لماذا وإلى أين ؟

أمينة خالد.. تلميذة قوت تجربة الاعتقال شخصيتها (2)

معتقلات بلا أحكام..، سلسلة يتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب،

وفيما يلي تكملة للحوار الذي الذي تحكي من خلاله أمينة خالد مسار رحلتها إبان اعتقال زوجها في تلك الفترة:

-كيف كانت تتم الزيارات في الأول؟

ماذا أقول لك يعني؟ كانت الزيارات الأولى صادمة وقاسية، وتتم في ظروف صعبة، ومن شبه المستحيل سماع صوت رفيقي، كانوا يضعون المعتقلين في جهة، والعائلة في جهة أخرى، وبين الطرفين يوجد الحراس، والكل يتكلم ويصرخ في لحظة واحدة، وكانت القاعة صغيرة جدا.

كان الحراس يعاملوننا بشكل سيء جدا، أي في لحظة قبل المحاكمة، يصرخون علينا مرارا وأحيانا يبعثرون “القفة” التي جمعانها بشق الأنفس، أذكر أنه في إحدى المرات رفضوا دخولي بدعوى عدم انتسابي لعائلة عبد الباقي، ودخلنا في مشادات مع الحراس، وأم رفيقي صرخت عندها على الحارس  باعتباري خطيبة المعتقل ومن حقي رؤيته وأنها هي من جلبت لي بطاقة الزيارة فيها اسمي من المسؤول الإداري عن السجن، وأصريت بدوري على الدخول، ولما لاحظ الباقي أن الوضع على وشك الخروج عن السيطرة سمحوا لي بالزيارة.

أذكر واقعة طريفة جدا تُعبر عن سني الصغير آنذاك وعفوتي، كان عبد الباقي طلب مني جلب  “لانكول” وكانوا يحتاجونه لإشعال النار لإعداد القهوة، فجلبته له في قنينات واضحة جدا، فلاحظها الحارس وسحبها وثار غضب رفيقي وقال لي “واش بعقلك جيباهم باينين هاكا” فقلت له “معرفتش”..

– كيف كان وقع لحظة المحاكمة عليك وعلى باقي العائلات؟

كانت المحاكمات ماراطونية وكان نوعين منها، محاكمة المجموعة 15 التي ضمنها رفيقي وكانت تتم بالمحكمة الابتدائية وتضم المجموعة قواعد “إلى الامام” والمرتبطين بها جماهيريا، ومحاكمة المجموعة 26 وكانت تتم بمحكمة الاستئناف وكانت تضم قيادة الحركة، كنا نحضر المحاكمات وبالموازاة مع هذا الحضور، كنا ننسق مع عائلات المجموعة 26 في الخطوات المُقبلة.

لا زالت عالقة في ذهني تعامل المحامين أثناء المحاكمة، لقد كانت ملحمة بمعنى الكلمة، مرافعات سياسية مُحكمة وعناد قل نظيره، انا كنت أول مرة في حياتي احضر محاكمة و”بقيت حالة فمي” امام شراهة المحامين وصراخهم على النيابة العامة، فأنت كفرد من عائلة المُعتقل ما عليك إلا أن تنحني لهم احتراما وإجلالا لما يفعلونه من أجل زوجك أو أخيك أو ابنك، مُخاطرين بمسارهم المهني.

– كيف استقبلت نفسيا مدة الحكم؟

حُكم على زوجي بـ 4 سنوات، أحسست بظلم كبير جدا وقساوة ومرارة صعبة، فماذا فعل هؤلاء حتى يُحكم عليهم بتلك الطريقة ويُهانون وهم الذين أحبوا وطنهم أكثر من أي شخص، كانوا شباب رائعين يحملون فكر تنويري نقذي..، ورغم الحكم والاحساس الصعب الذي راودني، كنت عازمة على انتظاره حتى الخروج، لقد كان بيننا حب كبير جدا ولا قوة موجودة على وجه هاته الأرض يمكن لها إنهاءه.

