وحيث إن الجزائر تحاول أن تختبئ وراء قناع الوساطة لإجهاض أي محاولة لاستقلال الأزواد في مهدها، في ظل رفض أغلب فصائل الأزواد لكل الإتفاقات التي تعلن عنها الجارة الشرقية، نخصص فقرة ضيف السبت لهذا الأسبوع لنقاش السياسة المغربية في هذا الملف، من خلال استضافة عضو المجلس المغربي للشؤون الخارجية؛ أحمد نور الدين.
وفي ما يلي نص الحوار:
بداية، كيف ترى السياسة التي ينهجها المغرب في قضية حركة الأزواد؟
السياسة الخارجية المغربية خاصة في شقها الملكي، لا تتبنى النهج الاستعراضي، بل بالعكس تحرص على إحاطة مبادراتها بسياج من الكتمان إلى أن تنضج أسباب نجاحها وتضمن انخراط الأطراف المعنية، وهذا ما يزيد من رصيد الثقة فيها لدى الفرقاء، والثقة هي العملة الصعبة في المفاوضات لحل النزاعات.
في قضية الأزواد، المغرب لم يكن بعيدا عن هذا الملف نظرا للعلاقة التاريخية بين شعب الطوارق الذي ظل وفيا لروابط البيعة لسلاطين المغرب إلى غاية دخول الاحتلال الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وبعد استقلال دول المنطقة، وانفجار الثورة الأولى للطوارق في بداية الستينيات، قام المغرب في شخص الملك الراحل الحسن الثاني بوساطة بين الحكومة المالية وزعماء الطوارق انتهت بالمصالحة والتهدئة.
وبعد إعلان قيام دولة الأزواد سنة 2012، ونشوب الحرب مرة أخرى، وفشل التدخل الفرنسي شمال مالي، استقبل العاهل المغربي سنة 2014 في القصر الملكي بمراكش زعيم الطوارق بلال أغ الشريف الأمين العام للحركة الوطنية لتحرير أزواد، مما يؤكد استمرار الروابط بين القصر الملكي وزعماء الطوارق.
وفد من الأزواد إلتمس من وزارة الخارجية المغربية تدخل المغرب للوساطة، كيف تقرأ ذلك؟
في غياب تصريحات مغربية رسمية، يمكن القول أن هذه الدعوات الموجهة للمغرب من طرف زعماء الازواد، قد تكون مؤشرا على وجود إرهاصات لمبادرة مغربية قد يتم الإعلان عنها مستقبلا، وهذا احتمال وارد ويجد مسوغاته في ثلاثة عوامل على الأقل، أولها فشل الأمم المتحدة في مهمتها بمالي. ويتجلى ذلك في الخروج المذل والمهين لبعثتها المعروفة اختصارا ب “مينوسما”، بعد أن طردتها القيادة الجديدة في مالي بعد الانقلاب. وبالتالي فقد أصبحت الطريق مفتوحة لمبادرة جادة وجديدة تستفيد من أخطاء الماضي.
أما العامل الثاني، فهو رفض الأزواد للدور الجزائري ولاتفاق الجزائر الذي ولد ميتا سنة 2015، لأن المعنيين بالأمر رفضوه، ولأن شعب الطوارق وحركات التحرر في الأزواد لا يثقون في حكام الجزائر؛ نظرا لسوابقهم في التآمر عليهم منذ 1962، حيث تعاونت الجزائر مع الجيش المالي للقضاء على ثورتهم، وذهبت الجزائر إلى حد السماح للجيش المالي بالتوغل في الجنوب الجزائر مسافة 200 كلم لملاحقة الثوار الازواد. وهذا ما يجعل من الجزائر طرفا وليس وسيطا، لأن الجزائر تخشى من مطالبة الطوارق الذين الحقهم الاستعمار الفرنسي بالجزائر، باستقلالهم هم أيضا على مساحة لا تقل عن ثلث خارطة الجزائر الحالية. ولأنه لا أحد يصدق حياد الجزائر في هذا النزاع.
العامل الثالث الذي يؤشر على وجود إرهاصات لمبادرة مغربية في قضية الأزواد، يتمثل في احتفاظ المملكة بعلاقات قوية وثابتة مع الحكام الماليبن بغض النظر عن تغير الأنظمة ورغم الانقلابات، وفي نفس الوقت لدى القصر الملكي روابط متينة مع زعماء شعب الطوارق عموما وحركة الازواد بصفة خاصة.
طيب، في حالة وجود هذه الوساطة المغربية، هل هناك مؤشرات لنجاحها؟
إن كانت هناك مبادرة ملكية للوساطة في قضية الازواد تستضيف من خلالها المملكة المغربية كل أطراف النزاع، فستكون أكثر من مرحب بها على المستوى المحلي والافريقي والأممي، ولديها حظوظ وافرة للنجاح نظرا للعوامل الثلاثة التي ذكرت لك سابقا. وبالتالي فالطريق معبدة أمام الدبلوماسية المغربية والظروف الدولية تتيح ذلك، وأظن أن الشروط الموضوعية ناضجة لدى الفرقاء، وهذا ما يفسر الطلب الذي تقدم به وفد الأزواد.
ومن الأهمية هنا، أن نذكر أيضا بأن جزءا مهما من الحرس الملكي كان يتشكل تاريخيا من عنصر الطوارق، ولازال حي “التواركا” أي “الطوارقا” داخل أسوار القصر الملكي بالرباط شاهدا على هذه الروابط المتينة، وهو عنصر من عناصر ما يعرف بالقوة الناعمة التي لا يملكها منافسو المغرب في هذا الملف.