2024 © - أشكاين جميع الحقوق محفوظة - [email protected]
فاطمة فجلي.. عندما يصبح الاعتقال عادة يومية طيلة عقد الثمانينات
معتقلات بلا أحكام..، سلسلة سيتم تسليط الضوء من خلالها على الظروف التي عايشتها عائلات المعتقلين في فترة ما سمي بـ “سنوات الرصاص” التي شهدها المغرب، وهي سلسلة تهدف لإبراز فكرة بان واراء كل معتقل في تلك الفترة امرأة كافحت وضحت، رغم كل الظروف الصعبة، وعايشت تطورات الاعتقال لحظة بلحظة، امرأة توقفت حياتها هي الأخرى طيلة فترة الحكم، كأن سنوات الحكم طالتها هي أيضا مع فارق أنها خارج السجن وليس داخله، وبلا حكم.
وسيتم في هذه الحلقة تسليط الضوء على ما عاشته فاطمة فجلي، شقيقة المعتقل السياسي السابق مصطفى فجلي الناشط السابق بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي حاليا، والذي تم اعتقاله والحكم عليه مرارا طيلة فترة الثمانينات.
– كيف كانت وقع اعتقالات شقيقك عليك؟
أود في الأول توجيه تحية كبيرة جدا للمشرفين والمشرفات على هذه السلسلة “معتقلات بلا أحكام”، الهادفة للتعريف بالمعاناة التي عاشتها عائلات المعتقلين السياسيين في سنوات الجمر والرصاص.
شقيقي الأكبر مصطفى فجلي، تعرض للاعتقال مرات متعددة، فيها ثلاث مرات تم عرضه على المحكمة ومرات كثيرة يعتقل فيها لأيام ويُطلق سراحه، لدرجة أصبحت فيها اعتقالاته المتكررة في سنوات الثمانينات عادة يومية للعائلة
أول اعتقال رسمي كان سنة 1980، في قضية مقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالفقيه بن صالح الذي تم تشميعه من طرف الباشا دون أي سند قانوني، ما دفع بشقيقي وبعض من رفاقه للدخول لمقرهم القانوني ليشملهم الاعتقال.
وثاني اعتقال في قضية أحداث 24 أكتوبر 1982 بمعية 25 مناضل، أتذكر من بينهم محمد الضو ، عمر منير ، نزير مصطفى، محمد بوكرين، الكاضمي عبد العظيم ، جيار ميلود، الحسن السكاك..، وكان مُبرر الاعتقال هو الهجوم على مسكن الغير الذي هو مقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وقد ذهبوا له أصلا للتحضير لذكرى اختطاف الشهيد المهدي بن بركة.
وبعد أحداث يناير 1984، تم اعتقاله مرة أخرى بعد مصادرة عدد كبير من المجلات والكتب، من بينها أعداد من مجلة وجريدة “الاختيار الثوري” التي كانت توزع بين ما كان يسمى أنصار اللجنة الإدارية والتي منها تفرع حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، والذي كان أخي من أحد مؤسسيه.
– كيف استقبلت لحظة النطق بالحكم؟
بالنسبة للحكم الذي صدر في حق شقيقي على خلفية أحداث يناير، كان 5 سنوات حبسا نافذة، قلصتها محكمة الاستئناف فيما بعد الى سنتين. عشنا خلالها معاناة عميقة، خصوصا أثناء الإضرابات عن الطعام التي كانوا يخوضونها كمعتقلين إما تضامنا مع معتقلي مراكش المضربين الذي تضامنوا معهم 28 يوم، أو بسبب أوضاعهم داخل السجن.
كانت لحظة الحكم خاصة الأولى صعبة جدا، وأحسست خلالها بحزن عميق وغضب كبير، ولحسن الحظ وقف بجانبنا الرفاق والهيئات التقدمية وإلا كانت مأساتنا مضاعفة، ماذا عساي أقول، لحظة تعجز كل الكلمات عن وصفها.
– كيف كانت ظروف زيارات بالسجن؟
عانت العائلة كثيرا خلال الزيارات نتيجة أوضاع السجون بصفة عامة، وتعامل الحراس غير الودود أثناء الزيارة، وما كان يتركه ذلك من أثار نفسية عميقة لدى العائلات، فلا أحد ينكر المعاناة المادية والنفسية لعائلة المعتقلين السياسيين، ولكن في الجانب المعنوي ظلت تلك العائلات قاعدة خلفية للمعتقلين، وهم من عرفوا باعتقالهم إلى جانب رفقاهم، وضغطوا في التفاوض والترافع خصوصا أثناء الإضرابات اللامحدودة عن الطعام أمام النيابة العامة وإدارة السجون مرات متعددة.
العائلة كانت مستهدفة كذلك خلال ذلك الاعتقال، فقد زارنا رجال الأمن بالليل، وصادروا حينها كل الكتب والمخطوطات والبيانات والنشرات التي يجدونها بعد العبث بأغراضنا المنزلية وما كان يخلفه ذلك من رعب نتيجة المعاملة القاسية.
– كيف اسقبلت لحظة إطلاق السراح؟
غادر السجن في 20 يناير 1986 وكانت في كل مرة يغادر فيها السجن يتحول منزلنا إلى عرس يعج بالمناضلين والعاطفين والمحبين من الاستقبال ببوابة السجن إلى المنزل كأننا نقيم فرحا، كانت أشكال الدعم والمساندة قوية ماديا ومعنويا وهي صراحة ما كانت تُخفف عنا نسبيا ألام ومعاناة الاعتقال، فأخي في آخر المطاف اعتقل نتيجة مواقف وأفكاره التقدمية، وليس نتيجة اختلاس في المال العام أو اعتداء على ناس أبرياء.
وأشير إلى أنه رغم الافراج في سنة 1986 لم تتوقف حركة مسلسل اعتقاله إلا لحدود 1989.
وأود في الأخير توجيه تحية اكبار واجلال لكل من ناضل وكافح او ساند وآزر المناضلين كل من موقعه، بهدف تحقيق الحرية والديمقراطية والمساواة، وهذه الشهادة المتواضعة وهذه الاحاسيس واللواعج شكلت لدي تشبع وعقلية نضالية لا يمكن ان احيد عنها في يوم من الأيام.