لماذا وإلى أين ؟

الجنّة كماخور.. سيناريو وإخراج سلفي تكفيري

التصور الذي يحمله فلول الإرهاب التكفيري عن الجنة هو نفسه التصور الذي تحمله الجماعات الإخوانية التي تترس اليوم بمفاهيم الاعتدال والوسطية..جنّة اختصرت في لذّة للشاربين والاشتغال في افتظاظ الأبكار وفق تأويل يمتح توقّعاته من النشأة الدنيا لا من النشأة الأخرى بخصائصها المختلفة في المقام والمرتبة والذّوق..لذة ماجنة موسّعة: بمعيار الأرض هي مدينة مدنّسة وبمعيار الجنة هي مدينة مقدّسة..يسعى التكفيري إلى إبادة النوع ليعانق سبعين حرية كل قبلة منهن تستغرق سبعين عاما..كاريكاتير بورنوغرافي..يجب إطلاق العنان للخيال..لا يتحمل التكفيري أن تنال النشأة الأخرى من غريزته الجنسية بالتعديل الجيني على الأقل ، يريدها أن تبقى كما هي ليعربد ما شاءت له الغريزة..لقد أصبح تصور الحور العين مركزي وملهم..دور الليبيدو في الجهاد التكفيري..وغرق التصور التكفيري في إسرائيليات فيها رؤية تعويضية تستخف بنساء الدنيا وتحاول ان تتدارك الصورة البديلة في الحور العين..لا خلاف هنا سوى أنهنّ يجسدن كل ما تتوقّعه ذات في غاية الكبت..في أكثر التفاسير تتضخم هذه الصورة الدخيلة حيث يفسرون الآية” في شغل فاكهون”، مشغولون بافتظاظ الأبكار..أوبتعبير آخر: افتظاظ العذارى..انظر ابن كثير والطبري وهلم جرّا..ابن القيم في نونيته يشرح شغل أهل الجنة قائلا:

ولقد رأينا أن شغلهم الذي*** قد جاء في يس دون بيان

شغل العروس بعرسه من بعدما*** عبثت به الأشواق طول زمان

بالله لا تسأله عن أشغاله*** تلك اليالي شأنه ذو شان

واضرب لهم مثلا بصب غاب عن*** محبوبه في شاسع البلدان

والشوق يزعجه اليه وما له***بلقائه سبب من الامكان

وافى اليه بعد طول مغيبه*** عنه وصار الوصل ذا امكان

أتلومه ان صار ذا شغل به*** لا والذي أعطى بلا حسبان

يا رب غفرا قد طغت أقلامنا*** يا رب معذرة من الطغيان

أوّل وأهم ما يطلبه التكفيري الإرهابي أن يرتمي في حضن الحور قبل أن ينال مرضاة الله..ومرضاة الله في نظرهم هي مكافأة..الرب هنا يكافئ الإرهابيين على قتلهم النّاس بتوزيع حوريات وخمر وشاليهات في جنة هي ليست بهذا المنظور سوى سياحة جنسية ، النشأة الأخرى فيها ليس تبديلا للميول والغرائز أو أنها تجسيد لكمالات الرغبات واللذائد العقلية بل هي تبديل كمّي في زمن الاستمتاع وتبديل كمّي في طاقة الليبدو..لا تستطيع أن تقرأ نونية ابن القيم داخل أسرة تربّي أبناءها على الصّلاح..حتى جمهور المؤمنين لم يعيشوا هوس هذه الجنسانية المتدفقة في جنة حولها التكفيريون والسلفيون إلى ماخور..كان المؤمنون الطيبون من عموم
المسلمين ينظرون إلى الجنة نظرة مختصرة كما فعل القرآن ويطلبون فيها الرضوان وقلما تطرقوا للحور العين بهذه السرديات الإسرائيليات..يتحدثون عن حور عين بذوق واحد سافل يعزز أنّها ليست أذواق ناضجة حتى بمقاييس الدّنيا..بعد مسالك الكمالات
يرتد الواصل إلى وحش منهمك في افتظاظ الأبكار كأنّ الجنّة هي مجال لتفجير البيدوفيليا..حتى اهل المجون في الدنيا يقرفون من هذا التضخم الحوريائي الذي ينطق به تكفيريون لا تستطيع أن تتعايش معهم في الدنيا ساعة فكيف تعيش معهم في دار الخلود؟

