لماذا وإلى أين ؟

مدونة الأسرة… وجيل 4.0

عبد الرفيع حمضي

“دعونا لإطلاق مشاورات مجتمعية واسعة،لمراجعة مدونة الأسرة،بعد مرور عقدين من الزمن على إقرارها ،بما يصون حقوق المرأة والطفل،ويضمن مصلحة الأسرة،باعتبارها نواةً للمجتمع،وذلك بناءً على قيم ومبادئ العدل والمساواة والتضامن والانسجام،النابعة من الدين الإسلامي الحنيف،مع أعمال آلية الاجتهاد البناء،لتحقيق الملائمة مع المستجدات الحقوقية،ومع القيم الكونية ذات الصلة .”

كانت هذه احدى الإشارات القوية بل التوجيهات الواضحة التي وردت في الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين والمشاركات في الندوة الدولية التي نظمها المجلس الوطني لحقوق الإنسان يومي السابع والثامن من الشهر الجاري بمناسبة مرور 75 سنة على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

في تقديري فان هذا التأطير المتجدد لورش مراجعة مدونة الاسرة ليس موجها للجنة المكلفة بإعداد مسودة المشروع ،بل لكلّ الأطارات المدنيّة ،من جمعيات وتنسيقيات وحتى الأحزاب السياسية .وعموما كل اصحاب المصلحة بلغة الصكوك الدولية (Stakeholders) وذلك لتستحضر هذه المعادلة ،عند الاستماع اليها أو عند تقديم مذكراتها .تيسيرا لعمل فريق المراجعة .
وهي معادلة تقوم على ثلاثة اضلع:

الأول وهو الأصل ،أي استحضار قيم ومبادئ العدل والتضامن والانسجام ،النابعة من الدين الإسلامي .فهذه ليست مفردات الغاية منها هو تركيب جملة مفيدة ،كما كان يطلب منا استاذ اللغة العربية في حصة النحو أو الإنشاء .بل هي مصطلحات لها مرجعيتها وحمولتها .اما مجالها بامتياز فهو المعاملات والعلاقات الإنسانية وليس الشعائر وقدسيتها .

الضلع الثاني في المعادلة هو إعمال آلية الاجتهاد البناء أي إعمال العقل ،وبذلك فكل الاجتهادات السابقة لفقهائنا تبقى عملا بشريا وليد مراحل معينة ،في تاريخ الحضارة الإسلامية . وبالتالي يحق لرجال ونساء هذه المرحلة ، مرحلة الثورة الصناعية الرابعة أو 4.0 ، ان يجتهدوا « فالسلف بشر نتعلم منهم ولا نقتدي بهم ».

الثالث من الأضلع ، غايته هو ان مراجعة مدونة الاسرة يجب ان تفضي ليس إلى الملائمة مع القيم الحقوقية الكونية أي تلك التي توافق عليها المجتمع الدولي سنة 1948 وما بعده فقط ، بل إلى الملائمة مع المستجدات الحقوقية ،مع العلم ان البشرية بخصوصيّتها تعيش جيلا جديدا من حقوق الإنسان .إذا كان من الضروري منهجيا تحقيب حقوق الإنسان بالأجيال .

قد يبدوا للبعض أن هذه القراءة هي محاولة لمسك العصا من الوسط كوسيلة ناجعة لتدبير المصالح ،بإرضاء هذا الطرف دون إزعاج الطرف الآخر .وهي منهجية لاتستقيم في القضايا الحضارية الكبرى . جربها العقل العربي عندما طرحت عليه اشكالية الأصالة أو المعاصرة .فمسك مفكرونا العصا من الوسط فضخموا الإشكالية على حد تعبير المفكر محمد عابد الجابري في “نحن والتراث “ولم يخرج العرب من القمقم السحري إلى الآن ،على عكس ما حصل في أروبا .

ونفس المنهج جرّبناه كمغاربة في قضية التعليم ببلادنا .فمنذ الاستقلال وعند كل إصلاح كان الجميع يتجنب الاجابة بوضوح على المباديء الاربعة المتوافق عليها – التعميم والتعريب والتوحيد والمغربة -مفضلين مسك العصا من الوسط ،فكانت ولازالت الحصيلة كارثية باجماع التلميذ والأساتذة والأب والوزارة والنقابة والإدارة والمقاولة .

في رأيي ان التوجيه الملكي في رسالته السامية هي دعوة واضحة للجميع بالزامية استحضار زمن الألفية الثالثة كأفق للتفكير والعيش المشترك .

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبه

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

5 1 صوت
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x