لماذا وإلى أين ؟

أي دور لمنظمة الأمم المتحدة في ظل استمرار العدوان على فلسطين؟

د. عبد الرزاق الازهري*

“تـبـدو الأمم المتحدة في حالة إجهاد تام وتواجـه أزمـة مـتـعـددة الأبعاد تهددها بالانهيار” .
بهذه الكلمات وصف صاحب كتاب “الأمم المتحدة في نصف قرن” حال هذه المنظمة، وهو يحاول تشخيص الوضع الذي آلت إليه، ليخلص إلى إفلاسها الوظيفي والمؤسساتي. الأمر الذي دفعه إلى التشديد على ضرورة إخضاعها لإصلاح جذري.
وإذا كان هناك من حقيقة يجب استخلاصها بخصوص راهن ومستقبل الوضع الدولي المتأزم، والذي يتصدر مشهده حاليا العدوان الإسرائيلي على فلسطين، فهي أن فشل منظمة الأمم المتحدة في إيقاف هذا الظلم المستمر على قطاع غزة، هو بمثابة إعلان وفاة صريح لهذه المنظمة.

فهل يستقيم عقلا ونقلا وعرفا، أن تُعرقل الدول النافذة والمتحكمة في القرار الأممي اعتماد قرار لوقف هذا العدوان؟. وإذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد عارضت مشروع القرار الذي تقدمت به روسيا حول الموضوع، مستخدمة حق النقض بعلة عدم تنديد المشروع بحماس، وعدم اعترافه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. فإن هذا الموقف الذي ركن إليه المنتظم الدولي لهو خير دليل على أفول التجسيد الإنساني لمفهوم الدولة لدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن.

ترتيبا على ما سبق بيانه، تتضح الأزمة المؤسساتية والوظيفية التي تعيشها منظمة الأمم المتحدة. ويتأكد بما لا يدع مجالا للشك أن، هذه المنظمة الدولية كانت ولا تزال أسيرة الأنانية التي تمارسها الدول المتحكمة في القرار الدولي. إذ يتم تسخير هذه المؤسسة لخدمة مصالح الدول الخمس الدائمة العضوية، وأجندتها الخارجية بعيدا عن مصلحة باقي الشعوب، في تعارض صارخ مع مقتضيات البند الأول من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، والذي ينص على أن: “مقاصـد الأمـم المتحدة هي: 1- حفظ السلم والأمن الدولي، وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، وتقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وتتذرع بالوسائل السلمية، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها…..”.

وأمام عجز المنتظم الدولي عن إصدار قرارات واضحة تفرض التهدئة، ووقف إنساني لإطلاق النار بشكل فوري ودائم، وتُجرم كل أعمال العنف، والاعتداء الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، بما في ذلك العنف الإعلامي ، وتُؤمن توفير وتوزيع المساعدات الإنسانية بدون عوائق. فإن السؤال الذي يتعين أن يطرح الآن هو: كيف لدول تدعي رعاية الأمن والسلام وحقوق الإنسان في هذا العالم، أن تتمسك بأهدافها السياسية الضيقة، وتُعارض في سبيل ذلك فرض الهدنة، ووقف إطلاق النار، وانهاء العنف في قطاع غزة، وتقديم المساعدات الإنسانية للسكان؟ وما الجدوى من وجود منظمة الأمم المتحدة كجهاز دولي مسؤول عن حماية الأمن والسلم الدوليين، إذا كانت لا تستطيع فرض العدالة والمساواة بين كافة دول المعمور؟

للجواب على هذه التساؤلات، يمكن القول بأن إخفاق منظمة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، وانتهاء صلاحيتها، وعدم جدوى استمرارها في الحياة الدولية، أصبح حقيقة لا يمكن إنكارها. مما يطرح الحاجة إلى إنشاء تنظيم دولي جديد أكثر فعالية، له من الآليات والشروط ما يمكنه من حفظ العلاقات الودية بين الشعوب على أساس احترام المساواة في الحقوق، وتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية.
ويمكن حصر أبرز المداخل الممكنة لتدارك وإصلاح مواطن الضعف التي تعتري منظمة الأمم المتحدة في ثوبها الحالي، على النحو الآتي:
أ – الحاجة إلى إصلاح هيكلي لمنظمة الأمم المتحدة

لقد أصبح التشكيل الراهن لمجلس الأمن لا يتلاءم مع التحولات التي عرفتها موازين القوى في عصرنا الحالي. فلا يعقل أن تكون مقاعد المجلس محددة في خمسة عشر مقعدا ، في حين يبلغ عدد الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة ما يقارب 193 دولة.

إن هذا المعطى يعد مؤشرا واضحا لا غبار عليه عن عدم التوازن الذي يطبع مجلس الأمن. حيث تتحكم الدول الكبرى في القرار الأممي، وتوجهه وفق ما يتفق مع مصالحها مستخدمة حق (امتياز) النقض. لذلك، فقد آن الآوان للتخلص من التشكيلة الحالية للمجلس، واعتماد تركيبة أكثر عدالة ومساواة قادرة على حفظ حقوق كل الدول.