في سوريا التي خربها التكفيريون الذين يحملون ذات التصور عن الحور العين من الإخوان، نستطيع معرفة تأثير الإثارة الجنسية في العمران البشري..هؤلاء الذين التحقوا تحت تأثير التحشيش الذي يصنعه الفهم الديني الخاطئ للجنة..يستطيع التكفيري أن يعيش الخراب المستدام في دنياه ليظفر بطرطبّة متخيلة تزفه من بوابة الجنّة إلى ضيعة وارفة الظلال، تتدلى فيها الفواكه والحور العين من الأشجار ووديان من الخمرة و”فدادين من الحشيش والهيروين = هذه من عندي”..ثم يكون الأحبّة فيها من أمثال العرعور الأجرب أو نهاري أو الزمزمي، أو الزرقاوي..لتكتمل الصورة: صورة حفل قراصنة أبادوا النوع وهم في حفل انتصار..والملائكة في خدمة الزرقاوي وأتباعه..وغالبية الأمة في قعر جهنّم لا حور ولا فواكه ولا تحشيش: حظّ بائس.

الذكور إن اتقوا – اي إن قتلوا من الخلق الكثير – فلهم عشرات الحور العين ، بينما الجماع في اليوم حسب نونية ابن القيم 100 مرة..كنت أريد أن أسأل: خلّوها 101..وانتبه: إن اليوم في تقدير الجنة قد يطور بحسب ما يتيحه المتخيل الزمني لفيزياء النسبية..لكن السؤال: ماذا لو اتقت المرأة؟ هنا في هذا التصور قد يكون لها الحق في أن تلتقي زوجها في الجنة..جزاؤه أن يجد غيرها وجزاؤها أن تجده حتى لو كانت لا تحبّه..ثغرات مسكوت عنها في نونية ابن القيم وفي هذا التّصور المراهق للحور العين..

إنّ التصور الذي تحمله الجماعات المسطولة عن الجنة والحور العين ليس بليدا وتافها وغارقا في الإسرائيليات، بل هو تصور يهدد السلم العالمي..هذا التصور مشترك بين داعش وكل السلفيات بما فيها تنظيمات الإسلام السياسي في المغرب ووزراؤه الذين يسهامون في تفقير الشعب في سبيل مكاسب دنوية وأيضا في سبيل حور عين حسان لقاء الجهاد التفقيري في الشعب مثلما نظراؤهم يمارسون الجهاد التكفيري في أماكن أخرى..نونية ابن القيم هي ملخص تلك الصورة، ابن القيم الرجل الأكثر محبوبية لدى الراحل عن الحكومة: بنكيران كما صرح ذات يوم في برنامج (Mais Encore)..

إنّ التصور الذي يحمله هؤلاء عن متعة الجنّة يناقض الكمالات العقلية والمعنوية التي ترقى بالإنسان في النشأة الدنيا عن هذا الهوس فكيف بالنشأة الأخرى حيث اللذائذ المتوقعة من سنخ الكمالات، بل إنّنا نراه تصوّرا لا يربّي على الخير بقدر ما يربّي على الانتهازية والشره والأنانية..يروون أنّ التضخم في الشهوات هو من علامات الكافر ثم يعطون في الجنة لأنفسهم أضعاف ذلك..تصور يخلق اضطرابا ويؤدّي إلى الهوس والإفراط واللاّسواء وفقدان التوازن..هو يقتلك هنا ليظفر بالغنيمة هنا وهناك..لا تهمهم أوطان ولا حرية ولا عدالة ولا تنمية ولا سلام، بل على هذا الكوكب أن يتوقف على شهوة تكفيري يحلم ليل نهار بأن يعانق أطياف نجوم الصناعة الجنسية في جنة تستحق بالوصف السلفي إياه أن تكون أسفل سافلين لا في أعلى علّيين..

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي آشكاين و إنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا.

احصل على تحديثات فورية مباشرة على جهازك ، اشترك الآن

0 0 أصوات
تقيم المقال
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments

يستخدم موقع الويب هذا ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

0
أضف تعليقكx
()
x