وسأكون صريحة معك إن قلت أن إحساسي بالظلم والقهر انخفض لما سمعنا الاحكام الصادرة في حق مجموعة 26 المتراوحة بين 20 و15 سنة، والتي كانت السلطة على استعداد اعتقال كل ساكنة المدينة حتى تصل لهم، لقد صُدمنا بالفعل وكانت مُرعبة، فأربع سنين ليست في جميع الأحوال 20 سنة أو 15.

– ما الخطوات التي قمت بها بعد المحاكمة؟

بعد المحاكمة توطدت العلاقة بين عائلات المُعتقلين، وأول خطوة بعد الحكم قمنا بها إن لم تخني الذاكرة، هي لما أعلن المعتقلين السياسيين إضرابا عن الطعام من اجل التجميع، إذ حينها كانوا مشتتين على السجون، فقمنا بلقاءات مع أمناء الأحزاب الوطنية التقدمية، ومراسلة المسؤولين.

وعلى العموم تحركات العائلات حسب تقسيمي الشخصي تنقسم لصنفين أو شكلين، الأولى كانت تكون تحركات عندما يدخل المعتقلين في معركة ما ونحاول بما نملكه من إمكانيات ووسائل خلق صدى للمعركة لدى الرأي العام الدولي والوطني، والثانية كانت خاصة بالمطالبة بإطلاق سراح المُعتقلين وكانت تتجسد خلال المُشاركة في تظاهرات فاتح ماي والمهرجانات الحزبية والنقابية بلافتة وشعارات خاصة بالمعتقلين.

يُذكر أنه بعد معارك المعتقلين ونضالات حركة العائلات، تحسنت الزيارات وأصبحت تتم بشكل مباشر.

– كيف استقبلت لحظة الإفراج؟

في عيد الفطر في سنة 1989 تم إطلاق سراح عبد الباقي بعد صدور عفو بالمناسبة على مجموعة من المعتقلين، وكان بين العفو ومدة انتهاء الحكم الصادر في حقه 4 شهور، وشخصيا لم أكن أتوقع الإفراج عنه ولم أكن مخبورة، وحتى أمه كانت أعدت الفطور لتأخذه له في الزيارة، فالسلطة تعمدت عدم إخبار العائلات حتى لا يكون تجمع امام بوابة السجن، وحتى في لحظة إطلاق سراحهم أخدوا كل معتقل لمنزله لتفادي أي تجمهر.

أنا عرفت بخبر الإفراج باتصال هاتفي تلقيته من طرف الرفاق في أوروبا، أخبروني انه تم الإفراج عن بعض المعتقلين ولا يتوفرون على جميع الأسماء وسألوني هل عبد الباقي بينهم، فذهبت في الصباح الباكر لمنزل عائلة رفيقي، فوجدته هناك.. أحسست بفرح كبير بخروجه وسعادة لا توصف، أخيرا انتهى هذا الكابوس، لكنها تبقى فرحة منقوصة انداك كون سجون المغرب لا زالت مليئة بالمعتقلين السياسيين.

يُذكر أنه ظل متابعا باستمرار بعد إطلاق سراحه، ويأتون للمنزل يوميا، ويتم استدعاءه بين الفنية والأخرة، ومرة استدعوه كي يجدوا له عمل وقالوا له أي عمل تريد، فقال لهم مازحا “بغيت نكون طيار”.

رغم إطلاق بعض المعتقلين، بقيت كل العائلات لحمة واحدة وكتلة واحدة، وناضل الجميع لحين إطلاق سراح آخر معتقل.

تجربة الاعتقال كونتني وساهمت في تقوية شخصيتي، وهي السبب فيما عليه أنا اليوم، ولست نادمة على شيء فكان لا بد من دفع الثمن ولا بد من التضحية، لأن ذلك يُكتب في التاريخ.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x