لماذا وإلى أين ؟

سعاد براهمة.. عشرينية تفقد خط دفاعها الأول

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بان واراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.

وسيتم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاشته سعاد براهمة، أخت المعتقل السياسي السابق مصطفى البراهمة بسبب نشاطه بمنظمة “إلى الامام” السرية آنذاك، والذي تم الحكم عليه في 1985 بـ 20 سنة قضى منها 9 سنوات، ليتم إطلاق سراحه رفقة عدد من من المعتقلين سنة 1994،

وفيما يلي نص الحوار:

كيف كان وقع الاعتقال عليك:

لحظة اعتقال مصطفى الثانية وهي التي قضى فيها سنوات كثيرة في السجن كنت في سن العشرين، وكان وقع الخبر صعب جدا، ولحظة قاسية، فالحياة كلها تغيرت، لأنك تُصبح مجبرا أن تعيش وسط أسرة مقلوبة، ومكلومة، خاصة أنك لا تعرف مصير أخاك، فلك أن تتخيل ما سيُراودك من أحاسيس لما تجهل مصير أخوك المسجون في مكان ما، ولا تعرف إن كان على قيد الحياة أو ميت..، كان سندا لي وخط دفاعي الأول أمام العائلة. فمصطفى كان الأخ الكبير، وبحكم ثقافته التقدمية كان يفهم خصوصيات النساء وحقهن في الوجود، وبالتالي كان هو السند في هذه المسائل أمام العائلة التي كانت محافظة بعد الشيء في هكذا أمور، وكان له علاقة خاصة معي وقريبة جدا.

اعتقل البراهمة أثناء العمل، ومن ذكاءه تعمد عدم حمل معطفه الخارجي وتركه في الكرسي، كإشارة لزملائه على انه اعتقل، كما انه هيأنا نسبيا لذلك. أذكر في الأيام الأخيرة السابقة على الاعتقال، ترك مصطفى لأمي عَلما بسيطا صغيرا لا يرمز لشيء أبدا، وطلب منها أن تتركه ظاهرا في نافذة المنزل كلما مر شخص غريب غير مألوف في الحي حتى يلاحظه أخي من بعيد ولا يمر منه.

كيف عايشتم رحلة البحث عن المعتقلين؟

بمجرد اعتقال مصطفى، بدأت رحلة البحث عن الأبناء المعتقلين وإن كانوا على قيد الحياة من عدمه، وهو ما شكل نواة حركة عائلات المعتقلين، وأول الخطوات إن لم تخني الذاكرة هو مراسلة المنظمات الحقوقية والسياسية والمناضلين المعروفين بشكل سري لينخرط الجميع في رحلة البحث.

وحتى والدي وإن كان رجل أمن فلم يفلح في معرفة مكانه، وطلبوا منه التوقف عن البحث لأنه لن يفيد في شيء، كونه ابنه معتقل من “الرفاق” وليس شخص عادي.

وبقي الوضع على ما هو عليه إلى حين استشهاد أمين التهاني، وهو الأمر الذي عجل بالمحاكمة، وتم على إثره نقل المعتقلين من درب مولاي شريف إلى السجن. خبر استشهاد أمين جعلني أحلم باستشهاد مصطفى مرارا.

كيف استقبلت لحظة النطق الحكم:

لحظة سماع مدة الحكم على مصطفى والتي هي 20 سنة، قاسية ولا يمكن وصفها بكل كلمات ولغات العالم، أحسست بالخوف وعدم الرغبة في الحديث وأصبحت كل أفكاري سوداء قاتمة، وكانت كل أمنياتي ألا يموت هو في السجن، أو يموت والدي وهو ما زال في السجن، لم يكن هناك أي ضمانات بألا يقع شيء له، خاصة نتكلم عن معتقلين سياسيين ولا ليس معتقلين عاديين، وعن أناس عزموا على ممارسة السياسية والنضال حتى داخل السجن، فكانوا يصدرون بيانات تضامنية مع شعوب العالم، وفي كل بيان يصدر كنت أتخوف من انتقام في حقهم.

مند الاعتقال وبعد الحكم خاصة فقدت طعم الفرح والسعادة والابتسامة، وكان كلما نبتسم نتذكر مصطفى فينهال الحزن والكآبة والبكاء على المكان، فقدنا طعم الإحساس بفرحة الأعياد وفرحة النجاح، ففي فترة الاعتقال تزوجت وكان الفرح ممنوعا، فقدت انا والعائلة الحياة وكأننا مسجنونين رفقة مصطفى.

ماذا فعلت العائلات بعد الحكم:

بعد النطق بالحكم بدأت ما يعرف بمعركة الاعتراف بالمعتقلين كمعتقلين سياسيين، وكانت عندها احتجاجات وضغوطات من طرف العائلة ومن طرف المُعتقلين، فكل خطوة يبادر بها المُعتقلين كانت العائلات تقوم بعكسها وترجمتها خارج السجن بمراسلة المنظمات والأحزاب الوطنية التقدمية، وحمل مطالب المعتقلين خلال أي مظاهرة نقابية أو سياسية.

كانت الزيارات في الأول تتم في ظروف صعبة وقاسية جدا، أذكر في إحداها، أني صرخت واحتججت على الحراس لتعاملهم القاسي معي، فمنعوني من رؤية أخي يومها وبقيت هناك محاصرة لوقت طويل، لا هم سمحوا لي بالتقدم نحو غرفة الزيارة، ولا هم سمحو لي بالتراجع ومغادرة السجن، إلى حين انتهاء الزيارة وتركوني أعود سبيلي مع باقي العائلات.

كنا نشارك من موقعنا في التعريف بالقضية بكل السبل، مرة شاركت في اعتصام بمقر الاتحاد المغربي للشغل موازاة مع إضراب المعتقلين عن الطعام، من أجل الاعتراف، وكنت أذهب للدراسة وأعود للمعتصم فور إنهاء الدروس، ورغم صغر سني في أوائل العشرينات مقارنة بأخواتي، فقد ساهمت معركة العائلات في نضج شخصيتي كثيرا.

بعد المعارك والضغوطات تحسنت الأمور تدريجيا، وبدأ يتم الفصل في الزيارات بين المعتقلين السياسيين ومعتقلي الحق العام.

ما الأحاسيس الاولى التي راودتك عند سماع خبر الافراج:

كنت فرحة جدا أنه خرج والوالدين مازالوا أحياء، أحسست أن الحياة عادت لي من جديد، للأسف يتم تسليط الضوء على المعتقلين السياسيين وبعض الأحيان على الأمهات ولم يتم التعريف بمعاناة الأخوات بالضبط وكيف أحسسن وما ممرن به طيلة مدة الاعتقال، وانا أشكر “آشكاين” كثيرا على هذه الالتفاتة لنساء المعتقل خاصة الأخوات.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x