لماذا وإلى أين ؟

نجية لبريم.. رحلة بحث عن زوج معتقل (1)

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بان واراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.

وستم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاشته نجية لبريم، زوجة المعتقل السياسي السابق محمد البوكيلي الناشط السابق بمنظمة “إلى الامام” السرية، والذي تم الحكم عليه في 1985 بـ 15 سنة قضى منها 9 سنوات، ليتم إطلاق سراحه رفقة عدد من من المعتقلين سنة 1994،

وفيما يلي نص الحوار:

– كيف تعرفت على زوجك وكيف كان وقع الاعتقال لما تم سماع الخبر لأول مرة؟

تعرفت على زوجي محمد البوكيلي أول مرة بكلية الأداب بالرباط سنة 1979، من خلال أنشطة النقابة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وهناك في جو تميز وجمع بين التحصيل العلمي والالتزام بقضايا الشعوب والنضال من أجل الحرية والاشتراكية والحب، بدأت علاقتنا.

تم اعتقال زوجي محمد البوكيلي في أواسط سنة 1985 من داخل مقر عمله بإحدى المؤسسات التعليمية بمدينة بجعد، وبقيت محفظته في القسم، وكنت عندها أشتغل بالمقر الإداري لمكتب السكك الحديدية بالرباط ولم أسمع بالخبر إلا هاتفيا من طرف إحدى أخوات البوكيلي.

قبل اعتقاله، كانت مجموعة من الاعتقالات بالدار البيضاء وبعض المدن، غير أنه وإن كنت مُتوقِعة لاعتقاله في أي وقت نظرا للظرفية السياسية والحقوقية الصعبة التي عاشها المغرب، فسماع خبر الاعتقال رغم ذلك كان صدمة صعبة وقاسية، ومئات الأفكار مرت بذهني في ثواني معدودة، إذ كان يمكن تعذيبه وتعنيفه بشدة، والخوف الأكبر الذي راودني ألا أرى زوجي مرة أخرى مدى الحياة، نظرا لما كان يروج من أخبار حول هكذا حالات.

– ما الخطوات التي بادرت للقيام بها في الفترة الفاصلة بين الاعتقال والنطق بالحكم؟

أول شيء فعلته، هو تنقلي مباشرة لبرشيد عند عائلته، وكانت لحظة صعبة جدا في تقبل الخبر من طرف العائلة وأخواته خاصة وهو الذكر الوحيد فيها، وكانت لحظات حزن وصدمة كبيرة، كونها لم تكن تعرف شيئا عن أفكار ابنهم السياسية، وما كان يعرفونه أنه أستاذ وفقط وربما في أحسن الأحوال مناضل نقابي كباقي الأساتذة وفقط.

بعدها انتقلت لمدينة بجعد للبحث عنه، ولم أجده في أي مغفر شرطة هناك، لانتقل للدار البيضاء لمعتقل درب مولاي الشريف، ولم يستقبلني أحد هناك، ولم يكلمني أحد وظل يقول البعض من المسؤولون هناك: “لا نعرف هذا الشخص ولم نمسع به أبدا”.

لحظة الاعتقال الأولى، كانت صعبة وشاقة جدا بحكم العمل، إذ كنت اضطر للبحث يوميا عن زوجي في وقت الاستراحة فقط، وكنت أستقل القطار للدار البيضاء وأسأل وأبحث عنه، ثم اعود للعمل بالرباط قبل نهاية الاستراحة، إذ كنت أشتغل من الساعة 7 ونصف إلى 11:45 صباحا، ومساء من 14:15 إلى 18:30، وكان تقديري عندها عدم إخبار الزملاء والمسؤولين في العمل بخبر الاعتقال.

في الأول بدأت أحاول اللقاء بعائلات المعتقل فوجدت البعض منهم وبدأنا نبحث وذهبنا للسجن لم نجد شيئا، ولبعض مغافر الشرطة، ولم نعرف مكان تواجدهم إلا بعد استشهاد أمين التهاني الذي كان رفقتهم، حيث تم نقل المعتقلين لسجن غبيلة بعدها وهناك تعرفت أول مرة على كل العائلات، وبدأت مرحلة جديدة وهي رحلة الزيارات المارطونية.

– كيف كانت الظروف التي تتم فيها الزيارات؟

كانت الزيارات تمر في ظروف صعبة كثيرا، في البداية كانت عبارة عن تجميع كل معتقلي السجن من جهة ومن الجهة الأخرى يوجد الأسر يتوسطنا جدار زجاجي سميك، وكان الكل يتكلم ما جعل التواصل وفهم الكلام شبه مستحيل.

في الزيارات الأولى، أخذنا الكثير من الأدوية والأكل والملابس وكل شيء، لكن للأسف لم يكن مسموحا بإدخاله، ولم يكن هناك أي معيار فيما يجب إدخاله من عدمه، وكان المزاج والتفاوض هو الحاسم في هذا الشأن.

فيما يخص معاملة المسؤولين في السجن، فلم يكن في الأول أي فرق بيننا وبين معتقلي الحق العام، وللأمانة لم يكن هناك أي تحرش او تضييقات ذات طابع جنسي، بحكم أن العائلات فرضوا نفسهن أثناء الزيارات وكان الحراس يخافون منا، ومن أي تبعات لفعل متهور قد يقمون به ضدنا.

وبمجرد ما بدات الزيارات وعرفنا مكان أزواجنا، بدأت معركة جديدة وهي الترافع والبحث عن محامي والتهييء للمحاكمة..

يُتبع..

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x