ويمكن في هذا الصدد، زيادة عدد الأعضاء الدائمين عبر إنصاف باقي دول العالم، وفي مقدمتها الدول الإفريقية بمنحها مقعدين دائمين قصد بلوغ تمثيل عادل، مع تمكينها من جميع الصلاحيات، والاختصاصات القانونية المقررة للدول الخمس الحالية الدائمة العضوية. حتى يكون المجلس أكثر تمثيلا وشفافية، خال من الانفرادية التي تنتهجها الدول الكبرى في اتخاذ القرارات، أو ما يسميه المفكر “نعوم تشومسكي” مآزق الهيمنة . هذا، مع ضرورة التضييق والتخفيف من استعمال حق النقض “الفيتو”، وذلك بتقييده، ووضع شروط موضوعية وإجرائية صارمة قادرة على تقنين استعماله بشكل عقلاني حماية للسلم والأمن الدوليين.

كما تجدر الإشارة هنا إلى أن، بعض الأجهزة التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة قد أصبحت متجاوزة. مما يدعو إلى إلغائها، نظرا لانتهاء الأدوار التي كانت منوطة بها، ولكونها أصبحت خارج السياق الدولي، ونذكر من ذلك مجلس الوصاية الذي انتهت الغاية التي أنشأ من أجلها، لعدم وجود أراضي خاضعة لنظام الوصاية حالياً.
أما على مستوى الجمعية العامة فيتعين تمكينها من آليات مؤسساتية، وضمانات قانونية تُمكنها من النهوض بالأدوار الهامة المنوطة بها، لاسيما حفظ الأمن والسلم على مستوى العالم، والرقابة على مجلس الأمن الدولي.

ب – الحاجة إلى تعديل ميثاق الأمم المتحدة
لقد مضى على صياغة مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة زمن طويل، ظهرت خلاله مجموعة من الاختلالات التي تعترض بلوغ غاياته. ورغم ذلك لم يتم إخضاع نصه لأي تعديلات جوهرية، من أجل مواكبة هذه التطورات المتسارعة التي تعيشها العلاقات الدولية. الأمر الذي يُعقد عمل منظمة الأمم المتحدة، والهيئات التابعة لها.
لذلك، فإن إعادة صياغة ميثاق الأمم المتحدة أصبحت مسألة ملحة وضرورية لإزالة التعارض، وعدم الاتساق البين في أحكامه حسبما أكدته الممارسة. ونذهب في هذا الصدد، إلى ما ذهب إليه البعض حينما اعتبر بأنه من أجل ضمان سلطة القانون يجب أن تكون شرعيته غير متنازع بشأنها، وأن يكون قادراً على منع وحل النزاعات التي تنشأ في داخل المجال الذي يحكمه.
وعليه، نعتقد أن الوقت قد حان للتخلي عن الكثير من مقتضيات الميثاق التي أصبحت متجاوزة، وسن أخرى تضمن المساواة والتوازن في صلاحيات وعضوية مجلس الأمن الدولي، حتى يستجيب لمتطلبات النظام الدولي الجديد الذي أصبحت ملامحه تتشكل في الأفق، خصوصا أن الفصل الثامن عشر من ذات الميثاق ينص في المادتين رقمي 108 و 109 على مقتضى التعديل الدوري.

دون أن ننسى ضرورة إحاطة مجموعة من المبادئ التي ينص عليها الميثاق بالوضوح التام، والتأطير القانوني المسؤول، حتى لا تُستخدم في غير محلها كحالة العدوان الإسرائيلي الحالي على دولة فلسطين. ونذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخـلـيـة، ومبدأ الدفاع الشرعي عن النفس.

كانت هذه إذن بعض الملاحظات، رصدناها على عجل حول الإفلاس الوظيفي لمنظمة الأمم المتحدة. وكيف أن هذه الهيئة لا تملك القدرة على النهوض بالوظائف، والأدوار الجوهرية المنوطة بها، في ظل ما يشهده النظام العالمي من تقلبات هيكلية في موازين القوى. مما جعل العالم رهينة لمنطق القوة، والمصالح الضيقة لبعض الدول، التي تبيح لنفسها الدوس على حرمة الشعوب، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني، في تحدي صارخ للمنتظم الدولي الذي يبقى للأسف عاجزا عن التصدي لهذا الظلم.

*باحث في القانون العام والعلوم السياسية

[email protected]

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين وإنما عن رأي صاحبها

 

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

1 تعليق
Inline Feedbacks
View all comments
MRE de Montpellier
المعلق(ة)
29 فبراير 2024 20:51

aucun Pouvoir exécutif L’ONU , c’est juste des décisions et des arrêtés consultatives aucun pouvoir exécutif , l’État Hébreu s’est senti blessé et humilié par l’Attaque surprise de Hamas, et la voilà il s’acharne sur des Innocents

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

1
0
أضف تعليقكx
()
x